حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةسياسيةفسحة الصيف

الدين والسياسة على ضوء العالم المعاصر

كتاب "العقل.. الحرية والديموقراطية في الإسلام" لعبد الكريم سروش

يذهب عبد الكريم سروش إلى أن الجمع بين الدين والديموقراطية أو البحث في الديموقراطية وعلاقتها مع الدين ممكن، لكنه تدبير لا بد وأن يقع خارج دائرة الدين. لأن الديموقراطية “من الأبحاث الكلامية والفلسفية التي تتجاوز أمور الدين والنصوص الدينية.” أي أنه لا يمكن الجمع بين الدين والديموقراطية “من خلال الاستدلال بالأحكام والاجتهادات الفقهية من داخل دائرة الدين”، وإنما من خلال تطابق الفهم الديني مع قيم الديموقراطية، “لا أن نتحرك من موقع تطبيق قيم الديموقراطية على فهمنا الديني”. بعبارة أخرى لا ينبغي للديموقراطية أن تكون تابعاً أو خادماً للدين. لأن “كشف واستنباط المناهج العادلة للسلطة وتحديد القدرة وتعيين المصاديق القطعية لحقوق الإنسان تعد في المرتبة الأولى ضرورة منطقية ولا بد أن تكون مستوحاة من منبع العقل لا الدين”.

مقالات ذات صلة

 

الديموقراطية في بلد مسلم

عبد الكريم سروش هو الاسم المستعار لحسين حاجي فرج الدباغ، أحد أبرز المثقفين في إيران ويكرس اهتماماته في الدين والديمقراطية والتنوير الديني؛ ولد في طهران سنة 1945، ودَرَس في الثانوية المسماة بـ”رفاه” وهي من المدارس التي كانت تحرص على الجمع في مناهجها بين الدروس الدينية وبين المواد العلمية المعاصرة؛ التحق بـجامعة لندن في فرع الكيمياء وحصل على الدكتوراه. لكنه ترك تخصصه في الكيمياء والصيدلة واتجه إلى فلسفة العلم ودراسة تياراتها النقدية الحديثة وتراث المدرسة الوضعية. كان سروش قريباً من علي شريعتي ومرتضى مطهري، وهما وجهان محوريان في فترة ما قبل الثورة في إيران، وبعد الثورة عاد إلى بلده وشغل مناصب عليا في الدولة وأخرى بحثية أهمها الأبحاث والدراسات الثقافية.

ظهر سروش منذ أوائل الثمانينيات كواحد من الكتاب غزيري الإنتاج في إيران، وعالجت كتاباته الأولى النظريات الماركسية وموضوعات فلسفة العلم، ومن أهم أعماله البارزة في تلك الفترة كتاب “المعرفة والقيمة”، وكتاب “ما هو العلم؟ ماهي الفلسفة؟” إضافة إلى دراسة نقدية لكتاب محمد باقر الصدر “الأسس المنطقية للاستقراء” نقلت إلى العربية ضمن كتاب السيد عمار أبو رغيف بعنوان “الأسس المنطقية للاستقراء في ضوء دراسة الدكتور سروش” سنة 1989، وهي السنة التي بدأ فيها سروش بنشر مقالات “القبض والبسط للشريعة” وقد أثارت جدلاً واسعاً ونقاشاً حادا بين المؤيدين والمعارضين، فجمعت بعد ذلك في كتاب حمل العنوان نفسه “القبض والبسط في الشريعة” ونقل إلى العربية.

فليس من قبيل الصدفة أن يؤلف في إيران وحدها ثلاثون كتاباً لمناقشة آراء سروش، عشرون منها تتفق معه وتؤازره والعشرة الأخرى تقف بالضد من تلك الآراء والطروحات. وميزة سروش أنه مفكر تكونت ثقافته ومنهجيته في البحث من أبعاد علمية متعددة فهو صاحب اختصاص في الصيدلة والكيمياء وهو متابع لأحدث الدراسات الغربية في التاريخ وفلسفة العلوم وعلم المعرفة (الإبستمولوجيا)، وهو إضافة إلى ذلك ناشط ثقافي وسياسي ومتبحر في علم الكلام والتفسير وأصول الفقه ومتذوق لأدبيات العرفان. ولعل ذلك ما دفعه إلى استمداد مفهومي “القبض” و”البسط” من الحقل الصوفي كعنوان لنظريته، ساعياً في ذلك إلى إبراز خاصية التحول والتغير التي تميز المعرفة البشرية ومن ضمنها المعرفة الدينية.

يرى سروش أن أدلجة الدين ناتجة عن سوء فهم للعلمانية وللدين الإسلامي على حد سواء. ومن جهة أخرى يعتبرها أيديولوجيا إصلاحية أتت رداً على الاتجاه الصوفي الذي آثر الابتعاد عن الحياة الدنيا وأمور السياسة. والنتيجة “دين أيديولوجي” هدفه “إظهار برنامج الدين موفقاً وناجحاً في إعمار الدنيا”

فالدين العلماني، كما يفهمه سروش “هو الدين الذي يقتبس تعاليمه من الوحي لغرض إعمار الدنيا وتدبير أمور هذا العالم، وهذا المفهوم للدين يتنافى مع معتقداتنا الدينية. فعندما ندعي أن الدين للدنيا والآخرة فنحن عملياً فتحنا نافذة لدخول الأيديولوجيا إلى داخل المفهوم من الدين”. ومن معاني الدين العلماني عند سروش أن “يكون الدين خادماً والحياة الدنيا مخدومة؛ أي الدين الذي أريد منه أغراضاً دنيوية وأن يكون خادماً للدنيا وتابعاً لها؛ فالمعيار لحقانية الدين هو مقدار خدمته للحياة الدنيوية للإنسان، وهذا هو معنى مقولة “الدين الأيديولوجي”؛ فالأيديولوجيا لها غرض دنيوي لا أن غايتها هو الدين فقط وفرق شاسع بين هذين الأمرين.”

فالدين الأيديولوجي لا هو ممكن ولا هو مطلوب، “أي إن أدلجة الدين غير ممكنة أولاً، وثانياً نفرض أن هذا العمل ممكن ولكنه غير مطلوب وبإمكانه أن يمسخ الدين!” وذلك للاختلاف بين مفهوم الدين ومفهوم الأيديولوجيا المذموم. “فعندما أقول أن الدين لا يمكن أن يصبح أيديولوجيا فإن مقصودي من الأيديولوجيا هو ذلك المعنى المذموم في أصل هذه المفردة. أي أن يستخدم الدين لخداع الناس وفي خدمة منافع طبقة معينة على حساب الحق والعدل”.

 

العلمانية والإسلام

سروش لا يرفض فكرة أن يكون الدين للدنيا والآخرة معاً، لكنه يؤكد على أهمية تحديد الأولوية “أيهما مقدم على الآخر وأيهما خادم وأيهما مخدوم، أيهما الأصل وأيهما التبع؟”. حينها يتضح أن الأيديولوجيا (الدينية) “هي أطروحة تجعل من الدنيا الأصل.. بخلاف حقيقة الدين فهو عندما يتحدث عن الآخرة يتحدث عنها بالأصالة وعندما يتحدث عن الدنيا يتحدث عنها بالتبع”. يستطرد سروش في شرح هذه المسألة قائلاً: “إن الدين ملك مشاع للجميع وقد يكون له تفسير علمي وغير علمي ولكن ليس له تفسير رسمي. أما من يرى من أصحاب العقل الأيديولوجي عدم فصل الدين عن السياسة فإن أحد مقاصدهم فرض التفسير الرسمي للدين على المفكرين والمواطنين وجميع أفراد المجتمع وتحويل الموقف إلى حالة سكونية من خلال عدم السماح للفكر أن يتحرك ويطرح علامات استفهام في مسار السلطة الدينية.”

والخلاف ليس حول الكلام في أن دين الله حق أو غير حق، بل في كيفية صياغة أحكام هذا الدين الحق في قوالب قانونية. فالقانون، كما يقول سروش “أشمل وأوسع دائرة من الأحكام الدينية. فعندما يصل الدور إلى إدارة المجتمع ونظامه السياسي فلا يكون الكلام حينئذ عن الحقانية بل البحث عن المشروعية والعقلانية في ترشيد مسار العملية السياسية.”

ينتهي سروش في توضيحه للهدف الحقيقي من الدين إلى أن “الغاية الأصلية للدين هي تأمين سعادة الإنسان في الآخرة، وليست السعادة الأخروية تابعة للسعادة الدنيوية بل مستقلة عنها، فالهدف من الدين هو هدف آخروي لا دنيوي.. وهو يعطي حصة للدنيا حتى لا تزاحم الآخرة. وأما اهتمام الدين بالدنيا فإنما يكون في دائرة عدم تعارضها مع الآخرة.. فالاهتمام بالدنيا يأتي بالتبع وبحكم الاضطرار.”

وبهذا المعنى “لا يوجد برنامج خاص للتقدم المادي والعملي في تعاليم الدين. وليس فيه برنامج للتقدم الزراعي والصناعي وبناء السدود وتعبيد الطرق والصحة والكهرباء”، كما أنه “لا يعني وضع البرامج الاقتصادية والسياسية من قبل الدين كما يتصور أصحاب الدين الأيديولوجي؛ لأن التقدم والتمدن وبناء المدن والمصانع لا تعتبر أساساً من مقاصد الدين الأصلية. ففي هذا العصر يتم التخطيط لإعمار البلاد والنهوض بالاقتصاد والتعليم والصحة والصناعة والتنمية الزراعية وأمثال هذه الأمور باستخدام التدبير العقلاني ولا يحل الدين محل العقل في هذه الموارد ولا يمكن تأطير الدين بإطار أيديولوجي ضيق”، كما أن موضوع الفقه هو “الحلال والحرام لا علم التخطيط للمستقبل.”

لا يعترض سروش على تعريف العلمانية الشائع: “فصل الدين عن السياسة” ولكنه يعتبره “تعريفاً محدوداً، ولا يستوعب جميع المضمون الكامن في العلمانية”. فالعلمانية في تعريفه: “لا تعني سحق القيم وهتك المقدسات أو تقف في مواجهة الدين” لكنها “عبارة عن الاعتراف بوجود مناطق في العالم لا تسمح بنفوذ الإرادة الإلهية إليها”. فلا مكان “لقول إن شاء الله في ميدان السياسة” وإدارة شؤون الدولة؛ لأن “إرادة الله لا تمثل أدوات فهم الحدث في هذه المناطق وخاصة في منطقة حقوق الإنسان التي تعد منطقة مستقلة مثل منطقة المنطق”. والعلمانية تعني “أن تقف الحكومة على الحياد وتصرف اهتمامها إلى الأمور الدنيوية وتعود إلى محطة ما قبل قبول الدين والأخلاق والفلسفة ولا تحاول إرغام المواطنين على اختيار نظرتها ورأيها.. ففي المجتمع المدني الناس ملزمون برعاية القوانين لا برعاية الأحكام الاجتماعية والشرعية”.

ويرى سروش أن “السياسة منفصلة ذاتاً عن الدين” لأن “المديرية السياسية لها ماهية خاصة لا تكون دينية أو غير دينية”. وهو مع “استخدام المناهج النظرية والعملية والتاريخية في مقام فهم وقبول الدين وتكريس أدوات العقلانية في إطار المنظور الديني للمساهمة في عملية عقلنة الدين وفق مستجدات المعارف والعلوم البشرية مما يساهم في فتح الطريق أمام بلورالية معرفية في دائرة المذاهب والأديان والتي تعد أحد الأركان المهمة في العملية الديموقراطية.”

ويذهب إلى أن الجمع بين الدين والديموقراطية أو البحث في الديموقراطية وعلاقتها مع الدين ممكن، لكنه تدبير لا بد وأن يقع خارج دائرة الدين. لأن الديموقراطية “من الأبحاث الكلامية والفلسفية التي تتجاوز أمور الدين والنصوص الدينية”. أي أنه لا يمكن الجمع بين الدين والديموقراطية “من خلال الاستدلال بالأحكام والاجتهادات الفقهية من داخل دائرة الدين،” وإنما من خلال تطابق الفهم الديني مع قيم الديموقراطية، “لا أن نتحرك من موقع تطبيق قيم الديموقراطية على فهمنا الديني”. بعبارة أخرى لا ينبغي للديموقراطية أن تكون تابعاً أو خادماً للدين. لأن “كشف واستنباط المناهج العادلة للسلطة وتحديد القدرة وتعيين المصاديق القطعية لحقوق الإنسان تعد في المرتبة الأولى ضرورة منطقية ولا بد أن تكون مستوحاة من منبع العقل لا الدين”.

ونفي العلمانية عن الإسلام لا يعني إلحاقه بالروحانية الخالصة، وإنما المقصود أنه لا يتدخل في أمور الدنيا بالمعنى الذي يريده له أصحاب العقل الأيديولوجي. وبهذا يكون الدين عند عبدالكريم سروش ديناً واقعياً لا يتدخل في شؤون الدنيا على نحو مباشر، كما هو الحال في مفهوم الدين العلماني (الأيديولوجي) عند محمد عمارة وغيره. وسروش بتعامله مع التراث من منظور نقدي يعيد النظر في مفاهيم وتصورات كانت بمثابة بداهات فيجعل الدين الإسلامي ديناً علمانياً مغايراً للدين الأيديولوجي.

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى