
تعد قصة نجاح مارك زوكربيرغ، مبتكر أشهر موقع للتواصل الاجتماعي «فايسبوك»، إحدى الوقائع النادرة والمبهرة في تاريخ الاختراعات والابتكارات. ولد مارك زوكربيرغ سنة 1984 في الولايات المتحدة الأمريكية من أسرة ذات أصل فنلندي، تنتمي إلى الطبقة المتوسطة، تتميز بمستوى تعليمي عال، فأبوه طبيب أسنان وأمه طبيبة نفسية. منذ صغره أظهر مارك زوكربيرغ الطفل المعجزة ميلا واضحا إلى العلوم الرياضية والفيزيائية، واهتماما بالغا بتعلم اللغات. قام والده بشكل مبكر بتعليمه المبادئ الأساسية في برمجة الحاسوب، ولما لاحظ استعداده القوي استقدم مبرمجا للحاسوب الذي علمه كل ما يتعلق ببرمجة الحاسوب. قبل أن يكمل مارك دراسته الثانوية، كان قد استطاع بمفرده أن يضع برنامج Zuknet الذي يربط بين أجهزة الحاسوب في عيادة والده وأجهزة الحاسوب في المنزل.
جامعة هارفارد.. بداية التألق
ولج مارك زوكربيرغ جامعة هارفارد التي تعد أرقى جامعة في أمريكا لدراسة علم النفس وعلم الحاسوب، ولمع نجمه بين الطلاب، بسبب تمكنه الشديد من تقنيات برمجة الحواسيب. في البداية استحدث برنامجين، الأول Coursematch هدفه تمكين طلاب الجامعة من اختيار مواد الدراسة والأنشطة المتعلقة بها، والثاني Facematch غايته ترفيهية فهو مجرد لعبة يتم فيها اختيار الوجه الأفضل بين وجوه طلبة الجامعة، حيث استخدم صورا مجمعة من دليل الصور المتاح على الإنترنت والخاص بتسعة من طلبة المدينة الجامعية، مع وضع صورتين بجانب بعضهما البعض ودعوة المستخدمين إلى اختيار الشخص «الأكثر جاذبية». وكي يتمكن مارك زوكربيرغ من تأسيس الموقع، لجأ إلى اختراق مناطق محمية في شبكة الحاسوب الخاصة بجامعة هارفارد، وقام بنسخ صور خاصة بالطلبة في السكن الجامعي. وسرعان ما تم توجيه الموقع إلى العديد من وحدات الخدمة الخاصة بالحرم الجامعي، ولكن إدارة جامعة هارفارد بعد بضعة أيام قامت بإغلاقه. ووجهت الاتهام إلى زوكربيرغ بخرق قانون الحماية وانتهاك حقوق التأليف والنشر وكذلك انتهاك خصوصية الأفراد، مما يعرضه للطرد من الجامعة، ولكن تم إسقاط جميع التهم الموجهة إليه في نهاية الأمر، بعد تقديمه لاعتذار علني. لكن فكرة العالم الأزرق كانت قد أخذت طريقها إلى الانطلاق. في سنة 2004 أطلق مارك زوكربيرغ موقعا جديدا يحمل اسم thefacebook.com، أراد منه أن يكون موقعا للتواصل الاجتماعي والتعارف المتبادل بين طلبة جامعة هارفارد، يقوم فيه كل طالب بإنشاء صفحة خاصة يعبر فيها عن نفسه وعن شخصيته… سرعان ما انتشر انتشار النار في الهشيم، فانتقل إلى كل الجامعات الأمريكية وفي كندا وفي العالم بأسره. وفي شهر يونيو من عام 2004، تم نقل مقر «الفيسبوك» إلى مدينة بالو آلتو في ولاية كاليفورنيا. وقد قامت الشركة بإسقاط أداة التعريف the من اسمها، بعد شراء اسم النطاق facebook.com عام 2005، نظير مبلغ 200000 دولار أمريكي. وفي 26 شتنبر من عام 2006، فتح الموقع أبوابه أمام جميع الأفراد البالغين من العمر ثلاثة عشر عاما فأكثر والذين لديهم عنوان بريد إلكتروني صحيح. وفي أكتوبر من عام 2008، أعلن القائمون على إدارة «الفيسبوك» اتخاذ مدينة دبلن عاصمة أيرلندا مقرا دوليا لها، وعرفت السنوات القليلة التالية توسعا مطردا وهائلا، حيث بلغ عدد المستخدمين لهذا الموقع أكثر من 600 مليون في سنة 2010، ما جعل مجلة «Times» الشهيرة تمنحه في تلك السنة لقب شخصية العام. واستمر هذا الانتشار الواسع حتى وصل سنة 2016 إلى ما يناهز مليار ونصف المليار مستخدم. التطورات والتحولات التي شهدها هذا الموقع الأشهر بين مواقع التواصل من «فايسبوك» سابقا و«ميتا» حاليا، قد عززت مكانته، رغم موجة الانتقادات التي وجهت إليه في القضايا المتعلقة بالخصوصية، وحماية معلومات المستخدمين، وكيفية استخدام هذه البيانات.
إمبراطورية «ميتا»
ظل زوكربيرغ يدافع عن موقعه ويطرح في كل مرة مبادرات كثيرة يعد فيها بتحسين الشفافية وإرساء قواعد تحفظ له الأمان الرقمي المطلوب، وتضع نظام مراقبة لسياسات المحتوى، لمواجهة ما يمكن اعتباره توظيفا سياسيا وأمنيا عن طريق بث الإشاعات ونشر المعلومات المضللة، واستغلال بيانات المستخدمين دون إذن في أوجه غير قانونية، وفوق ذلك التأثير على الرأي العام… خاصة بعد تحول شركة «ميتا» العملاقة إلى امبراطورية، بعد استحواذها على «إنستغرام» و«واتساب»، ما جعل مارك زوكربيرغ اليوم في مواجهة اتهامات ودعاوى قضائية في أمريكا.
إن هذه الضغوطات على مؤسس «ميتا»، مارك زوكربيرغ، أرغمته على أن يعيد النظر في نظام مراقبة سياسات المحتوى المسماة بمدققي الحقائق، والاعتراف علنا: «بأن مدققي الحقائق كانوا متحيزين سياسيا للغاية، ودمروا المزيد من الثقة أكثر ما خلقوها»، ويضيف: «ما بدأ كحركة لتكون أكثر شمولا تم استخدامه بشكل متزايد لإسكات الآراء وإقصاء الأشخاص ذوي الأفكار المختلفة، وقد ذهب الأمر إلى أبعد من ذلك». هذا الواقع الجديد فرض عليه أن يسارع إلى إدخال تعديلات واختيار مسارات أخرى لمشاريعه المستقبلية، والتوجه هذه المرة إلى الرهان على الذكاء الاصطناعي وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الابتكار والتقدم، حيث صرح زوكربيرغ أن شركته ستستثمر مئات المليارات من الدولارات في البنية الحاسوبية لبناء الذكاء الاصطناعي الفائق، كما أنها تعتزم بناء واحدة من أكثر الفرق كفاءة تمتلك مواهب في هذا القطاع، ومؤكدا في الوقت نفسه أن شركته تمتلك رأس المال اللازم لتحقيق هذا الهدف. هذا الشاب الأمريكي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، رغم ما واجهه موقعه الشهير من انتقادات واتهامات، ما زال يكتسح مجال مواقع التواصل الاجتماعي ويتألق فيها، وكانت بالفعل قصة نجاح ابتكار مذهلة وبطعم أمريكي خاص، كان لابتكاره لأول وأشهر موقع للتواصل الاجتماعي أكبر التأثير المتواصل في حياة الناس.
نافذة:
في سنة 2004 أطلق مارك زوكربيرغ موقعا جديدا يحمل اسم thefacebook.com أراد منه أن يكون موقعا للتواصل الاجتماعي والتعارف المتبادل بين طلبة جامعة هارفارد يقوم فيه كل طالب بإنشاء صفحة خاصة يعبر فيها عن نفسه وعن شخصيته





