حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةملف الأسبوع

رهبان المملكة : ناضلوا بخندق الإنسانية والتعايش واختاروا تربة المغرب مرقدا لهم

في مضامين الكلمتين التاريخيتين اللتين ألقاهما الملك محمد السادس والبابا فرانسيس، أواخر شهر مارس 2019، شدد الرجلان على ضرورة مجابهة التعصب والتطرف الديني وانتصرا سويا للتعايش بين الأديان، بل إن اختيار ساحة مسجد حسان فضاء لهذا الاستقبال حمل إشارة واضحة لتعايش يراهن على التربية في مواجهة الإرهاب باسم الدين.

حسن البصري

منذ احتلال المغرب من طرف فرنسا، ظل المغاربة ينظرون إلى الراهبات والرهبان كسفراء للعمل الإنساني، ولم يتم التعامل معهم كمستعمرين، خاصة وأنهم تحصنوا في العديد من المؤسسات الصحية والخيرية.

حين قام الباحثان الأمريكيان بيش دونفي وبيتر ويليام بإصدار مذكرات رجال دين مسيحيين عاشوا في المغرب، وعلاقة المستعمر بالكنيسة، انتبه الناس إلى دور الرهبان ومكانتهم الاعتبارية في هرم السلطة. نقلاها على لسان رئيس هؤلاء الرهبان، الذي كان على قدر كبير من الحكمة والتعقل.

تسلط هذه المذكرات الضوء على بعثة دينية تتكون من عشرين راهبا، حلوا بالمغرب بحرا في بداية عهد الحجر والحماية، وحياتهم بين الاستعمار والاستقلال ونظرة المغربي لـ«النصراني».

من جهته، يرى أسامة زوكاري، الباحث في تاريخ المغرب، أن الرهبان والراهبات كانت لهم معاملة تفضيلية من طرف المغاربة، وكانت الراهبات بالخصوص يدخلن بيوت المغاربة بقصد العلاج دون أن يسجل عليهن أي تحرك تبشيري.

راهن هوبير ليوطي، أول مقيم عام فرنسي في المغرب، على الرهبان، وفي عهده انطلقت حركة تأسيس المدارس المسيحية واستحداث مؤسسات اجتماعية وطبية، بإشراف من زوجته.

 

شوماخر.. الراهب الهارب من فاجعة «تيبحرين» نحو المغرب 

(FILES) In this file photo taken on March 31, 2019 Pope Francis (C-L) bends to kiss the hand of French Catholic monk Brother Jean-Pierre Schumacher (C-R), the last survivor of the hostage taking of the seven monks of Tibhirine during the Algerian civil war in 1996, at St Peter’s Roman Catholic Cathedral in the Moroccan capital Rabat on March 31, 2019. – Schumacher, the last survivor of the seven monks of Tibhirine, died on November 21, 2021. (Photo by FADEL SENNA / AFP)

أثارت وفاة جان بيير شوماخر، آخر الناجين من حادث تصفية رهبان دير «تيبحرين» بالجزائر سنة 1996، جدلا واسعا في المغرب، على اعتبار أن هذا الراهب اختار مدينة ميدلت المغربية مستقرا له إلى أن توفي في دير «سيدة الأطلس».

كان شوماخر الذي مات عن عمر يقارب القرن، قد نجا بأعجوبة من تصفية جماعية تعرض لها سبعة رهبان من أصدقائه، أثناء الحرب الأهلية في الجزائر، من دون أن تتضح ملابسات ما جرى، رغم العثور على رؤوسهم وقد فصلت عن أجسادهم.

تبنت الرواية الرسمية للسلطات الجزائرية فرضية اختطافهم ثم قتلهم في عملية إرهابية من الجماعة الإسلامية المسلحة في خضم الحرب الأهلية، لكن لا أحد كشف إلى اليوم عن مصير جثث القتلى، علما أن الدير أسس سنة 1938، وساهم في تعليم السكان تقنيات الفلاحة، بل إن الرهبان كانوا يتقنون اللهجة الأمازيغية.

عاش شوماخر هذا الرعب وكاد، لولا رباطة جأشه، أن ينتهي به الأمر في دهاليز الاكتئاب، لكنه هرب من الفاجعة وتوجه إلى المغرب حيث انضم لمجموعة من الرهبان، معتبرا نجاته «دعوة من الله للعمل في بلد آخر»، علما أن أميدي نوتو، الناجي الآخر، توفي سنة 2008.

خلفت وفاة الراهب جان بيير شوماخر حزنا كبيرا لدى ساكنة مدينة ميدلت، لا سيما العاملين بدير «سيدة الأطلس» حيث كان يستقر قيد حياته، الذين قدموا شهادات أجمعت على حسن خلق الراحل وطيبة قلبه وسعيه للتسامح.

ورغم الأوضاع الأمنية الصعبة، قرر الرهبان البقاء بالمكان خلال العشرية السوداء، إلى أن تم اختطاف سبعة منهم من أصل تسعة، ليلة 27 مارس 1996، وبعد شهر من البحث عثر على رؤوسهم وتم دفنهم قرب الدير يوم رابع يونيو، عقب هذه القضية أصبح المكان مشهورا عالميا وعرف توافد مئات السياح وعدة شخصيات.

 

جوزيف ليبين.. قس وجدة كفيل الأفارقة النازحين يوصي بدفنه بالمغرب

ولد جوزيف ليبين عام 1930 في فرنسا، قضى فترة دراسته بين مسقط رأسه ومدينة نانت، حيث درس الأدب الكلاسيكي والديانات وأصبح من رواد الرواية القصصية وواحدا من أبرز كتاب الروايات التي تحولت إلى نصوص مسرحية، ونال خلال مساره عدة جوائز بوأته مكانة مرموقة في سجل الرواد.

قضى جوزيف في المغرب حوالي نصف قرن، حل بالدار البيضاء في مهمة ذات طابع ديني وانتقل إلى وجدة، فتحول إلى جزء من ذاكرة هذه المدينة الحدودية، وعلى امتداد مقامه الطويل في العاصمة الشرقية أشرف على الشأن الديني الكاثوليكي باعتباره قسا لكنيسة «سان لويس» بوجدة.

لم يكن ابن بلدة «سان بير اون غيتس» غرب فرنسا، يعتقد أنه سيقضي أجمل أيام حياته في مدينة مغربية اسمها وجدة، وأنه سيسقط صريعا في عشقها ويقرر أن يدفن جثمانه في جوف تربتها، لكن الأقدار ربطت اسمه بتربة أنكاد.

في آخر أيامه، حظي الأب جوزيف بأكثر من مبادرة تكريم، وقال، في إحدى مداخلاته، ساخرا: «أشعر وكأنكم تشيعوني وتودعوني بنظراتكم الحزينة»، بعد سنة عن آخر تكريم خصصته له جمعية «رحاب» بتنسيق مع ولاية وجدة، انتقل الأب إلى مثواه الأخير، حيث سافر إلى فرنسا للاستشفاء وعاد إلى المغرب ملفوفا في صندوق خشبي ليوارى الثرى. توفي ليلة 22 نونبر 2014 بمدينة «نانت» الفرنسية، بعدما مكث في إحدى دور المتقاعدين فترة قصيرة إلى أن توفي وهو في عز النوم، ونقل جثمانه إلى مدينة وجدة، بعد أسبوع من رحيله، ليدفن بالمقبرة الأوروبية بناء على وصيته.

من المفارقات العجيبة في مراسيم دفن الأب جوزيف، حرص مجموعة من المسيحيين الأفارقة على الإشراف المباشر على عملية الدفن، بينما ألح مسلمون على اقتحام المقبرة المسيحية ودخولها ليرسلوا نظرة الوداع الأخيرة على الراحل.

يجمع أبناء وجدة على أن هذا الراهب ظل، على امتداد وجوده بين أهل المدينة، رمزا للتعايش الديني، كان سباقا للخير أينما حل وارتحل، «لا يفرق في عمله الإنساني بين المسيحيين والمسلمين»، كان من الأوائل الذين اهتموا بمعاناة ذوي الاحتياجات الخاصة وأسس أول جمعية تعنى بهم، حتى أنه كان يوفر الكراسي المتحركة والأطراف الاصطناعية للمعاقين المحتاجين من ماله الخاص، وكان أول من اهتم بأوضاع المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، إذ فتح أبواب كنيسة «سان لويس» للمهاجرين الذين كانوا في حاجة للمساعدة.

كان جوزيف ليبين ينصت جيدا لقصص الأفارقة الهاربين من الجوع والفقر، كان يعرف كل حكاياهم الرهيبة، لذا نجح في إقناع أسر وجدية ومنظمات اجتماعية بالتكفل بعدد من الحالات في أوضاع إنسانية صعبة، بل إنه فوت مرافق تابعة لكنيسة سان لويس لجمعيات ثقافية.

لم يكن جوزيف ليبين رجل دين عاديا، فقد كان كاتبا وروائيا، تظهر إنسانيته في العبارات التي كان يستعملها في نصوصه. إحساسه بمعاناة الآخر تجسد في كتاب «ابن الصحراء»، الذي وصف فيه آلام الطريق التي يقطعها المهاجرون من إفريقيا حتى يصلوا إلى «الفردوس الأوروبي»، كما يقول.

 

جوني فييف.. راهبة مسيحية قرأ المسلمون الفاتحة على قبرها

VATICAN CITY, VATICAN – MARCH 14: A nun prays in St Peter’s Square on March 14, 2013 in Vatican City, Vatican. A day after thousands gathered in St Peter’s Square to watch the announcement of the first ever Latin American Pontiff it has been announced that Pope Francis inauguration mass will be held on March 19, 2013 in Vatican City. (Photo by Jeff J Mitchell/Getty Images)

 

لم ينتبه سكان مدينة ميدلت لرحيل الراهبة الفرنسية جوني فييف برات لولا تدوينة على الصفحة الفايسبوكية لمحمد مهيب، الأستاذ بهذه المدينة الصغيرة الراقدة عند سفح الأطلس المتوسط، قال فيها: «سأحتفظ على الدوام بصورة إنسانة شجاعة، تعمل دون كلل، مبتسمة على الدوام. لقد تلقيت بكل ألم وفاة هذه الأخت التي أسست جمعية الأمل التي تشرفت برئاستها لمدة 15 سنة».

ماتت أشهر راهبة في المغرب العميق في صمت، ولم ينشر خبر رحيلها إلا في تدوينات متناثرة لأبناء ميدلت، بالرغم من التضحيات التي قدمتها في مجال الخدمات الاجتماعية، لاسيما في مجال الطفولة والعمل التطوعي.

في مراسيم دفن الراهبة الراحلة برات التي جرت يوم سبت، بحضور حوالي ستين شخصا، قرأ الحاضرون المسلمون سورة الفاتحة ترحما على روحها، في موعد حضرته راهبات المدينة اللائي لا يتجاوز عددهن ثمانية، ومجموعة من الرهبان الرجال.

حلت جوني فييف بالمغرب خلال الفترة الاستعمارية، واشتغلت في مجال التربية والتعليم، وعملت في مجموعة من المدن المغربية، منها مكناس، الدار البيضاء، الرباط، ميدلت، كلميمة وخريبكة، قبل أن تستقر في ميدلت.

وموازاة مع عملها في التدريس، كانت الراحلة تهتم لأبناء الفقراء وتضحي بوقتها من أجل إنجاح مساراتهم الدراسية. كما أنها لم تتوقف عن نشر البسمة حتى مع تقاعدها عام 1990، إذ فتحت أقساما للدعم المدرسي، وفتحت خزانة أمام تلاميذ المدينة، كما أسست جمعية أمل عام 1996، لغرض مساعدة الأطفال في وضعية صعبة، حسب رفيق دربها مهيب.

«كانت إنسانة طيبة وهبت حياتها لتعليم الأطفال، امرأة جسدت المثال في نكران الذات. كانت تمثل لنا أما تربي، ومدرسة نهلنا منها أصدق القيم التي نحتاجها في الحياة. فقدانها يشكل خسارة كبيرة للمدينة وللجمعيات، فلم تدخر أبدا جهدها للنهوض بأوضاع أطفال ميدلت» كما يقول زكرياء قماش، أحد فعاليات ميدلت، في حوار صحافي.

 

فاطمة أوفقير.. تتلمذت على يد راهبات مكناس

تعترف فاطمة أوفقير، في مذكراتها، بدور الرهبان في تكوين شخصيتها، حيث تقول في تتبعها لمسار التنشئة الأولى: «عشت منذ صغري حياة اليتم، في فترة كانت الحماية الفرنسية تحكم قبضتها على البلاد. لم أنعم بالاستقرار، فقد رافقت والدي العسكري في كثير من تنقلاته، قبل أن يقرر إيداعي باقتراح من أحد الفرنسيين في ملجأ خيري تشرف عليه الراهبات الفرنسيات في مدينة مكناس. هناك عشت ما يشبه الاستقلال المبكر وأصبحت أتردد في نهاية كل أسبوع على بيت عائلة الفقيه عبد الرحمن بن زيدان».

قضت فاطمة فترة من حياتها في مدرسة «سيدتنا مريم» بمكناس التي أنشئت سنة 1926، تحت إشراف زوجة أول مقيم عام لفرنسا، وكان للتلميذة «فاضمة» أول لقاء مع السلطان محمد الخامس عند زيارته للعاصمة الإسماعيلية حين تم اختيارها لتقديم إكليل من الزهور، دون أن تعلم أن العسكري المرافق الأمني للسلطان، سيصبح يوما زوجها، وهو محمد أوفقير وكان ذلك سنة 1952.

كانت هذه المدرسة تستقبل أبناء المعمرين الذين كانوا يأتون إليها من عدة مناطق في سايس وسوق الأربعاء والقنيطرة، وفي فترة الستينيات، التحق أبناء الطبقة البرجوازية المغربية بهذه المدرسة التي بنت مشروعها التربوي على احترام القيم الإنسانية، والانفتاح على ثقافات أخرى مع الاحتفاظ بخصوصية البلد الذي ينتمي إليه التلميذ.

كان الراهب هنري كوهلير يحرص على جعل التعايش بين الديانات وجبة يومية للتلاميذ، المسلمين واليهود والمسيحيين، وظل على امتداد حياته يزور المؤسسة ليزرع قيم التآخي، بل إنه كان وراء فكرة منتدى خريجي هذه المدرسة الذين يحتل بعضهم مناصب عليا في سلاليم السلطة.

 

الأب مارتن: فيلاليون أُجبروا على بناء صومعة الدير

يقول الأب مارتن، أحد الرهبان الذين عاشوا فترة طويلة في المغرب وتحديدا في دير ميدلت: «كنا ننتقل من مخيم صيفي لآخر. كان من بين من يشتغلون على تحويل المكان إلى دير، عمال من منطقة تافيلالت، وصانعو الآجر من مكناس، ونجارون من منطقة أزرو. كانوا من أصول مختلفة، بعضهم كانوا سودا ينحدرون من سلالة عبيد جلبوا إلى المغرب من الجنوب. وآخرون كانوا شقرا وأعينهم زرقاء. لكن أغلبهم كانوا بصفات محلية لأغلب سكان حوض البحر المتوسط».

يقدم مارتن تفاصيل أكثر عن أحد الرهبان الذين رافقوه في رحلته، واسمه «دوم فولكران» أصوله من قرية صغيرة في جنوب فرنسا، لاحظ أن هؤلاء العمال كانوا يرددون الحكم والأمثال والقصص الشعبية نفسها التي يرددها سكان قريته الأصلية. و«هكذا أحسسنا أننا لم نغادر عالم البحر المتوسط قط، وأحسسنا أننا لسنا غرباء عن المغرب، وحده لباس جيراننا ولغتهم العربية والأمازيغية، يذكروننا أننا لسنا في فرنسا».

ما كان مفاجئا بالنسبة للرجل هو سيادة الاحترام، ونظرة الآخر لرجل الدين، واعتبارهم في صف «الأولياء». «كانوا ينظرون إلينا بقداسة كلما استغرقنا في طقوس العبادة الصامتة، ويحاولون الاشتغال في صمت حتى لا يزعجوننا. كانوا أناسا مرهفي الحس».

المثير أيضا أن بعض هؤلاء العمال سبق إجبارهم بالقوة على الاشتغال في بناء منازل للفرنسيين، وصاروا على ألفة مع عاداتهم، سواء الغذائية أو اليومية، بما فيها طقوس العبادة.

وفي حالة هؤلاء الرهبان، لم يتم طرح أي سؤال عن الطريقة التي جمع بها كل هؤلاء العمال من مختلف المناطق، لكي يعملوا في بناء الدير الذي استقر به عشرون راهبا. لا شك أن الإدارة الفرنسية جمعت العمال بطريقة جماعية، حيث إن الأرشيف الفرنسي الرسمي يحفل بتفاصيل كثيرة من هذا النوع، تؤكد أن العمال المغاربة في مشاريع فرنسية خاصة، كانوا يُجمعون بالقوة ويجبرون على السفر من مدنهم وقراهم، للاشتغال لأشهر قد تمتد إلى سنوات في بناء الإدارات والتجمعات الفرنسية، سيما في منطقة الأطلس. وكثيرا ما كان يتم جمع هؤلاء العمال من الأسواق الأسبوعية، حيث يشرف العسكريون على اختيارهم حسب لياقتهم البدنية، ويُرحلون في شاحنات دون أن يسمح لهم حتى بتوديع عائلاتهم.

 

راهبات مسيحيات ويهوديات يضعن النواة الأولى لخدمة الأمهات العازبات

تروي الناشطة المدنية عائشة الشنا حكاية من الحكايات المرتبطة بوجود الراهبات بالمغرب. يتعلق الأمر بتأسيس إحدى أهم الجمعيات النسوية التي ستضع على عاتقها الانشغال بقضية اجتماعية ظلت طابوها بالمغرب، وهي جمعية «التضامن النسوي»، التي اشتغلت في مجال خدمة «الأمهات العازبات».

تقول عائشة إنها نهلت، خلال بداياتها الأولى في درب العمل الاجتماعي، من خبرة راهبات مسيحيات ويهوديات، كالأخت ماري جو تنتيري التي كانت منشغلة بأوضاع النساء المهمشات، وكانت تفاتح عائشة الشنا دائما في انشغالها بوضعية الأمهات العازبات، لكن وضعها كأجنبية، إضافة إلى كونها راهبة، كان يعيق إقدامها على تأسيس أي جمعية في هذا الشأن.

منذ أن حلت بالعاصمة الاقتصادية، اختارت العمل في الفضاء الخيري، خاصة وأن حصول المغرب على استقلاله ساهم في مغادرة عدد كبير من الأطر العاملة في الحقل الاجتماعي والطبي. انضمت الشنا إلى جمعية تعنى بقضايا المصابين بداء الجذام، قبلت العمل مع المصابين بمرض معد لإعالة أسرتها.

في بداية تأسيس جمعية التضامن النسائي، عانت الشنا وزميلاتها من غياب الدعم، إلا أن مساعدة اجتماعية تدعى ميشيل بنيحود، وكانت ممثلة منظمة أرض الرجال بالمغرب، عرضت على عائشة مساعدتها، وكانت أول يد تمتد للشنا في مسارها الجمعوي، قبل أن تتعرف على راهبة تدعى ماغي جونتيل توريي، وهي أيضا مساعدة اجتماعية.. ما مكنها من فهم العمل الاجتماعي، خاصة وأنها ركزت على الأمهات العازبات بالرغم من اعتباره موضوعا مصنفا في خانة «الطابوهات». بفضل ماغي وميشيل وبدعم من عامل الدار البيضاء، حصلت الجمعية على مقر لها بكنيسة عين السبع، وإنشاء روض لاحتضان الأطفال الصغار الذين تريد الأمهات التخلي عنهم.

ستجتمع الشنا وماري جو والأخت ريجان والأخت لودي للإعلان عن تأسيس جمعية «التضامن النسوي» سنة 1985.

 

راهبة تشرف على علاج بومدين في مستشفى بن قريش بتطوان

في سنة 1946، شيدت الحماية الإسبانية مستشفى للأمراض الصدرية في ضواحي تطوان وتحديدا في منطقة بن قريش، وكانت الراهبات الإسبانيات حاضرات بقوة ضمن الموارد البشرية لهذا المرفق الصحي.

ظل حضور الراهبات ضمن الطاقم الطبي لهذا المستشفى إلى غاية 2015، حين قررت ثلاث راهبات إسبانيات من المتطوعات في مستشفى محمد الخامس لعلاج الأمراض الصدرية وداء السل بـابن قريش مغادرة المستشفى بسبب تردي وضعيته الصحية بشكل خطير وتدني مستوى خدماته، واستحالة العمل فيه، بعد رفض وزارة الصحة ترميمه أو إصلاحه، كما جاء في تدوينة لطبيبة إسبانية تدعى كارمن، التي كشفت عن نفاد صبر الراهبات المتطوعات ليقررن في نهاية المطاف مغادرة المستشفى الذي يعتبر أول مستشفى بمنطقة الشمال المغربي لعلاج مرض السل، بعدما عملن فيه لمدة تفوق سبعين سنة، حيث تطوعت المئات من الراهبات الإسبانيات للعمل فيه ممرضات ومساعدات منذ تشييده خلال فترة الحماية الإسبانية لشمال المغرب.

وتبلغ الطاقة الاستيعابية للمشفى 314 سريرا، متفرقة على طوابقه الثلاثة، ليتدنى عددها في ما بعد إلى 150 سريرا، لتصبح خلال السنوات الأخيرة بضعة أسرة فقط، بسبب قلة الموارد البشرية في الطاقم الطبي والممرضين، وعدم ترميم الأجنحة والغرف، وغياب تقديم وجبات غذائية، بل إن بعض الراهبات أشرفن على إعداد وجبات للمرضى من مالهن الخاص.

وحسب شهادات أبناء أحمد بن البشير الهسكوري، الذي عمل مستشارا للخليفة مولاي الحسن بن المهدي، والرجل الثاني داخل قصر الخليفة، يشتغل في الظل بالرغم من قرارته الحاسمة، فإن مستشفى بن قريش لعب دورا في دعم المقاومة الجزائرية، إذ أنجز وثائق مغربية مزورة لهواري بومدين وأدخله مستشفى بن قريش للعلاج من مرض السل، حيث أشرفت راهبة إسبانية على علاج الرجل الذي سيصبح رئيسا للجزائر دون أن تعرف هويته.

 

إيناس.. زوجة المقيم العام الفرنسي المكلفة براهبات قطاع الصحة

قضى الجنرال هيبير ليوطي ثلاثة عشر عاما كمقيم عام لفرنسا في المغرب، فيما قضت زوجته إيناس ثمانية عشر عاما في البلد الذي ظلت تصر على تسميته «مسقط القلب»، قبل أن تدفن في تربته في إحدى المقابر المسيحية بالرباط.

اشتغلت إيناس في مجال الطب كأول أخصائية اجتماعية بمستشفيات المغرب، علما أن تكوينها الأساسي هو التمريض، لكنها مزجته بالعمل الإنساني في مصحات كانت وراء تشييدها إلى جانب زوجها المقيم العام، وهي التي جندت مئات الراهبات المتطوعات لخدمة قضايا الصحة. في زمن كان زوجها يقول لحكومة بلده: «اعطوني مائة ممرض لأستغني عن خدمات فيلق عسكري».

في مذكراتها تتحدث إيناس عن نضالها في المجال الطبي، وعن علاجها لكثير من المغاربة البسطاء، وإشرافها على الراهبات، وعن خادمتها التي ودعتها بدموع حارقة، ومشاعر الحزن التي سيطرت عليها حين ركبت الباخرة رفقة زوجها عائدين إلى فرنسا، هناك أصبحت تعيش في المنفى بعد أن استبد المرض بزوجها.

تقول إيناس في مذكراتها: «فرحت كثيرا أنا وزوجي ليوطي حينما أشعرنا السلطان مولاي يوسف بزيارته الرسمية إلى فرنسا، من أجل تدشين مسجد باريس فقمنا بدعوته وابنه محمد الخامس الذي أصبح ملكا، ولاحظ مولاي يوسف أن الماريشال ليوطي أصابه الوهن.

خلف محمد الخامس والده على العرش وظل وفيا لزيارة إيناس وليوطي في فرنسا، في سنة 1934، «كان التعب قد أخذ مأخذه كثيرا من جسم ليوطي بثقل سنوات عمره الاثنتين والسبعين، وكعادته في كل العطل الصيفية كان الملك محمد الخامس يقضي بعض الأسابيع بباريس، وكان دائما يزور صديقه ليوطي، وفي بداية شهر يوليوز كان محمد الخامس قد غادر إلى مرسيليا في طريقه للعودة إلى بلده، حينما علم بوفاة المارشال ليوطي فعاد أدراجه ليودع جثمان الرجل الذي أحب المغرب».

بعد انتهاء عملية الدفن عثرت إيناس على وصية كتبها الجنرال لأرملته، وحين تمت قراءتها أمام أفراد الأسرة، فوجئ الجميع بوصية دفنه في المغرب، تبين أن الراحل قد هيأ قبل رحيله قبرين بالمغرب، أحدها له والآخر لزوجته، وفي ثلاثين أكتوبر نقل رماد ليوطي ليدفن في المغرب بحضور إيناس التي قاومت بدورها المرض وظلت ترابط في شقتها الصغيرة.

عندما زار الأمير مولاي الحسن إيناس بشقتها، «جلس طويلا إلى جانب سريرها، وقبل أسابيع من وفاتها وشحها محمد الخامس بالوسام العلوي، حيث تدهورت حالتها الصحية أياما بعد ذلك، لتتوفى في سن التسعين في تاسع فبراير 1953 وتدفن بجانب زوجها المارشال ليوطي بالرباط في مشهد مؤثر.

 

الحسن الثاني يزور الفاتيكان ويصدر ظهيرا للتعايش السلمي بين المسلم والمسيحي

(Archive) King Hassan II of Morocco (L) welcomes Pope John Paul II upon his arrival at Mohamed V airport in Casablanca on August 19, 1985 for an official visit to Morocco. AFP PHOTO JEAN-CLAUDE DELMAS (Photo credit should read JEAN-CLAUDE DELMAS/AFP/Getty Images)

من أهم توصيات المؤتمر العاشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية، الذي انعقد بفاس في ماي 1979، توصية بإنشاء لجنة تعمل على تحرير القدس، وإسناد رئاستها إلى الملك الحسن الثاني، مع ضرورة نسج علاقات مع مختلف الهيئات الدينية. إيمانا منه بهذه المسؤولية تحرك العاهل المغربي عموديا وأفقيا.

جاءت زيارة الفاتيكان مباشرة بعد اجتماع لجنة القدس بمراكش في مارس من العام نفسه، وهو الاجتماع الذي اتفق فيه على مواصلة التواصل مع البابا وقادة العالم المسيحي، من أجل تفهم مشكلة القدس وفلسطين.

وحسب مجلة «دعوة الحق»، فإنه بعد تولي الملك الحسن الثاني مسؤولية لجنة القدس، «وجدناه في حاضرة الفاتيكان يقوم لأول مرة في تاريخ الأديان وفي تاريخ العالم كله، ماضيه وحاضره، بإجراء حوار شجاع متبصر مع قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، يوم الأربعاء ثاني أبريل 1980، حول القضية التي تشغل بال كل مسلمي العالم الإسلامي قضية بيت المقدس». منذ تولى الحسن الثاني رئاسة لجنة القدس، أسندت إلى اللجنة مهمة مخاطبة العالم غير الإسلامي، وهو ما برر حلول الملك الراحل الحسن الثاني بالفاتيكان وبدول أخرى.

وأضافت المجلة: «كان يوما مشهودا أن نرى فيه قداسة البابا يخاطب جلالة الملك بهذه العبارات: إنكم ملك البلد لا ينكر أحد ماضيه الزاخر بالمفاخر، فشعبكم بين شعوب الشمال الإفريقي هو وارث لتقاليد مجيدة وراسخة في القدم وحامل للواء حضارة طبع إشعاعها مجالات الثقافة والفن والعرفان. إنكم في هذه المقام الناطق بلسان البلاد الإسلامية التي عهدت إليكم بالتعريف بمشاعرها نحو مشكلة القدس، لذلك أصغيت إليكم بانتباه بالغ وأنتم تعبرون عن آرائها».

كانت لهذه الزيارة انعكاسات إيجابية على العلاقات بين المغرب والفاتيكان، فقد صدر بعد أربعة أعوام من زيارة الملك الحسن الثاني للبابا، ظهير ملكي يشدد على حق الكنيسة الكاثوليكية بالمغرب، في ممارسة مهامها بحرية، خاصة في ما يتصل بحرية العبادة والتعليم الديني وإنشاء إطار قانوني للتعايش السلمي بين المسلمين والكاثوليك.

وفي أعقاب الزيارة وجه الملك دعوة للبولوني يوحنا من أجل زيارة المغرب، وافق عليها البابا على الفور. في «ذاكرة ملك» يتحدث الحسن الثاني عن لقائه التاريخي مع بابا الفاتيكان في فصل يحمل عنوان: «الإسلام والمسيحية والبابا»، ويروي قصة خلاف حول بروتوكول الاستقبال خاصة بعد أن طلب الأسقف المكلف بحماية البابا من المسؤولين المغاربة ترك يوحنا يدخل الملعب وحده دون مرافق، ضدا على المراسيم الملكية.

 

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى