شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسية

سياسة الكرسي الفارغ

من المطلوب ألا تتهاون الديبلوماسية المغربية في الدفاع عن القضية الوطنية الأولى للمغاربة بكل الطرق الممكنة، سواء في إطار الشرعية الدولية داخل المحافل والمنظمات الدولية، أو في إطار الدفاع المشروع عن سلامة وحدة أراضينا، وهذا يقتضي منها بالأساس ألا تركن إلى سياسة الكرسي الفارغ والمقاطعة الديبلوماسية الشاملة، كلما كان ذلك ممكنا وكلما لم تصل جسامة الاعتداء المرتكب في حق قضيتنا الأولى إلى مستوى غير مقبول.
نذكر بهذا الكلام لأن الملك محمد السادس أنهى نهائيا منذ 2016 مع سياسة الكرسي الفارغ التي كلفتنا الكثير من الخسائر الديبلوماسية، بعد قرار عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، وهو القرار الذي شكل ترجمة فعلية لمعنى الديبلوماسية الهجومية وقطع فعليا مع سياسة الكرسي الفارغ التي تضر بمصالح المغرب وفي المقابل تقدم خدمات مجانية لخصوم الوحدة الترابية في الخارج والداخل، الذين يفشلون في المواجهة المباشرة على الميدان بينما يتقنون الاصطياد خلف المقاعد الفارغة لترويج الأطروحة الانفصالية. لذلك قررت الديبلوماسية في لحظة مفصلية أن تودّع سياسة الكرسي الفارغ التي ميّزت حقبة من تاريخها وأصبح التمثيل والحضور المغربي الوازن والفعال لأغلب القمم والمؤتمرات والمنتديات أمرا عاديا واعتياديا، خاصة إذا علمنا أن الدفاع عن مصالح البلد يتطلب حدا أدنى من الحضور المادي، وعدم منح الخصوم فرصة لبث سمومهم وقذارتهم والتجييش ضد مصالحنا.
والخشية اليوم أنه في حالة زيادة التصعيد والتوتر وارتفاع حدّة التجاذبات الديبلوماسية مع الخصوم، وهذا أمر متوقع ومحتمل حدوثه، أن نقبل بترك ساحات صراع كبيرة لفائدة حماة الانفصال وأدواته، فلا بد من الحفاظ على «شعرة معاوية» التي تعتبر واحدة من أفضل طرق التعامل مع الخصوم الديبلوماسيين، والتي تساعدنا في حالة البحث عن انفراجات ديبلوماسية بدل أن تتراكم وتتعقد العلاقات وتكون غير قابلة للحل، وبعدها نردد قائلين نحتاج إلى حل «من خارج الصندوق».
إن الدول الصديقة والشقيقة والتي تربطنا بها علاقات شراكة استراتيجية لن تستطيع أن تدافع عن مصالح اخترنا بأنفسنا تضييعها بسياسة الكرسي الشاغر واستراتيجية الغياب والمقاطعة الشاملة. فالمعادلة الصفرية في الممارسة الديبلوماسية تقول إنه كلما ربحت الوحدة الوطنية رقعة جديدة من الداعمين خسرت أطروحة الانفصال رقعة من مناصريها، وهذه المعادلة لن يكون لها أي معنى إذا بدأت سياسة المقعد الفارغ تتسلل مرة أخرى لملعب ديبلوماسيتنا التي أثبتت إلى حدود اليوم، بشهادة الخصوم قبل الأصدقاء، أنها ديبلوماسية فعالة وواقعية وصارمة وذات نفس طويل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى