
النعمان اليعلاوي
علمت “الأخبار”، من مصادر مطلعة، أن النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية بسلا أمرت، مؤخراً، بإيداع ثلاثة أشخاص السجن المحلي العرجات، للاشتباه في تورطهم في شبكة إجرامية تنشط في مجال الوساطة غير القانونية بملفات قضائية وانتحال صفات ينظمها القانون، من ضمنهم عنصر أمني وشخصان ينتحلان صفة محاميين.
وبحسب المعطيات الأولية، فقد جرى توقيف المعنيين بالأمر داخل قاعة الجلسات رقم 2 بالمحكمة الابتدائية بسلا، يوم الجمعة الماضي، أثناء محاولتهم التوسط لفائدة أحد المرتفقين مقابل مبلغ مالي قدره 20 ألف درهم، في ما يُشتبه في كونه عملية نصب واحتيال.
ووفق مصادر “الأخبار”، فإن أحد الموقوفين ينتمي إلى جهاز الأمن الوطني، ويُشتبه في استغلاله لصفته المهنية لتسهيل تواصل الشبكة مع ضحاياها داخل المحكمة، بينما كان الشخصان الآخران ينتحلان صفة محاميين دون أن يكون لهما أي انتماء مهني لهيئة المحامين بالمغرب.
التحقيقات التي باشرتها الضابطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة، أفضت إلى حجز هواتف نقالة بحوزة المتهمين، وتم تفريغ محتواها، ما كشف عن خيوط شبكة أوسع يُرجح أنها مارست نشاطها الاحتيالي بشكل ممنهج، واستهدفت عدداً من الضحايا داخل ردهات المحاكم، وخارجها.
وكشفت الأبحاث أن زعيم الشبكة كان ينتحل هوية محامٍ باسم “عبد الرحمن العلوي”، ويتنقل على متن سيارة فارهة رباعية الدفع من نوع “توارغ”، بغرض إضفاء طابع المصداقية على شخصيته، واستقطاب الضحايا بسهولة. وكان المتهم يرتدي زيًّا مشابهاً لزي القضاة، ويتردد بشكل منتظم على المحكمة الابتدائية بسلا، مدّعيًا قدرته على التأثير في مآل الملفات القضائية المعروضة.
وخلال عملية التوقيف، حاول المتهم الرئيسي تضليل عناصر الأمن بادعائه أنه يرافق قريبته لحضور جلسة، غير أن تحليل المعطيات المخزنة على هاتفيه كشف زيف ادعائه، وفضح وجود تسجيلات صوتية وصورية توثق عمليات سمسرة وتواصل مع ضحايا آخرين.
وفي واقعة تؤكد اتساع نشاط الشبكة، رصدت التحقيقات مكالمة بين المتهم الرئيسي وضابط شرطة بخصوص مبلغ مالي متعلق بملف جنحي. وقد تمكنت عناصر الشرطة القضائية من نصب كمين، بعد التنسيق مع أحد الوسطاء، حيث جرى توقيف الضابط داخل مقهى مجاور للمحكمة، عقب تبادل رسائل هاتفية تضمّنت عبارات تثير الشبهات، من بينها: “واش غادي دبر عليا؟”.
من جهة أخرى، أسفرت الأبحاث عن توقيف سيدة تقيم بمنطقة الهرهورة، تعمل كمسيرة لشركة، وتُعتبر الذراع الأيمن للمتهم الرئيسي، وكانت تدّعي بدورها صفة محامية، وتتوسط بينه وبين عدد من الضحايا.
وكشفت التحقيقات تورط المتهم الرئيسي في قضايا تتعلق بالنصب على مرشحين لمباريات ولوج أسلاك القوات المساعدة والمعهد الملكي للإدارة الترابية (سلك القياد)، حيث كان ينتحل صفة “كولونيل”، ويعرض خدماته مقابل مبالغ مالية وصلت إلى 30 ألف درهم للفرد. كما تم العثور بحوزته على استدعاءات رسمية صادرة عن وزارتي الداخلية والأمن الوطني، استعملها لإيهام الضحايا بقدرته على التوظيف.
وتوصلت الضابطة القضائية إلى معطيات صادمة أخرى، حيث اتضح أن المتهم الرئيسي كان يزعم امتلاكه علاقات نافذة مع مسؤولين كبار، وقضاة، وأعضاء من المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ما سهل عليه استدراج ضحاياه، وإقناعهم بدفع مبالغ مالية مهمة مقابل خدمات وهمية، وتبين أن الشبكة وسّعت نشاطها لتشمل الصفقات العمومية، إذ حاول المتهم التوسط في تسهيل صرف استثمار بقيمة 4 ملايين يورو يخص مستثمرًا خليجيًا، مقابل عمولة خيالية بلغت 600 مليون سنتيم.
ووجهت للمتهمين تهما ثقيلة تتعلق بانتحال صفة ينظمها القانون، والنصب، والاحتيال، والارتشاء، والمشاركة، واستغلال النفوذ المزعوم، في انتظار ما ستُسفر عنه باقي مراحل التحقيق، تحت إشراف مباشر من وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بسلا، الذي كان قد أعطى تعليماته بفتح تحقيق دقيق وشامل.





