حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةشوف تشوف

صناعة البلادة

أخذ الحماس شابا من شباب أحد الأحياء الشعبية بالدار البيضاء وهو يتحدث أمام أحد الميكروفونات بحرقة عن ارتفاع الأسعار، وفي غمرة الحماس أطلق تهديدات بكون الطبقة التي ينتمي إليها ستنزل إلى الشوارع لكي تشل المحطات وتغلق المحلات وتحتل الشوارع.

في الغد عاد الشاب أمام الميكرو نفسه وقد نزع نظارتيه الشمسيتين وهو يتحدث بهدوء معلنا سحبه لكل ما قاله وأنه لا يدعو للفتنة ولا لأي شيء من شأنه زعزعة الاستقرار.

شخصيا أرى أن المشكلة ليست في هذا الشاب الذي عبر عن ما يفكر فيه ويقوله الآلاف من أشباهه في المقاهي وزوايا الأزقة حيث يقضون سحابة يومهم عاطلين عن العمل والحياة. بل المشكلة في تلك الغابة المتشابكة من المايكروفونات التي تمتد نحو أفواه العامة في الشوارع والأسواق لأخذ وجهة نظرهم حول قضايا تهم السياسة والشأن العام. هؤلاء هم من يتحمل مسؤولية شحن المواطنين وتحريضهم بواسطة محتويات هدفها الربح المادي عن طريق المشاهدات، ولا يهمهم إن كان ما يروجونه من أخبار كاذبة يكلف نقطة من معدل الدخل الوطني الخام. فالأخبار المضللة هي أكبر عدو للاقتصاد في عالمنا الحالي. وعندما تداول المغاربة فيديو مفبرك للدجاج الميت الذي يباع في المطاعم انخفض استهلاك الدجاج بشكل هدد القطاع بكامله، لولا أن صانع المحتوى خرج وأوضح أن الأمر يتعلق بمحتوى توعوي وليس واقعيا.

والشيء نفسه سبق أن وقع مع الدلاح الذي قيل إنه مسموم فكلف ذلك الفلاحين خسارة فادحة.

هنا يخرج الكلام المرسل على عواهنه، والتهديدات غير محسوبة المخاطر، والشتائم الموجهة للفاعلين السياسيين، والدعوات العنيفة التي تقال في المحيط الخاص، إلى العلن وتصبح متداولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي والتراسل الفوري، فتعطي انطباعا خادعا بأن الأوضاع على وشك الانفجار.

وهنا تكمن خطورة الفوضى الإلكترونية والرقمية التي تتسبب فيها مجموعة من منتحلي صفة صحافي، فكل من اشترى بونجة وطبع عليها “شي تخربيقة بريس” يتحول إلى صحافي يطرح الأسئلة على العابرين في الشارع حول الشأن العام باحثا عن التصريح المثير الذي سيحقق به “البوز” ويجعل ترتيب صفحته يصعد لكي يبيعها في ما بعد.

فقد عرفنا تجارة تسمين العجول وبيعها واليوم هناك من يشتغل في تسمين صفحات الفيسبوك وبيعها.

وخطورة مثل هذه المحتويات المحرضة على الفوضى هي أن وسائل التواصل الاجتماعي تتعرف إلى عادات بحثك عبر لوغاريتمات مضبوطة فتشرع في إمطار هاتفك بالمحتويات المشابهة لما أدمنت مشاهدته.

فعندما تدمن مشاهدة فيديوهات النساء السمينات فهاتفك يتوصل تلقائيا بهذا النوع من المحتويات. وإذا فتحت فيديوهات قصار القامة والأحداث المضحكة التي تقع لهم تأكد أنك ستتوصل يوميا بفيديوهات مشابهة، وكذلك بالنسبة لفيديوهات أحابيل القردة وسرقاتهم.

عندما تدمن مشاهدة محتويات مبنية على الإشاعة والكذب والتصريحات المحرضة فإن اللوغاريتمات تبدأ في البحث لك عن محتويات مشابهة من كل أصقاع العالم، فتعتقد أن ما تشاهده هو الحقيقة طالما أن الجميع يعتقد مثلك الشيء نفسه، وهذا مجرد وهم، فما تعتقده أنت ليس هو الحقيقة بل أكاذيب أصبحت بنظرك حقيقة لكثرة ما استهلكتها. إنها البلادة التي يتعهدها الذكاء الصناعي بالرعاية.

وفي عالم شبكات التواصل الاجتماعي يمكن تقسيم المغاربة إلى ثلاث طبقات، طبقة فيسبوك متوسطة الدخل حيث يختلط الفهايمية بمتتبعي اللايفات وعشاق الجيمات والتنابز بالألقاب. وطبقة إنستغرام أصحاب البوزات والتقزقيز والتقاط الفيديوهات والصور مع حلوة لاكريم جنب لابسين. ثم هناك طبقة تيك توك، حيث مغاربة القاع. هناك يمكن أن تعثر على العاهات الاجتماعية والأعطاب النفسية الحقيقية المغاربة.

“شحال هادي كانو الناس كايعرضو العاهات الجسدية ديالهم فالزنقة باش يربحو لفلوس، دابا كايعرضو العاهات الاجتماعية ديالهم فتيك توك والزنقة هيا اللي داخلة عندهم كاتفرج”.

صدق الكاتب والروائي الإيطالي الراحل أمبيرطو إيكو عندما قال: “أدوات مثل تويتر وفيس بوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع. وكان يتم إسكاتهم فورا. أما الآن، فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء”.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى