الرأي

طار عليك البنج

مع نهاية بطارية هذه الحكومة، يكون بنكيران قد أنهى إحصاء جميع حيوانات الغابة، وفي كل مرة يكون فيها رئيس الحكومة مطالبا بتقديم رؤيته ومشاريعه ومنجزاته، ينعرج على حديقة الحيوانات، ومعه تعايشنا لسنين طويلة مع التماسيح والأفاعي والضباع وحاليا مع الكلبة والنعجة.
وحين يدق والي بنك المغرب ناقوس الجرس ويتوقع ألا تتجاوز نسبة النمو واحدا بالمائة، نجد رئيس الحكومة «راشقة ليه»، ومرتاح البال في كل خرجاته العمومية بعدما وجد ضالته في قاموس «حاجيتك وماجيتك».
وعلى منوال الاتحاد الاشتراكي، الذي طلب من الناخبين إعادة التصويت عليه ومنحه ولايات حكومية جديدة لاستكمال أوراش حكومة اليوسفي، بعدما عجز عن تحقيق أحلام القوات الشعبية والطبقات الكادحة، نرى اليوم كيف يسوق قادة العدالة والتنمية للحيلة نفسها للرجوع إلى كراسي السلطة، بعدما فشلوا في تطبيق شعاراتهم المسقطة للريع والفساد والاستبداد، وأصبح برنامجهم وأصلهم التجاري هو «بوعو» اسمه إلياس العماري.
مرت سنوات وكان لقادة العدالة والتنمية مع وزرائه وجيش برلمانييه، كل الفرص الممكنة لتحقيق ما وعدوا به الناس ولو بالتيمم، وكانت لفريقه البرلماني كل الوسائل لرفع دينامية التشريع وسن قوانين جديدة وفعالة.. وعوض اقتراح قوانين غبية وشعبوية من قبيل «تجريم الشيشة»، كان باستطاعتهم أن يقترحوا قوانين تجريم بيع السجائر للقاصرين، ومنع الترخيص بتجارتها بجوار المؤسسات التعليمية. وإذا قمنا بنظرة سريعة على القوانين المتشددة في بيع وإشهار الكحول والسجائر في فرنسا، سنخرج بخلاصة واحدة وهي أن «الفرانسيس» أكثر إسلاما من «دياولنا»، الذين يبيعون السجائر القاتلة والمسرطنة للأطفال، في وقت يلزم القانون الفرنسي بتقديم البطاقة الوطنية لكل بائع شك في سن المستهلك.
لقد كانت للحكومة الحالية كل وسائل العمل من أجل تنمية الموارد المالية للدولة وتنزيل عدالة ضريبية وخلق الثروة. وإطلالة بسيطة على التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات، تبين بكل وضوح مسارات المال «السايب»، الذي يتطاير بالملايير بسبب الفساد، وهي نفسها الملايير المهربة التي عفا بنكيران عنها وعن أصحابها، واسترجعوها معززين مكرمين من البنوك الأجنبية والجنات الضريبية. ولما تقدم فريق الأصالة والمعاصرة بمقترح قانون ضمن مشروع الميزانية برفع الضرائب على المقتنيات الفاخرة من سيارات وطائرات خاصة واليخوت والكافيار والسيغار، قال رئيس الحكومة من داخل قبة البرلمان إنه لا يريد فرض ضرائب جديدة على رجال الأعمال «باش ما يحسوش أنهم عديان في بلادهم».
لقد وضعت الحكومة الحالية كل مجوهرات البلد رهينة لصندوق النقد الدولي، والنتيجة الحتمية لسياسة الإسراف في الاقتراض من الخارج وتجميد الاستثمارات العمومية، هي ما نسمعه هذه الأيام بعدما وصل الأمر بالحكومة إلى وضع ملصقات «للبيع» على قطاعي الصحة والتعليم، وشاهدنا الوزير بلمختار يوقع على قرارات تفويت مؤسسات للتعليم الإعدادي بخريبكة وآسفي إلى المكتب الشريف للفوسفاط، وقبله فتح باب الاستثمار في المصحات والمركبات الاستشفائية للخواص، حتى أصبح يحق لأي سمسار أو «طاشرون» أن تكون له مصحة يتاجر فيها بأرواح العباد.
هكذا دارت الأيام على حكومة الإخوان، وبعدما أرادوا رؤية ما فاتهم بحثوا عن «الريتروفيزور» ولم يجدوا في المرآة غير الثلث الخالي، بعدما ظلوا لسنين يوهمون أنفسهم بأن على أيديهم انقرض الفقر من المغرب، وبأننا نتوفر على تعليم «ماعندش أوباما»، ولدينا أحسن وزير للصحة على مر التاريخ والعصور، وقضاء «ماعندش أوربا»، مع أن الذي وقع لقيادة ووزراء «البيجيدي» بسيط للغاية ويقع لأي شخص كان تحت مفعول السلطة ومنشطات «الربيع العربي»، واليوم «طار عليه البنج».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى