طقوس «القنص» المخزنية المرعية
أجواء الصيد عند المولى إسماعيل ومحمد الخامس والحسن الثاني

بدأت تقليدية وفق ما تُمليه واجبات إتقان مبادئ الفروسية، ثم تحولت لاحقا إلى رياضة قائمة تستعمل فيها معدات خاصة.
القنص على الطريقة الملكية، رياضة ضاربة في القدم، حولها الملك الراحل الحسن الثاني من هواية ملكية على عهد والده، كما ورثها عن أسلافه، إلى رياضة عصرية وفر لها كل المستلزمات، بدءا من الطرائد وصولا إلى إحداث معدات القنص.. الأجانب الأوائل الذين استقروا في المغرب، قبل الحماية، مارسوا القنص العصري، لكن القنص الملكي بقي محصنا ضد التعديلات، إلى أن قرر الملك نفسه أن يحدث ثورة داخله، بدأت عندما أصبح يوجه الدعوة إلى الرؤساء والملوك لكي يمارسوا واحدة من أقدم الرياضات الملكية، وفق تقاليد «مخزنية» ضاربة في القدم.
يونس جنوحي
+++++++++
المولى إسماعيل والحسن الأول.. تأسيس طقوس الصيد المخزنية وتحديثها
وُلد القنص المغربي في القصور الملكية توأما للحرب و«الحْركات».. وبنفس الدقة التي كان يراعى فيها تكوين الأمراء، منذ عهد المولى إسماعيل بن مولاي علي الشريف، على إتقان أصول ركوب الخيل، بنفس القدر الذي كانوا يتعلمون فيه طقوس رياضة القنص في البرية.
عندما وُلد المولى إسماعيل سنة 1645 ميلادية، فتح عينيه في وسط تتبوأ فيه الحرب مكانة كبيرة في سياسات دولة والده الشريف، مؤسس الدولة العلوية. وهكذا تعلم المولى إسماعيل في سن مبكرة أصول ركوب الخيل والقنص. حتى أن بعض الكتابات تؤكد أنه كان بارعا جدا في استعمال الرماح، وتعلم على يد خيرة من حاشية والده السلطان. وعندما اتخذ المولى إسماعيل مدينة مكناس عاصمة لحكمه، عند وصوله إلى الحكم سنة 1672، وشرع في بناء القصر الملكي وأسوار مكناس، كان ينظم جولات صيد في نواحي المدينة، وأسس ما عرف في اللغة المخزنية بالخدم الخاصين بترتيب خيمة السلطان وإعدادها لجولات الصيد.
بل إن بعض الجولات التفقدية التي قام بها المولى إسماعيل إلى أقاليم المغرب، كانت مناسبة لكي يمارس رياضة القنص، بالطريقة المتعارف عليها وقتها، قبل أن يصبح استعمال البنادق شائعا بين المغاربة. فقد كان الصيد مقتصرا على نصب الفخاخ واستعمال النبال والرماح.. وشُهد للمولى إسماعيل في شبابه أنه كان فارسا من العيار الأول.
ومما جاء أيضا في بعض الروايات التاريخية، أن المولى إسماعيل أدخل بعض التعديلات على نظام القنص الخاص به، مستعينا ببعض الأسرى الأجانب الذين عاشوا في المغرب خلال فترة حكمه، خصوصا الأسرى الفرنسيين الذين نقلوا لمحيط السلطان أجواء جولات الصيد عند الملك لويس الرابع عشر، الغريم التقليدي للمولى إسماعيل، وخصمه الأول.
لم يكن القنص وقتها سوى مرادف لمهارات الحرب.. وحصد الطرائد كان يعني أمرا واحدا، وهو القدرة على الإطاحة بالأعداء وحسم المعارك، كما تُحسم جولات الصيد..
مع تشييد دار الماكينة في فاس، والازدهار الذي عرفته صناعة الأسلحة في المغرب خلال فترة حكم المولى الحسن الأول، خصوصا بعد سنة 1880، صار استعمال البنادق شائعا أكثر في المغرب، واستُعملت في جولات القنص الخاصة بالسلطان نفسه، وإخوته من الأمراء..
لكن المحميين المغاربة، سيما بعد 1894، مارسوا رياضة القنص وفق القواعد الأوروبية، وكانوا سباقين إلى الخروج عن تقاليد القنص المرعية، حسب ما كانت تتم به برئاسة السلطان نفسه.
في عهد المولى الحسن الأول، أدخلت بعض التعديلات على رياضة القنص الملكية، إذ كان السلطان يستضيف بعض الضيوف الأجانب لحضور جولات الصيد والمشاركة فيها أيضا. وأشهر من استضافهم السلطان الحسن الأول، مسؤول الخارجية البريطاني السيد دريموند هاي، الذي عاش ما يقارب ثلاثين سنة دبر فيها العلاقات المغربية البريطانية. هذا الأخير، حظي باستقبال من طرف المولى الحسن الأول في قصر فاس، في أكثر من مناسبة، وكتبت الصحف البريطانية أنه كان ضيف شرف في جولة صيد، قدم فيها هدية إلى السلطان كانت عبارة عن عُدة صيد متكاملة. ولاحقا، حصل المولى الحسن الأول، على أحصنة قصيرة من سلالة نادرة، كانت تستعمل في الريف البريطاني خلال جولات الصيد، لتُحمل عليها الطرائد.. وكان تقديمها هدية إلى السلطان الحسن الأول، إيذانا بدخول تعديلات على رياضة القنص الملكية.
شهود على قرارات سياسية اتُخذت في جولات الصيد
الكولونيل المذبوح، أشهر من سهر على تنظيم رحلات القنص للملك الراحل الحسن الثاني. فقد كان الكولونيل يشغل منصب مدير حراسة القصور الملكية والمشرف على أمن الملك الراحل.
تعود علاقة الملك الراحل الحسن الثاني بالقنص إلى فترة طفولته، عندما كان يرافق والده إلى ضواحي الرباط، في الطريق إلى مكناس، حيث كان يقام معسكر للسلطان، في أربعينيات القرن الماضي، ويمارس فيه هواية القنص باستعمال البنادق والخيول، ويشارك فيه بعض الوزراء ومستشارو السلطان وموظفون فرنسيون كانوا يحلون بين الفينة والأخرى ضيوفا على سيدي محمد بن يوسف.
لكن الممارسة الفعلية للقنص عند الملك الراحل الحسن الثاني، بدأت فعليا عندما كان وليا للعهد سنة 1950، وكان وقتها ولي العهد طالبا في جامعة بوردو، حيث كان يتابع دراسته العليا.
وكانت تلك أول مرة يشارك فيها الملك الراحل في جولة قنص، مورست فيها السياسة أكثر مما مورست الرياضة..
فلسفة تحويل الرياضة إلى مسرح للسياسة، تشبع بها الملك الراحل، انطلاقا من تلك الأجواء التي أقامها الجنرال دوغول على شرفه، وهو لا يزال وليا للعهد.
وعندما أصبح الحسن الثاني ملكا، نقل أجواء القنص العصرية، وفق المدرسة البريطانية تحديدا، وأدخل تعديلات على ترتيبات ممارسة رياضة القنص..
الكولونيل المذبوح، مهندس انقلاب الصخيرات يوم 10 يوليوز 1971، والذي قتل برصاصة من شريكه في المؤامرة، كان المشرف الأول منذ 1961 – تاريخ وصول الحسن الثاني إلى المُلك- على جولات الصيد الملكية، وتوجيه الدعوات إلى الشخصيات الأجنبية والمغربية للمشاركة فيها. وكما كان الضيوف يحضرون جولات الغولف، كانوا أيضا يحضرون جولات القنص، بعد أن يلتزموا بشروط تُكتب عادة على ظهر ورقة الدعوة التي يسهر الكولونيل المذبوح على أن تصل إلى المعنيين بها..
لباس محدد، وألوان لا يجب الخروج عنها، مرورا بما يُسمح باصطحابه وما لا يُسمح، وصولا إلى مواعد الحفلات والوجبات المقدمة.. كان كل شيء مضبوطا وفق ذوق الملك الراحل الحسن الثاني، الذي كثيرا ما أبهر ضيوفه خلال جولات الصيد..
سياسيون أمثال امحمد بوستة، وعبد اللطيف السملالي، وأحمد السنوسي، ومولاي أحمد العراقي، والفقيه باحنيني، والوزير إدريس البصري.. هؤلاء كانوا في طليعة مرافقي الملك الراحل الحسن الثاني، خلال جولات القنص.. وكانوا شهودا على قرارات سياسية وطنية ودولية اتُخذت في لحظات صفاء، بعد جولات قنص موفقة، حصد فيها الملك الراحل الحسن الثاني الطرائد بالجملة.
بعد نهاية المذبوح عقب انقلاب الصخيرات، تكلف الجنرال الدليمي بتدبير جولات القنص للملك الراحل الحسن الثاني. وجيء في وقت لاحق، في ثمانينيات القرن الماضي، بمدربين فرنسيين كانوا ملمين بطبيعة المغرب الجغرافية، لاقتراح جولات صيد تختلف باختلاف المناطق التي يزورها الملك، خلال عطلاته السنوية. وعُرف عن الحسن الثاني أنه كان يشرف بنفسه على كل التفاصيل، بما فيها توفير قطعان من الطرائد، خصوصا عند وضع برامج استضافة ملوك الدول الأجنبية.. فقد كان الملك الأردني الحسين، وأيضا ملوك المملكة العربية السعودية، على رأس قائمة ضيوف رياضة القنص الملكية، حيث كان الملك الراحل الحسن الثاني يتولى بنفسه مهمة اقتيادهم عبر مناطق القنص، ويسابقهم في إصابة الطرائد. وقد كانت بعض جولات الصيد حاسمة، مثل التقرير في تواريخ عقد القمم العربية، في عز الخلاف العربي، بسبب اجتياح العراق للكويت، ورفض السعودية حضور قمم إسلامية، بسبب إيران، وغيرها من الأحداث المفصلية في تاريخ الدول العربية والإسلامية، ما بين سبعينيات وتسعينيات القرن الماضي.
++++++++++
أجواء القنص عند «السلطان» محمد الخامس في سنواته الأولى
في سنة 1927، وصل السلطان سيدي محمد بن يوسف – أصغر أبناء المولى يوسف- إلى الحكم.
ورث السلطان الشاب عدة القنص الخاصة بوالده السلطان، والتي لم يستعملها كثيرا، ومارس القنص على الطريقة «المخزنية» العتيقة، رغم العروض التي تلقاها من الفرنسيين لكي يغير طقوس هذه الرياضة.
امتنع السلطان الشاب، سيدي محمد بن يوسف، عن تجربة أدوات القنص الجديدة التي عرضها عليه الفرنسيون في القصر الملكي بالرباط، وفضل الاحتفاظ بأدوات القنص التقليدية، التي كانت تصنع خصيصا في مدينة فاس.
بحسب ما أكده المؤرخ المغربي عبد الرحمن بن زيدان، فإن السلطان سيدي محمد بن يوسف قضى طفولته الأولى في مكناس، وهناك كان الخروج إلى نواحي المدينة لممارسة القنص دوريا.
وعندما أصبح سيدي محمد سلطانا، أحيا رياضة القنص مع مرافقيه، سيما الفقيه المعمري والوزير المقري، وهما الرجلان اللذان لم يكونا يمارسان القنص، بقدر ما كانا يتابعان أطواره فقط، ويشجعان السلطان ويثنيان على دقته في التصويب ومطاردة الطرائد.
كان يوم القنص عند السلطان سيدي محمد بن يوسف في ثلاثينيات القرن الماضي، كما وصفه مقال نشر في مجلة «إكسيلسيور»، وهي مجلة كانت تُطبع في فرنسا خلال ثلاثينيات القرن الماضي وتوقفت مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، يوما استثنائيا تقام فيه الولائم، وتجهز فيه الخيام شرق مدينة الرباط في اتجاه السهول.
كان فريق من المخازنية التابعين للقصر الملكي، يسبقون الموكب بأيام، ويسهرون على إقامة الخيام لاستضافة السلطان ووزرائه وحاشيته، ويُطلقون الطرائد في الغابات المجاورة، ويحرسون الأراضي التي تحدها الوديان، في انتظار وصول السلطان.
وفي اليوم الذي يصل فيه السلطان، وغالبا ما يكون صباح السبت، بعد أن يكون السلطان والوزراء قد أدوا صلاة الجمعة وتجهزوا للسفر، يطلق المخازنية طلقات احتفالية إعلانا على بداية جولة القنص.
يمتطي السلطان صهوة حصانه المدرب والمجهز لهذا الغرض، ويتبعه فريق من المخازنية على الخيول ومشيا على الأقدام، وبالقرب منه صبي مكلف بتجهيز بندقية السلطان وإرشاد الحصان عبر الطرق والأحراش.
بينما فريق آخر من المخازنية ينشغلون بتجهيز الطرائد وتوجيهها في اتجاه موكب السلطان ومرافقيه..
وما أن تحل الساعة الثانية عشرة ظهرا، حتى يعود الموكب السلطاني محملا بالطرائد التي تكون غالبا عبارة عن طيور الحبار والحجل والأرانب، ويتولى فريق خاص من الطهاة إعداد وليمة الغذاء للسلطان ومرافقيه..
في المساء، حسب برنامج السلطان، يأتي أعيان المناطق المجاورة لمحل خيمة السلطان، احتفاء بوصوله، ويعود إلى القصر الملكي في الرباط، أو يكمل جولة الصيد، ويتولى المخازنية تجهيز المنطقة التي سوف يمارس فيها السلطان هوايته في اليوم الموالي.
ظل السلطان سيدي محمد بن يوسف في السنوات الأولى لحكمه وفيا جدا لأصول القنص التقليدي كما عرفه السلاطين المغاربة الأوائل، ولم يُدخل الأسلحة العصرية وأدوات القنص والتخييم الفرنسية، إلا في خمسينيات القرن الماضي، عندما بدأ الأمير مولاي الحسن ممارسة القنص بدوره.
أجانب مارسوا «القنص» على طريقة الأغنياء المغاربة قبل قرن ونصف
لا يمكن حصر لائحة بأسماء الأجانب الأوائل الذين مارسوا رياضة القنص في مدن المغرب وقُراه. لكن اسم الصحافي البريطاني «والتر هاريس»، صديق المولى عبد العزيز وصديق المخزنيين وكبار الوزراء ورجال السلطة في مغرب القرن التاسع عشر، لا بد أن يكون في أعلى القائمة.
في كتابه «The Land of an African Sultan»، يحكي الصحافي والتر هاريس عن أجواء القنص، كما كان يمارسها الأعيان والأثرياء المغاربة، قبل أزيد من قرن ونصف القرن.
اعترف والتر هاريس بأن أصول هذه الرياضة تختلف عند المغاربة، مقارنة مع طقوس القنص عند نبلاء أوروبا. لكن ما حكاه في مذكراته عن مغرب نهاية حكم المولى الحسن الأول، يسلط الضوء على طقوس القنص عند مغاربة ذلك الزمن. يتحدث والتر هاريس في هذه الشهادة التي اخترناها من بين أخرى كثيرة، عن أجواء القنص في نفوذ ترابي تابع لوزان، المدينة التي بقيت محرمة على الأجانب، وكان هو أحد أوائل من اكتشفوها، بل وأصبح صديقا حميما لشريف وزان شخصيا. وهنا تكمن أهمية هذه الشهادة.. إذ إنها توثق لطقوس رياضة القنص لدى الأعيان المغاربة، والتي نقلوها من السلاطين المغاربة، دون أي تعديلات أوروبية. يقول في هذا المقطع: «نزلنا عبر الوادي الذي يجري أسفل المدينة، وسرعان ما أصبحنا نسير بين السهول الشاسعة والأراضي المفتوحة. وهناك أطلقنا سراح كلاب «السلوقي»، وبقية الكلاب الأخرى، وانتشر قارعو الطبول بسرعة – وكان عددهم حوالي المئتين- في صف واحد. بعد ذلك جرت محاولتان أو ثلاث لملاحقة الأرانب البرية، ثم ركضت الكلاب بسرعة أثناء ملاحقتها لحيوان ابن آوى.
خلال هذه المطاردة الأخيرة، تعرضتُ لحادث وسقطتُ فوق «نوالة» لم أرها أمامي، إذ كانت مخفية تحت الشجيرات الكثيفة.
في البداية، أصبتُ بالذهول، حيث ركلني الحصان على رأسي وذراعي، عندما كان يصارع للنهوض. عم الذعر في صفوف الصيادين، وسارع زعيم الصيادين، وهو من الشرفاء وابن عم مولاي محمد، في الحضور إلى المكان.
عندما وصل، وجدني في مكاني، لا أزال مستلقيا على الأرض، يسيطر عليّ الإحساس بالدوار. نزل بسرعة من على صهوة حصانه، وأمسك بيدي وقال:
-«لم تُقتل؟ لم تصب إصابة بالغة؟».
بالكاد أسعفتني أنفاسي لكي أجيبه:
-«ماذا؟ من المستحيل أن يحدث هذا وأنا في مدينة وزان المقدسة!».
ترك كلامي انطباعا جيدا في نفوس أفراد الحشد حولي.
امتطيتُ صهوة حصاني بسرعة مرة أخرى، وبناء على رغبتي الصريحة، استمرت جولة الصيد.
سرعان ما دخلنا منطقة أراضي قبيلة بني مسرة. وبعد أن مضى على مغادرتنا وزان أربع ساعات تقريبا، وصلنا إلى «عين الزوهرة»، وهي قرية كبيرة تابعة لتلك القبيلة».
في هذا الكتاب، الذي سبق أن نشر في «الأخبار» في ترجمة حصرية وغير مسبوقة إلى العربية، كشف والتر هاريس عن بداية انتشار رياضة القنص في المغرب، وذكر حتى أسماء الأجانب الذين كانوا ينشطون في هذه الرياضة. ومقارنة مع طقوس القنص المغربي، فإن القنص على الطريقة الأوروبية كان مختلفا تماما. أنشئت شركة لبيع معدات التخييم والقنص في طنجة الدولية، وكان والتر هاريس زبونا لها، واقتنى منها معدات القنص الأولى.. واعترف في هذا الكتاب بأنه مارس القنص في نواحي طنجة، مع ثلة من البريطانيين، وطاردوا الخنازير البرية في المنطقة بين طنجة وأصيلة.. لكن تجربة القنص في أراضي القبائل المغربية، وبمعية المغاربة، كانت مختلفة تماما.
شهادة نادرة عن أجواء «القنص» مع الحسن الثاني قبل الانقلاب
يتعلق الأمر بمذكرات موظفة الاستخبارات الأمريكية «CIA»، «آلين گريفيث»، زوجة رئيس وزراء إسبانيا أيام حكم الجنرال فرانكو.
«آلين» درست الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية، خلال بداية أربعينيات القرن الماضي، ووظفها الأمريكيون في الاستخبارات وعملت في إسبانيا، خلال الحرب العالمية الثانية، وسرعان ما أصبحت من مشاهير أوروبا، بحكم أنها انخرطت خلال شبابها في مسابقات ملكات الجمال والموضة، ثم تزوجت رئيس وزراء إسبانيا، الذي كان سليل عائلة ثرية صديقة للمغرب.. وحلت ضيفة أكثر من مرة، حتى بعد أن تقاعدت من «CIA»، على الملك الراحل الحسن الثاني.
في مذكراتها «The Spy wore silk»، تحدثت السيدة «آلين» عن أجواء القنص في ضيافة الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1970، حيث إنها رافقت ابنة الجنرال فرانكو، عندما تلقت دعوة من الملك الحسن الثاني لكي تزور المغرب، ونظم جولة قنص على شرفها، وشاركت فيها السيدة «آلين».
وهنا تنقل آلين هذه الأجواء:
«تم تقديمنا إلى الملك الحسن الثاني فردا فردا. كانت «كارمين فرانكو» قد التقت الملك الحسن الثاني سابقا، خلال زيارته الرسمية إلى إسبانيا. لكن لم يسبق لي أن حظيت بفرصة للحديث مع هذا الملك، الذي يعرفه العالم على أنه أحد أشهر وأبرز وأذكى الحكام في العالم العربي.
عندما نظرتُ إليه، تساءلت مع نفسي ما إن كان اللباس العسكري الذي اختاره للصيد يدخل في صميم حمايته الخاصة، حتى يبقى معروفا خلال الصيد بالنسبة إلى الضباط المكلفين بحراسته الشخصية والذين كانوا يحيطون به، أو أن الأمر يتعلق بلباس ألف ارتداءه خلال رحلات الصيد.
كان موكب الضباط المحيطين بالملك يقفون في الخلف عندما كان يتم تقديمنا إليه. بينما كان يتم الإعداد في الجهة الأخرى لبداية جولة الصيد.
كان يتم إبعاد السيارات ونقل المعدات، بينما كان الملك الحسن الثاني يتقدم لتحية كل الضيوف، حيث كان يمشي بسهولة بين المدعوين يوزع الابتسامات ويحيي كل فرد منهم بتعليق مقتضب.
فجأة وجدت نفسي أمامه في منتصف «الجوقة» البشرية، قال لي الملك الحسن الثاني لحظتها:
– الصيد في إسبانيا كان من أجمل الأوقات التي قضيتها في الماضي، وقد قيل لي إنك قناصة ماهرة جدا، والميداليات التي تضعينها فوق قبعتك خير دليل على موهبتك.
قال لي الملك هذه المجاملة والابتسامة لا تغادره. قلت في نفسي إن هذه فرصتي للحديث معه حول موضوع المخطط للإطاحة به، قبل أن يتحقق الأمر.
لكن قبل أن أستجمع كلماتي، كان رشيد سلوم قد تدخل وقاطع حديثي مع الملك قائلا:
– جلالة الملك، سوف تحظون اليوم بجولة صيد رائعة. لقد قيل لي إن هناك أكثر من مائة ضارب سوف ينخرطون في اللعبة على مدى يومين. وهناك أعداد كبيرة من الخنازير المتوحشة أكثر من المعتاد».
لماذا ذكرت «آلين» أجواء القنص مع الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1970؟ الأكيد أن الأمر لم يكن بهدف التسلية، فقد كانت تتحدث في مذكراتها، التي ترجمت هي الأخرى حصريا في حلقات ونشرت على صفحات «الأخبار»، عن محاولاتها إخبار الملك الحسن الثاني بما يحاك ضده قبل انقلاب الصخيرات، وحاولت استغلال وجودها في جولة القنص، لكي تنفرد بالملك ولو لدقائق، لكي تخبره بما لديها من معلومات.. فقد كانت على اتصال بسفارة أمريكا في الرباط، وعرضت عليها ما لديها من معلومات عن تحركات مشبوهة في محيط الملك الحسن الثاني، وإعداد انقلاب للإطاحة به.
لكن ما جعل مهمة «آلين» صعبة، أنها لم تنجح في الظفر بلحظة مع الملك لكي تفاتحه في الموضوع، بحكم انشغاله، وأيضا لأنه لم يحل في جولة الصيد إلا في مرحلة من مراحلها فقط، بينما ترك ضيوفه يستمتعون بمراحل مغامرة الصيد التي استمرت لأيام عبر جنوب المغرب.
عندما انبهر رئيس الجزائر الشاذلي بن جديد بأجواء القنص مع الملك
عندما توفي هواري بومدين، في دجنبر 1978، ساد الترقب في الجزائر، قبل الإعلان عمن يخلف الرئيس الذي أوصل العلاقات المغربية الجزائرية إلى الحافة.
وصول الشاذلي بن جديد إلى السلطة كان منعطفا في تاريخ العلاقات المغربية الجزائرية، وبدأ الرجل تدريجيا رأب الصدع الذي ورثه عن خلفه بومدين. وتدريجيا، صارت العلاقات المغربية الجزائرية أحسن مما كانت عليه.
عندما زار بن جديد المغرب في زيارته الشهيرة سنة 1989، نظم الملك الراحل الحسن الثاني جولة قنص على شرفه، تحدث عنها موظفو بن جديد أكثر مما تحدث عنها الرئيس نفسه!
الزيارة امتدت ما بين السابع والتاسع من فبراير من سنة 1989، وسبقت الإعلان عن إنشاء اتحاد المغرب الكبير بأسبوع تقريبا..
احتضنت مدينة إفران، التي اعتاد الملك الراحل الحسن الثاني أن يقضي بها عطلته الشتوية، الرئيس الجزائري، ونظمت على شرفه جولة صيد، حضرها مستشارو الملك ووزراء الدولة، وبعض الشخصيات العسكرية.
يحكي حمدي مطاوع، وهو أحد من عملوا مع الشاذلي بن جديد، في مقال نشر في الصحافة الجزائرية سنة 2002، بعد تقاعد هذا الأخير، عن أجواء القنص في ضيافة الملك الحسن الثاني. إذ قال إن الشاذلي بدا منشرحا، واعترف للملك، قبل انطلاق الجولة بدقائق، بأنه لا يعرف الكثير عن القنص، لكنه يرغب في تعلم هذه الرياضة، في ما دعاه الملك الحسن الثاني إلى الاسترخاء، وسرعان ما تحولت الجولة إلى درس مكثف في أبجديات رياضة القنص.
يقول الشاهد إن الشاذلي بن جديد بدأ يطرح الأسئلة على الملك، وكان الملك يجيبه دون أن يُزيح نظره عن أداة التصويب المثبتة في البندقية. وبدأ الملك يشرح كيف يتم تغيير الذخيرة باختلاف الطرائد، وكيف تختلف معدات القنص في الجبل عن معدات القنص في الأراضي المستوية، وتقنيات إصابة الطيور والخنازير البرية، وحيل مطاردة الأرانب.
وما أثار دهشة الحاضرين، بحسب الشاهد دائما، أن الملك كان لا يُخطئ الطريدة، بل ويقدم للشاذلي بن جديد تطبيقا عمليا للنصائح والتقنيات التي يشرحها أمامه، ويُظهر له نجاعتها على أرض الواقع.
أحد المرافقين لبن جديد، طرح سؤالا عن الترتيبات المتبعة، فكان رد الملك مستفيضا قدم فيه عرضا لتاريخ رياضة القنص على الطريقة المغربية، بدءا من سلاطين الدولة العلوية الأوائل، وصولا إلى القنص باستعمال البنادق الحديثة.
الملك الراحل لم يفته أن يشير إلى أنه شخصيا يصر على الحفاظ على بعض التقاليد المرتبطة بالقنص على طريقة «المْخزن» القديمة، والتي ورثها عن والده وهو طفل. وبدأ يشرح للشاذلي بن جديد ومن معه، أساليب توظيف بعض الأغراض المغربية التقليدية، داخل الخيام التي ترافق الملك في رحلته، وطرق إعداد الشاي والوجبات خلال جولات القنص، والتي تختلف باختلاف الطرائد التي يغنمها الملك بعد رحلة الصيد.





