حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةسياسية

عندما أخبر الحسن الثاني جلساءه المقربين عن الكتب التي يقرأها ورأيه في الرئيس الأمريكي نيكسون

يونس جنوحي

بدا واضحا أن السفير والدبلوماسي محمد التازي كان من الذين تستهويهم كتابة المذكرات. كان يسجل، في أوراقه الشخصية، ما مر به من أحداث، حتى لو كان الأمر يتعلق بجلسات خاصة مع الملك الراحل وجلسائه المقربين.

هنا، سجل التازي جلسة في القصر الملكي، تعود إلى سنة 1969 واحتفظ بها في أوراقه الشخصية.

يقول متحدثا عن شخصية الحسن الثاني كما عرفه عن قرب:

«كان رحمه الله ذا ثقافة تمتاز بالإحاطة والشمول، وبرغم تعدد مسؤولياته وتشعب اهتماماته، فإن للاطلاع والقراءة وقتًا لا يخلفه، وكان لا يكتفي بأن يقرأ لنفسه، بل كان حريصا على أن يشرك جلساءه في مناقشة ما قرأ، فمثلا، أجد في أوراقي مسجلا يوم 28 فبراير 1969:

قبل أن تمد موائد الغداء بنصف ساعة في قصره العامر كالعادة كل يوم، قال جلالته:

-إني أقرأ الآن في ثلاثة كتب في موضوع واحد:

الأول: «الولايات المتحدة أمام قوتها» للسفير الأمريكي جورج بول.

الثاني: «الإمبراطورية الأمريكية» للكاتب الفرنسي كلود جوليان.

الثالث: «عجرفة السلطة» لوليام فول برايت، عضو مجلس الشيوخ الأمريكي.

وتحلق الحاضرون حول جلالته ينصتون في اهتمام لجلالته وهو يحلل ما قرأ.

واستأذنت جلالته أن أسجل ما أقدر على تسجيله فأذن معقبا:

– ستضطرني لاختيار كلماتي. لا بأس. إنني أتساءل، هل يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تكون أقوى دولة في العالم، وأن تمارس هذه القوة، وتبقى في الوقت نفسه ضمن النظام البشري فلا تخرج عنه، أو تكون سلطة عليا مستقلة، هي في جانب والعالم كله في الجانب الآخر؟

إن الشعب الأمريكي يطلب من رئيسه، سواء كان ديمقراطيا أو جمهوريا، سواء كان متواضع الثقافة أو كان مثقفا، تأمين الازدهار والاستقرار له في ظل إمبراطورية قوية..

ويواصل جلالته تحليله لما يتتبعه من الوضع في أمريكا، ولم تمض إلا أسابيع على تولي نيكسون رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، فيفكر بصوت عال قائلا:

-إنه الآن ما يزال في مرحلة البحث عن «شخصية الرئيس» أو «قناع رئيس». أي مستقبل لبلاده وللعالم معه؟

ولم ينتظر جلالته جوابا من المتحلقين حوله، بل واصل حديثه مع نفسه

بحضورنا قائلا:

-لكي نعرف فعلا كيف ستكون نظرة نيكسون إلى العالم وكيف ستكون علاقاته مع الدول يجب أن نعرف من هم المحيطون به؟ من هو مستشاره الرئيسي في الشؤون الخارجية؟ هذا المستشار هو هنري كيسنجر. من هو هنرى كيسنجر؟

أندريه فونتين، من جريدة «لوموند»، يصفه بأنه رجل الحوار الذي يستمع إلى جميع الآراء. وهو مثقف ثقافة واسعة، من مواليد ألمانيا من أصل يهودي، ويرى «فونتين» أن مهمة «كيسنجر» ستكون صعبة جدا ودقيقة جدا، مهمته إعداد تقارير للرئيس من خلال المعلومات التي تصله من وزارة الخارجية، ومن وزارة الدفاع ومن وكالة الاستخبارات من جميع أنحاء العالم.

رجل الحوار مع من؟

ويجيب جلالته عن السؤال قائلا:

-مع الاتحاد السوفياتي أولا، ثم مع الصين الشعبية ثانيا، ثم مع أروبا أخيرا.

وفي تصور جلالته أن أهداف هذا الحوار إنهاء الحرب الفيتنامية، الحد من انتشار الأسلحة النووية، تقليص النفوذ السوفياتي في منطقة الشرق الأوسط بخاصة، وذلك ليكون لأمريكا وحدها الدور الرئيسي في تخطيط مستقبل الشرق الأوسط.

ويضيف جلالته:

-إني قرأت ما كتبه كيسنجر، وما يكتب عنه، وما يصرح به لأنه المحرك الرئيسي للسياسة الخارجية الأمريكية، وأتطلع إلى الاجتماع به، فلدينا الشيء الكثير الذي يمكن أن نتحاور فيه، من غير خلفيات لدينا، أو عقد نقص أو شعور بالدونية نحو أي قوة. فلدينا التاريخ والجغرافيا والموقع.

وختم جلالته هذه الجلسة المفيدة والممتعة بابتسامة ودودة قائلا:

-انتهى درس اليوم.

ولعل المتتبعين لسير السياسة الأمريكية في عهد الرؤساء الأمريكيين الذين شغلوا المكتب البيضاوي في البيت الأبيض منذ «نيكسون» إلى «بيل كلينتون» سيرون أن تحليل جلالته لهذه السياسة قبل ثلاثين سنة (التازي كتب هذه الأسطر في نهاية التسعينيات)، كان تحليلا دقيقا، وكان تصوره لمستقبل السياسة الأمريكية الخارجية تصورا سليما، بحيث لم يفاجأ بأي موقف لم يكن يتوقعه. مما جعل مواقف جلالته وقراراته تتسم دائما بالعمق والصدق، وأصبح مرجعا سياسيا يعتمد على رأيه. ويؤخذ بمشورته، ولا غرو أن نسمع الرئيس كلينتون يصرح بأن رؤساء أمريكا من عهد كينيدي إلى عهده كانوا يستشيرون جلالته، فيجدون دائما عنده الرأي الصائب».

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى