
وأنت في ديار الغربة تناضل من أجل قوتك اليومي دون وثائق رسمية، هل انتابك شعور بالندم؟
غلطة العمر التي ارتكبتها في حياتي هي تركيزي على الكرة وحدها وعدم استكمال دراستي. كان علي أن أتعلم حرفة مهما كانت، المهم أن أعود لممارستها حين تنقطع بي سبل الحياة. اعتقدت أن الكرة هي المستقبل وهي الحياة، وفي إيطاليا شعرت بأنني لا أجيد أي عمل سوى لعب الكرة، لهذا انتابني شعور بالندم وقلت في قرارة نفسي: لو تعلمت حرفة ميكانيكي أو كهربائي أو صباغ أو أي مهنة يدوية لأنقذت حياتي وحياة عائلتي.
متى انقطعت عن الدراسة وقررت التفرغ للكرة؟
كنت حينها في مستوى الرابعة إعدادي، وهذا المستوى كان يخول لنا كتلاميذ حق ولوج مراكز التكوين المهني لتعلم مهنة شريفة، لكنني فضلت الكرة بسبب كثرة التنقلات وما ترتب عنها من غياب عن الحصص الدراسية. هذا أكبر غلط للأسف لم أجد من يوجهني، وكان هاجسي الأول أن ألعب الكرة وأصرف مالها على عائلتي.
لكن النادي كان يمنحك راتبا ومنحا..
هناك بعض الناس يعتقدون أنك ميسور الحال لمجرد رؤيتك في سيارة أو مع الفريق. لقد أعطيت الكثير لأولمبيك خريبكة وأخذت القليل، علما أن ما كنت أتقاضاه يصرف على عائلتي وعلى أسرتي الصغيرة وأشقائي.
تلقيت عروضا للانتقال صوب فرق أخرى لكنك فضلت البقاء في خريبكة، هل كان هذا القرار غلطة؟
علينا أن نفهم أولا أن اللعب في الفترة الزمنية التي كنت أمارس فيها اللعبة، لم تكن هناك عقود ولا غرفة المنازعات ولا لجوء للفيفا ولا محكمة الطاس، كانت العلاقة شبه شفاهية وكان اللاعب ملكا لفريقه إلا في حالات نادرة. شخصيا تلقيت عدة عروض من الكوكب المراكشي ورفض المكتب المسير للوصيكا، وتلقيت عرضا من حميد الهزاز حين كان رحمه الله رئيسا للمغرب الفاسي، لكن حمدي الذي كان يرأس الأولمبيك رفض. في الثمانيات كان بإمكان رئيس الفريق تجويع لاعب وقطع رزقه ودفعه «لتعليق السباط»، في زمننا لم تكن الصفقات تتم بالملايين كما هو الحال اليوم، حيث نسمع عن انتقال لاعب عادي بما يزيد عن 400 مليون سنتيم، لقد مارسنا الكرة في عهد الهشاشة.
العرض الأهم جاء من ناد قطري، إلا أن صفقة العمر فشلت، ما السبب؟
دافعت عن قميص لوصيكا بشجاعة، ورحلت مع الفريق إلى الأردن للتنافس على لقب عربي حيث انتصر فريقنا على الفيصلي الأردني بثلاثة أهداف لواحد، وحملت الكأس العربية، ودخلت خريبكة إلى عالم الكبار من الباب الواسع، لأن الألقاب الخارجية كانت في الغالب من نصيب فريقي الدار البيضاء. المهم دخلت لوصيكا التاريخ. ولأنني تألقت بشكل لافت، فقد تلقيت عرضا للانضمام لنادي الغرافة القطري الذي لعب له البهجة، وكان العرض جادا، بل إن مسؤولا عن الفريق القطري زار خريبكة للتفاوض مع المسؤولين في عين المكان. حصل هذا قبل تجربة الوحدة، وأذكر أن وكيلا من القنيطرة كان يصر على إتمام الصفقة باسم النادي القطري، وكان شرطه التعاقد معي لمدة ثلاث سنوات لكن المكتب المسير رفض.
لعبت للمنتخب المغربي، ما الاستفادة التي جنيتها من صفتك لاعبا دوليا؟
لقد نودي علي للمنتخب الوطني في عهد عبد الخالق اللوزاني أولا، وفي عهد هنري ميشال تمت المناداة علي من جديد وشاركت في مباراة بوركينا فاصو، لكنني لم أكن لاعبا أساسيا فقد ظل وجودي ضمن الاحتياطيين، أي أن المنح التي أتقاضاها ليست من نفس قيمة اللاعبين الأساسيين. لعبت ضد زامبيا والملاوي لكن وجودي ضمن المنتخب في تلك الفترة لم يكن بغاية جمع المال، اليوم اللعب للمنتخب يجعلك مرتاحا على المستوى المالي، أنظر لحجم المنح والحوافز التي يحصل عليها اللاعبون الدوليون اليوم.
بدأت مأساتك الحقيقية بعد العودة من إيطاليا حيث أصبحت مطلوبا للعدالة بسبب النفقة، ما أولى خيوط هذه المحنة التي انتهت بك في السجن؟
عقب عودتي من إيطاليا إلى المغرب بعد أن اكتشفت أن السبع سنوات التي قضيتها في الغربة لم تحسن شيئا من وضعيتي، قامت طليقتي برفع شكاية ضدي تطالب بالنفقة على اعتبار أنها في حاجة لرعاية ابني المعاق متعه الله بشفاء من عنده. كنت عاطلا عن العمل ورفض مسؤولو الفريق تشغيلي في النادي الذي ضحيت من أجله، الحمد لله لأنني حافظت على توازني العقلي، في وقت كنت متابعا ومبحوثا عني، وفي كل مرة يصادفني رجال الأمن يتأسفون لوضعيتي، قبل أن يتم اعتقالي وأصبح سجينا رغم أنني لم أرتكب أي جريمة، كل ما في الأمر أنني عاطل ولا أستطيع توفير المبلغ المالي الذي تطالب به طليقتي، لقد اعتقلت سبع مرات من أجل نفقة أنا عاجز عن توفيرها.
سبع مرات؟
نعم سبع مرات في كل مرة تهمة جديدة وظل هاجسي هو توفير مال النفقة. لقد قضيت شهرين في السجن القديم والسجن الجديد لخريبكة، ألوم نفسي لأنني لم أدبر وضعيتي بشكل جيد.
لكن الفريق كان محتضنا ولديه من الموارد ما يكفي لانتشالك من السجن..
أولمبيك خريبكة فريق كبير مدعم من طرف مستشهر كبير، كان في زمن مضى يشغل أبناءه، لكن في محنتي لم تأت أي مبادرة من الفريق، باستثناء بعض اللاعبين السابقين في لوصيكا وبعض الدوليين الذين عايشوا فترة تألقي وظلوا يمدون لي يد المساعدة، كصلاح الدين بصير وعبد اللطيف اجريندو وأحمد البهجة. إضافة لتعاطف سكان المدينة وجمهور الفريق.
كيف عشت فترة الاعتقال؟
«تمحنت بزاف في الحبس»، قضيت أياما صعبة، إنها معاناة من نوع خاص، شعرت خلالها بالمهانة والمذلة، وكنت أعلم أن سر وجودي في المعتقل هو ضيق ذات اليد، لكن الله سبحانه وتعالى ابتلاني بهذه المحنة وأشكره وأحمده على كل حال، وبالرغم من أنني حاولت، في العديد من المرات، تدشين مرحلة جديدة في حياتي، غير أنني لم أجد يد المساعدة والدعم من النادي الذي لا أنكر أنه أعطاني لكن عطائي أكبر، طبعا هناك استثناءات وهناك بعض المسؤولين «لي منساش خيرهم».
كيف كان السجناء ينظرون لسجين كان يوما لاعبا دوليا؟
في السجن كانت عيون النزلاء والموظفين والمسؤولين تقول لي إنك لا تستحق هذا المكان، وكنت ألقى تعاطفا من طرف الجميع. وبالمناسبة أقدم الشكر لكل من ساندني في محنتي من مدير السجن ومدير المعقل، وموظفين ونزلاء، لكن السجن الحقيقي هو عندما لا تجد موردا ماليا قارا تعيل به أسرتك. صدقني لو لم يتم إدماج مجموعة من لاعبي أولمبيك خريبكة السابقين، كمستخدمين بالمجمع الشريف للفوسفاط، لكانوا يعانون مثلي.





