شوف تشوف

الرأيشوف تشوف

فهم تسطا 2/1

كثيرون تساءلوا باستغراب كيف لعبد الإله بنكيران أن يفوز في الانتخابات، ويضاعف عدد ناخبيه ثلاث مرات في حين يوجد على رأس حكومة حصيلتها في النمو والاستثمار تكاد تكون صفرا على الشمال، فيما حصيلتها في محاربة الفساد والاستبداد جاءت على شكل شعار «عفا الله عما سلف»، والحال أن الله لا يعفو عن المفسدين بل أعد لهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة، لذلك فقد كان أجدر برئيس الحكومة أن يقول «عفا بنكيران عما سلف» وأن يترك الله بعيدا عن مهاتراته لأن الله لم يمنحه تفويضا للعفو عن المفسدين باسمه.

سر هذا «القبول» الذي لدى بنكيران ليس معقدا بل هو أبسط من البساطة. فبنكيران «دار الحملة كاملة على ظهر الاستقلال والبام»، ولم يكن مجبرا على تقديم أي برنامج آخر غير برنامج كيل التهم والشتائم لهذين الحزبين، وقد نجح في مهمته ليس لأنه قدم مشاريع جهوية ومحلية سيلتزم بها مرشحوه، بل لأنه صنع الفرجة، أي «فرج ليا عباد الله فالعديان».

لذلك فتحليل نتائج هذه الانتخابات يجد عناصره في العمق النفسي للمغاربة وليس في الجانب السياسي.

المغاربة «عزيز عليهم الفراجة»، ويتسابقون لكي يحجزوا أماكنهم في مقدمة الحلاقي أو عندما تكون هناك حادثة سير، أو عندما تندلع «مطايفة» في الحومة، فترى الناس مجتمعين وهم يترقبون ما ستنتهي إليه المعركة، وهل ستسفر عن سقوط «بطانة» أم أن الأمر سيقتصر على تبادل الضرب والجرح.

وككل الشعوب التي لديها تاريخ مع «الحكرة»، لدى المغاربة احتياطي كبير من العدوانية، وهذا يظهر بشكل جلي على السائقين من مستعملي الطريق.

وأكبر من فطن إلى هذا المرض واستطاع استغلاله سياسيا لصالحه هو عبد الإله بنكيران، فهو لا يتوقف منذ سنوات طويلة، سواء عندما كان في المعارضة أو عندما وصل إلى سدة الحكم، عن دغدغة هذه المشاعر العدوانية للمغاربة بالعبارات المناسبة والمواقف التي تعطي عن بنكيران صورة الزعيم «اللي جوابو على نابو» والذي يعرف كيف يرد الصاع صاعين، وصاحب اللسان الطويل الذي يجيد «التعراق» للخصوم.
ولأن بنادم «مسلسع»، يحب رؤية من يمارس الاستخفاف بالخصم و«التمشخير» و«التمكريه»، فإن بنكيران أصبح بطلا شعبيا بدون منازع في هذه الرياضة الوطنية.

فهو يدغدغ حاسة «التسلسيع» لدى المواطن المقهور وينتقم له و«يبرد له الهوايش» في الزعماء السياسيين الذين يعتبرهم مسؤولين عما يحدث له من مآس.

وفي أغلب مهرجاناته الخطابية يظهر بنكيران مثل أولئك الدعاة والمبشرين الذين يعتلون المنصات في أمريكا اللاتينية ويخطبون في الجماهير الواقعة تحت تأثير تنويمهم المغناطيسي.

ومن شدة الشعبية والحب الذي يبادلهم إياه معجبوهم فقد أصبحت لديهم قنواتهم الفضائية التي يتابعها الملايين ودور نشرهم التي تطبع كتبهم وجرائدهم.

ومن يتابع خطابات بنكيران الجماهيرية يكاد يخلطها بحضرة من تلك «الحضرات» التي ينظمها جيلالة أو عيساوة، فالرجل يصل حدود النشوة والحلول وهو يقرع خصومه ويكيل لهم أشنع التهم والنعوت، والناس يصفقون بحرارة ويضحكون وأعينهم تكاد تفيض من الدمع من شدة التأثر بخطاب الزعيم.

ومن شيم المغاربة أنهم يتعاطفون مع المظلومين، وجميع من يستدعي لديهم مشاعر «المحكور»، لأنه يذكرهم بحالهم.
وبنكيران يتلفع جيدا بخطاب المظلومية، ويتقمص دور الضحية، علما أنه يوجد في موقع المسؤولية ويمارس الحكم، وهو المسؤول حسب الدستور عن رفع الظلم عن الناس، إلا أنه لفرط دهائه يغالط الناس ويقدم عن نفسه صورة الضحية عوض الجلاد.

فالجلادون هم الآخرون، والمسؤولون عما يحدث للشعب من زيادات في الأسعار وتردي الخدمات الصحية وإفلاس المنظومة التعليمية هم الآخرون ولا ذنب لمن يوجدون في الحكومة.

تقنية قلب الأدوار هي إحدى التقنيات التي يجيدها بنكيران، وهي تقنية انعكست حتى على نتائج الانتخابات، فنجح المتهم بالسرقة بعدما خرج من السجن بسراح مؤقت، وتحالف حزب رئيس الحكومة مع من سبق له أن أوقفه وعزله بتهمة الفساد.

وحتى نتحدث بالأسماء والوقائع فلنا أن نتأمل كيف أن محمد المستاوي الذي كان هاربا من العدالة قبل أن يلقى عليه القبض ويودع سجن علي مومن الفلاحي بتهمة السرقة الموصوفة على ذمة ملف يتعلق بسرقة الفيول، خرج من السجن بالسراح المؤقت وترشح باسم حزب الاستقلال وحصل على 11 مقعدا وربما سيصبح رئيسا لمديونة.

أما هشام الحمداني، رئيس بلدية سيدي سليمان السابق الذي أقاله بنكيران بـ«الغيطة والطبل» بعدما التقط لنفسه صورا مع سيارة ميرسيديس فاخرة اشتراها من مالية البلدية التي لا تتوفر على سيارة إسعاف، فقد حصل على خمسة مقاعد باسم الحركة الشعبية، والمصيبة أن بنكيران الذي أقاله كرئيس حكومة عاد وندم ووضع يده في يده كأمين عام لحزب العدالة والتنمية وتحالف معه في سيدي سليمان، مثلما تحالف مع نائبيه المنتميين لحزب التقدم والاشتراكية.

وقد حصل هشام الحمداني مول الميرسيديس على حكم يسمح له بالترشح وتقدم باسم الحركة الشعبية وفاز. أما نائبه الذي سبق له أن منح شخصا ضعيف البصر رخصة صيد، والذي كان عضوا في حزب الاستقلال أيام توزيع ياسمينة بادو لمناصب مناديب الصحة على الحزب، فقد أصبح وكيلا للائحة التقدم والاشتراكية بعدما غادر حزب الاستقلال. أما نائبه الثاني الموظف في المندوبية الجهوية للتشغيل بسيدي سليمان فقد ترشح معه في نفس اللائحة، وهما معا من الذين ظهرت عليهم مؤخرا آثار النعمة، بعدما وقع سعيد الفكاك، المسؤول عن الشؤون الاجتماعية بوزارة الصحة، في «غرام» منطقة سيدي سليمان التي أصبح دائم التردد عليها، عندما يفرغ من زيارة ورش بناء فيلته الفارهة بالهرهورة.
أما الثاني في لائحة الحمداني، الذي يستعد الصديقي وزير التشغيل الذي هزمه شيفور طاكسي بتازة في الانتخابات، لتنصيبه مندوبا لوزارة التشغيل بسيدي سليمان، فقد كان عاطلا ووظفه عباس الفاسي في وزارة التشغيل ورقاه ميمون بنطالب، وبعدما كان يسكن بزنقة الواد في غرفة، أصبح اليوم يقطن بيتا من ثلاثة طوابق ويسوق سيارة «كات كات» ويملك رخصة قنص، طبعا ليس قنص الفرص.

ومن طرائف الانتخابات أن عضوا بالمكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة سيجد نفسه في موقف حرج جدا بخصوص تصويته في انتخاب رئيس جهة بني ملال خنيفرة اليوم الاثنين، حيث يتنافس عليها مرشح من «البام» ومرشح من الحركة الشعبية، ليس في نهاية المطاف سوى شقيقه العضو بالمكتب السياسي للحزب.

والمحرج في الأمر أن الفارق بين مرشح «البام» المدعوم من طرف أحزاب المعارضة، ومرشح الحركة الشعبية المدعوم من طرف أحزاب الأغلبية، هو صوت واحد، حيث تتوفر الأغلبية على 28 مقعدا، والمعارضة على 29 مقعدا، وسيكون صوت قيادي «البام» حاسما لمنصب الرئاسة، إذا صوت لأحد الطرفين، إما لمرشح حزبه أو لشقيقه مرشح الحركة الشعبية.

وعندما ستظهر النتائج سيعرف الجميع لأية جهة انتصر المرشح، هل للبزيزيلة الأمومية أم للبزيزيلة السياسية.

وفي بير طمطم بصفرو كشفت النتائج أن مرشحا خسر في الانتخابات فمات بسكتة قلبية فأقامت عائلته مأتما، فيما ابن عمه ربح الانتخابات فأقامت عائلته فرحا، فحار الناس هل يقدمون واجب العزاء لعائلة الميت أم يباركون لعائلة الفائز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى