حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الدوليةالرئيسيةسياسية

فوز زهران ممداني يهزّ تل أبيب

صدمة إسرائيلية من عمدة نيويورك الجديد

أثار فوز زهران ممداني، السياسي الأمريكي من أصول مسلمة، بمنصب عمدة نيويورك، عاصفة من الجدل داخل الأوساط الإسرائيلية، التي رأت في الحدث تحوّلًا سياسيًا مقلقًا يعكس تغيّر المزاج العام في الولايات المتحدة تجاه إسرائيل. وبينما رحّب مؤيدون بتقدّم التيار التقدّمي في السياسة الأمريكية، تعاملت تل أبيب مع النبأ على أنه صدمة سياسية قد تترك بصماتها على مستقبل العلاقة بين واشنطن وتل أبيب.

 

إعداد: سهيلة التاور

 

 

فجّر فوز السياسي الأمريكي من أصول مسلمة، زهران ممداني، بمنصب عمدة نيويورك موجة من القلق وردود الفعل الغاضبة في الأوساط الرسمية والإعلامية والشعبية داخل إسرائيل.

فقد رأت تل أبيب في هذا الحدث مؤشراً على تغيّر المزاج السياسي داخل الولايات المتحدة، وعلى احتمال تصاعد الضغوط الأمريكية ضد السياسات الإسرائيلية، سيما مع اتساع الغضب الدولي من الحرب المدمّرة في غزة.

وتحوّل فوز ممداني إلى محور نقاش واسع في الإعلام الإسرائيلي ومواقع التواصل، وسط تساؤلات عن تداعيات صعوده السياسي على مستقبل العلاقة بين واشنطن وتل أبيب وعلى صورة إسرائيل في الداخل الأمريكي.

 

عمدة «خطر» بنظر تل أبيب

توصيفات الإعلام الإسرائيلي للعمدة الجديد اتخذت طابعاً عدائياً، إذ نُعت ممداني بأنه «معادٍ لإسرائيل» و«مناصر للفلسطينيين» و«معادٍ للسامية».

مراسل صحيفة «يديعوت أحرونوت» في نيويورك، دانيال أديلسون، ذهب أبعد من ذلك، فاستحضر أصول زوجة ممداني السورية واتهمها بعدائها لإسرائيل، مدعياً أن ممداني استغل موقعه في مجلس نيويورك للترويج لتشريعات ضدها منذ دخوله الحياة السياسية عام 2020.

ووصفه أديلسون بأنه يرفض الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، ويتّهمها بارتكاب جرائم إبادة في غزة، بل وهدّد باعتقال نتنياهو إذا زار نيويورك، في حال صدور مذكرة توقيف دولية بحقه.

في المقابل نفى ممداني مراراً أي عداء لليهود، مؤكداً أن حملته الانتخابية شملت تواصلاً واسعاً مع الجالية اليهودية، ونشر تهنئة لهم بمناسبة رأس السنة العبرية بالعبرية نفسها، وأشار إلى أن عدداً من مستشاريه من أصول يهودية.

ومع ذلك أصدرت منظمات يهودية كبرى في الولايات المتحدة، من بينها رابطة مكافحة التشهير (ADL) واللجنة اليهودية الأمريكية  (AJC)، بياناً مشتركاً تتّهمه فيه بتبنّي مواقف تهدد أمن الجالية اليهودية في المدينة وتضعف الدعم الأمريكي لإسرائيل.

 

انقسام حاد بين يهود أمريكا وإسرائيل

 

أثار فوز ممداني جدلاً كبيراً في صفوف اليهود داخل الولايات المتحدة، إذ انقسمت الآراء بين من اعتبر انتخابه مؤشراً على انفتاح المجتمع الأمريكي، ومن رآه تهديداً صريحاً لليهود.

فالسفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن، زلمان شوفال، عبّر عن استغرابه من دعم عدد من اليهود لممداني، معتبراً أن تصويتهم له «خيانة سياسية» ستنعكس على النفوذ اليهودي في المؤسسات الأمريكية.

لكن صحيفة «يديعوت أحرونوت» كشفت عن اتجاه معاكس داخل بعض الأوساط الإسرائيلية المقيمة في نيويورك. فالإسرائيلية روني زهافي، المقيمة في بروكلين، أعلنت صراحة تأييدها لممداني رغم معارضته للصهيونية، مؤكدة أنها تؤيد مقاطعة إسرائيل ما دامت تمارس الاحتلال، وترفض أن تُستخدم أموال ضرائبها في تمويل المستوطنات.

وقالت زهافي إن الخطاب الإسرائيلي، الذي يصف ممداني بـ«الجهادي» أو «المؤيد لهجمات 11 شتنبر» «محض عنصرية». وأضافت: «أنا يهودية، وأعيش في نيويورك وأرفض أن يُستخدم الدين ذريعة لتبرير القمع».

 

غضب الحاخامات.. قلق على مستقبل اليهود بالمدينة

 

ردود الفعل داخل الطائفة الأرثوذكسية المتشددة كانت منقسمة.. فقد أعلن الحاخام موشيه إنديغ دعمه لممداني في تجمع بويليامزبرغ، فيما هاجمه حاخامات آخرون بشدة، محذرين من أن «التيار التقدمي الذي يمثله سيجعل حياة اليهود المتدينين أكثر صعوبة».

أما الحاخامة أنجيلا بوتشديل، فوصفت فوز ممداني بـ«اللحظة الوجودية الأخطر للجالية اليهودية في نيويورك»، معربة عن خشيتها من أن يتعرّض اليهود لاتهامات جماعية بسبب سياسات إسرائيل، وأن يخشى أطفالهم الجهر بانتمائهم الديني.

الحاخام إليوت كوسغروف بدوره رأى أن صعود ممداني يمثل تهديداً للنسيج السياسي اليهودي في المدينة، خصوصاً مع مواقفه المناهضة للصهيونية ودعوته لاعتقال نتنياهو.

 

إسرائيل تخشى «عدوى سياسية» تمتد للعالم

 

في مقال نشرته «يديعوت أحرونوت»، رأى المؤرخ السياسي كوبي باردا أن فوز ممداني ليس حدثاً محلياً، بل جزء من ظاهرة عالمية تتحدّى «الشرعية التاريخية» لإسرائيل.

وأشار باردا إلى أن عمدة نيويورك يمتلك نفوذاً هائلاً في الحياة السياسية والاقتصادية الأمريكية، وأن ممداني يخطط لإلغاء التعاون الأكاديمي بين جامعة كورنيل ومعهد التخنيون الإسرائيلي، إلى جانب سحب الاستثمارات البلدية من السندات الإسرائيلية وتقليص ميزانية مكافحة معاداة السامية.

وأضاف باردا أن انتخابه يعكس تحوّلاً في المزاج الأمريكي، إذ أصبحت العلاقة مع إسرائيل قضية داخلية مثيرة للجدل، بعدما كانت لعقود من المسلّمات السياسية.

 

دعم دولي وتفاعل غير مسبوق

 

لم يقتصر الجدل حول فوز ممداني على الداخل الأمريكي والإسرائيلي، بل لقي دعماً من شخصيات دولية. فقد أشاد به جيريمي كوربين، الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني، الذي وصفه بأنه «صوت فلسطين في أمريكا»، كما شوهد الممثل اليهودي والاس شون، المعروف بمناهضته لسياسات نتنياهو، يوزع منشورات مؤيدة له في شوارع مانهاتن.

هذه المواقف عزّزت القلق في إسرائيل التي تخشى أن يتحول صعود ممداني إلى نموذج عالمي يحتذيه سياسيون غربيون آخرون في مدن كبرى.

 

هجوم سياسي إسرائيلي غير مسبوق

 

رغم غياب تعليق رسمي من الحكومة الإسرائيلية، فإن وزراء في حكومة نتنياهو شنّوا حملة هجومية على العمدة الجديد.

واتهم وزير التراث، عميخاي إلياهو، يهود نيويورك الذين صوّتوا لممداني بـ«خيانة تاريخهم»، واعتبر أنهم «رفعوا أيديهم ضد إسرائيل». أما وزير شؤون الشتات عميخاي شيكلي، فزعم أن نيويورك «سلّمت مفاتيحها لمؤيد لحماس»، محذراً من أن المدينة قد تسلك طريق لندن «التي سقطت، على حد تعبيره، في فخ الإسلام السياسي».

واتهم شيكلي الجامعات الأمريكية، مثل نيويورك وكولومبيا، بأنها بؤر لنشاط مؤيدي حماس، مشيراً إلى أن فوز ممداني نتيجة مباشرة لهذه الأجواء.

 

مخاوف من «هجرة عكسية» لليهود نحو إسرائيل

 

في مقال بموقع «ويللا»، كتب الصحافي تسفيكا كلاين أن انتخاب ممداني قد يؤدي إلى موجة هجرة يهودية من نيويورك إلى إسرائيل، إذ سيشعر الكثيرون بأن البيئة أصبحت معادية لهم.

ورأى كلاين أن فوز ممداني ليس مجرد انتصار انتخابي بل «تحول اجتماعي خطير»، متوقعاً انتقال بعض اليهود إلى ولايات أمريكية أخرى أو حتى إلى إسرائيل نفسها.

وأشار كلاين إلى أن دعم شخصيات مثل بيرني ساندرز وناشطين تقدميين لممداني زاد من القلق، لأنه بات يمثل تياراً متنامياً داخل الحزب الديمقراطي يدعو لمقاطعة إسرائيل وفرض عقوبات عليها.

 

ممداني والاتهامات القديمة

يرى خصوم ممداني أنه يسعى لتقويض الصهيونية، بينما يعتبر أنصاره أن مواقفه تستند إلى مبادئ العدالة والمساواة.

فهو يرفض ما يسميه «النظام الهرمي الديني في إسرائيل»، ويتهم جيشها بتدريب شرطة نيويورك على أساليب القمع، قائلاً: «عندما يُداس على رقبتك، تذكّر أن من فعل ذلك تلقّى تدريبه في الجيش الإسرائيلي».

ويدعو ممداني، كذلك، إلى وقف دعم المستوطنات ومنع الجمعيات الأمريكية من تمويلها، ويؤكد أن «وقف إطلاق النار في غزة لا يمكن أن يتحقق دون إنهاء الاحتلال والحصار».

 

أصوات إسرائيلية تطالب بالهدوء

 

رغم موجة الغضب، برزت في إسرائيل أصوات تدعو للتعامل بعقلانية مع فوز ممداني.

مراسل القناة 12 تومار ألماغور ذكّر بأن العمدة الجديد بدأ مساره السياسي بدعم منظمة «العدالة لفلسطين»، وأنه معروف بمواقفه المؤيدة لحركة المقاطعة، لكنّه، في الوقت ذاته، أعلن استعداده لخدمة جميع سكان المدينة بمن فيهم اليهود.

أما الصحفية ليرون روديك من القناة 13، فاتهمت الإعلام الإسرائيلي بتضخيم المخاوف، معتبرة أن ممداني ليس «عدواً لإسرائيل»، بل سياسي تقدمي يسعى للإصلاح. وقالت روديك إن تل أبيب «تتعامل مع الحدث كما لو كان رئيساً لأمريكا، لا عمدة لمدينة».

 

 

مؤطر

++

 

ممداني..  بداية مرحلة جديدة في العلاقة الأمريكية الإسرائيلية

أظهر استطلاع أجرته شبكة CNN أن نحو 38 بالمائة من سكان نيويورك اعتبروا موقف المرشح من إسرائيل عاملاً مؤثراً في تصويتهم. لكن المفارقة أن كثيرين صوّتوا له رغم علمهم بمواقفه، ما يعكس اتجاهاً جديداً في الوعي الأمريكي تجاه الصراع في الشرق الأوسط.

وبحسب مراسل « إسرائيل اليوم» في واشنطن، دودو كوغان، فإن ممداني يدرس بالفعل خطوات عملية لتقليص علاقات المدينة مع إسرائيل، تشمل سحب الاستثمارات وإلغاء الشراكات الأكاديمية، وتعديل الإعفاءات الضريبية التي تدعم المستوطنات في الضفة الغربية.

فوز زهران ممداني لا يقتصر على كونه حدثاً انتخابياً محلياً، بل يشكّل نقطة تحوّل رمزية في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب.

إذ لم يعد الدعم لإسرائيل في الولايات المتحدة إجماعاً مطلقاً، بل قضية مثيرة للنقاش والانقسام، بينما يجسد العمدة الجديد اتجاهاً صاعداً نحو مساءلة إسرائيل ومحاسبتها على ممارساتها في غزة والضفة.

ويبدو أن انتخابه، بكل ما أثاره من قلق في إسرائيل، سيكون بداية مرحلة جديدة في الوعي الأمريكي تجاه الشرق الأوسط ومرحلة لا يمكن لتل أبيب تجاهلها بعد اليوم.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى