شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

فيلم ثقافي

تعتبر السينما المصرية من رواد الجرأة الدرامية في طرح ومعالجة مواضيع حساسة كالجنس والسياسة والدين. هذا الثالوث المقدس الذي طالما لوح بمقص الرقيب في وجه صناع الرأي الحر، إذ لا يبرع المصريون في التحايل عليه فحسب، بل في السخرية الشديدة منه. كان «فيلم ثقافي»، إنتاج سنة 2000، محاولة ساخرة لفضح الفساد السياسي، والحديث بشكل رمزي عن معضلة الكبت الجنسي الذي يعاني منه الشباب المصري، في ظل الأوضاع الاقتصادية المزرية والسلطة الدينية المتغولة. قدم الفيلم مغامرة طريفة لمجموعة من الشبان وهم يحاولون، دون جدوى، إيجاد مكان مناسب لمشاهدة شريط إباحي، لينتهي بهم الأمر إلى اكتشاف أن الشريط الذي بحوزتهم ما هو إلا تسجيل لإحدى جلسات مجلس الشعب، في إشارة رمزية قوية إلى أن أسوأ أنواع الإباحية ليست فقط «المسخ» المتعارف عليه، بل إن الإباحية الحقيقية هي ما يمارسه السياسي في حق المواطن بعد كل حملة انتخابية.

تتوفر السينما المغربية على العديد من الأفلام «الثقافية» أيضا، غير أن المقصود من الثقافة، في الحالة المغربية، ليس نوعا دراميا ساخرا، وإنما المقصود هو «الثقاف» بمفهومه الشعبي الماورائي، حيث إن الإنتاج السينمائي في بلادنا يعاني عجزا إبداعيا محرجا. عجز جعل من الدراما المغربية فرصة مهدرة لمعالجة القضايا الراهنة للأمة. شاهدنا، في العقود الأخيرة، موجة قوية من الأفلام التجارية الرخيصة، التي تتطرق إلى مواضيع مستهلكة، كالزواج، والطلاق والخيانة الزوجية، أو تطرح مواضيع جادة نوعا ما، لكن بمعالجة كاريكاتورية أو طوباوية مبتذلة. ونحن نعيش اليوم أجواء ونتائج الهزائم الناصرية على مستوى السياسات الإقليمية، لا بد من التذكير بأن للسينما التجارية المغربية أبا روحيا «ناصري» الهوى، ساهم في إنشاء مدرسة فنية طموحة برؤية متواضعة و«بلاجيا» مخجلة. حاول الفنان المغربي سعيد الناصري، منذ تسعينيات القرن الماضي، إرساء قواعد درامية بنفس عصري لطيف، عبر إخراج الدراما المغربية من حيز التقليدانية والتحفظ إلى فضاء كوميديا «السيتكوم» الأمريكي وصناعة الأفلام الشبابية خفيفة الظل. كانت المدرسة الناصرية محاولة متميزة لضخ دماء درامية جديدة في السينما والتلفزيون، غير أن هذه التجربة وقعت في فخ السرقات الفنية الموصوفة، والتكرار المبتذل والمعالجة الطوباوية الساذجة للقضايا الاجتماعية. لماذا فشلت كوميديا سعيد الناصري في ما نجحت فيه كوميديا عادل إمام مثلا؟ صحيح أنه لا تجوز المقارنة مع وجود الفارق، غير أن هاجس الفشل السينمائي المغربي ليس جلدا للذات أو احتقارا للمجهودات المبذولة، بل هو هاجس مشروع يحفزنا على المطالبة بسينما تليق بتاريخ وحاضر المغرب وتسلط الضوء على قضاياه الحيوية. «عطى الله المواضيع لي تخرج لنا أفلام واعرة، بعيدا عن زوج طلق، ومبروك المدام حاملة». يجوز لنا القول إن مدرسة سعيد الناصري فتحت علينا أبواب الجحيم، حيث تناسلت مجموعة من التجارب السينمائية «المحلسة المطلسة» التي تصيب الدماغ البشري بنزيف حاد أثناء التعرض لبعض مقاطعها الإشعاعية الخطيرة. غير أن السؤال المحير يكمن في سر الإقبال الجماهيري الكبير على مثل هذه الأعمال «الإيموراجية» المبتذلة التي تشكل تهديدا على الصحة العامة للذوق الفني. من المتعارف عليه أن المغاربة هم شعب النكتة بامتياز. فنحن أهل الحلقة المراكشية و«التقيتقات» وخفة الروح. من المنطقي، إذن، أن يكون إضحاكنا مهمة صعبة ومركبة. فما الذي تغير عند المغاربة، حتى باتوا يقهقهون فجأة على نكت «عبيطة» في مهرجانات الضحك «الحامض»؟ هل اختلت موازين الذوق العام لدى الجمهور المغربي؟ أم أن الفراغ الإبداعي الحقيقي يجعل الجمهور متعطشا لـ«لي كتب الله»؟ أو ربما هي قساوة الواقع المعيش التي أصبحت تدفع المتفرج إلى البحث عن الترفيه المجاني، والاستمتاع بلحظات فكاهة قصيرة يختطفها من عمر أزمنة الغلاء والوباء؟ إن النجاح الجماهيري للأعمال التجارية ليس بالأمر الاعتباطي كما قد يعتقد البعض، بل هو أداة لجس نبض الوعي العام في المقام الأول، من خلال إطلاق بالونات اختبار ثقافية، تتحرى مستويات النضج الجماعي وتراقب حقيقة التوجهات الفكرية والمواقف السياسية، وتقييم المبادئ الدينية للعقل الجمعي، ليحل الذكاء التسويقي للمنتجين وحسن اختيارهم لمواضيع «تراند»، في المقام الثاني، أحد الأسباب الرئيسية في نجاح سوق السينما التجارية. إن الحاجة إلى السخرية كنوع درامي ليست ترفا أو تفاهة، حيث تكمن المهمة الأساسية للفعل الساخر في تحطيم الطابوهات المختلفة، والعمل على التخفيف من وقع المأساة، بل إن الأوضاع الراهنة هي أكثر وقت مناسب «للتكرشيخ بالضحك»، حيث إن السخرية من الحروب المجانية والصراعات السياسية البهلوانية تجعلنا نزيح أقنعة الرعب والترهيب والسوداوية عن العديد من المواقف والأشخاص، لنتمكن من رؤية الحقيقة الساخرة كما هي. عبث في عبث.

ختاما، لن نتحدث عن الكوميديا المغربية دون الإشارة إلى المدرسة «الكبورية الفذة» الرائدة في عالم السخرية الكحلة. تظل «السميريزم» مدرسة متألقة في سماء «التقشاب» الذكي والهادف، رغم السقوط أخيرا في فخ النمطية والتكرار. يستحق المشاهد المغربي دراما تليق بعبثية واقعه المعيش. إذ نقترح على السيناريست والمخرجين توجيه أقلامهم وكاميراتهم صوب الحملات الانتخابية، مثلا، كمادة فنية ساخرة «كتقتل بالضحك».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى