حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

في بلاد تسبقها عقاربها!

 

مقالات ذات صلة

 

نعيمة لحروري

[email protected]

 

في المغرب، لم تعد الساعة وسيلة نضبط بها يومنا، بل مخلوقا غريبا يعيش بيننا.. يوقظنا قبل أن تشرق الشمس، ويضحك حين نبحث عن الضوء في وجوه بعضنا. كلما ظننا أننا تأقلمنا، تمد عقاربها قليلا إلى الأمام، كأنها تقول: «هاكم تعبا إضافيا على الحساب!».

نستيقظ اليوم على ظلام الفجر، وكأننا نساق إلى حياة لا تشبهنا. التلاميذ الصغار يجرّون محافظهم في البرد، أمهاتهم يودعنهم بقلوب معلقة بين الخوف والعادة، والموظفون يهرولون في شوارع نصف نائمة نحو أعمال تبدأ قبل أن تبدأ الحياة.

إنها ليست قصة كسل أو انضباط، بل قصة بلد فقد التوازن بين الساعة والإنسان.

حين فرضت الحكومة التوقيت الصيفي الدائم، قيل لنا إن القرار عقلاني، اقتصادي، حديث… لكن لا أحد أخبرنا أن العيون الصغيرة ستبكي من البرد قبل الشروق، وأن المقاهي ستفتح أبوابها على وجوه متعبة تبحث عن قهوة تعيدها إلى زمنها الطبيعي.

في نشرات الأخبار، يتحدثون عن «التوفير في الطاقة»، وعن «الاندماج مع الشركاء الأوروبيين». جميل، لكن المواطن العادي ليس شريكا في الاتحاد الأوروبي، بل شريك في طوابير الحافلات التي تزداد طولا كل صباح.

الساعة الجديدة سرقت من المغاربة ذلك الدفء الصباحي الذي كان يجمعهم حول طاولة الفطور، وحولت لحظات الألفة إلى معركة ضد الوقت. صارت الأمهات يوقظن أبناءهن كما توقظ الممرضات مرضاهن في قسم الطوارئ، والآباء يسوقون سياراتهم بنصف وعي ونصف غضب.

تلك الساعة، التي قالوا إنها ستنظم حياتنا، أربكت إيقاعها. فالإنسان الذي يفقد الإحساس بالضوء، يفقد تدريجيا الإحساس بالوقت، بالراحة، وحتى بالمعنى. أصبحنا نحيا بنظام إداري لا يرى الشمس، يتحدث بلغة الجداول والبلاغات، وينسى أن الزمن في النهاية إحساس، وليس معادلة.

الجميل أن كل عام يعاد نفس الجدل، ونفس السؤال: «واش ما زال الساعة زايدة؟»، كأننا نعيش في حلقة زمنية مغلقة، نضحك فيها على أنفسنا، ونحن نحاول ضبط ساعاتنا اليدوية كما نضبط أعصابنا.

الساعة ليست هي العدو الحقيقي. العدو هو القرار الذي لا يرى في المواطن إلا رقما في جدول. هو من يتخذ قرارا يمس ملايين الناس، دون أن يتعب نفسه بسؤال بسيط: كيف سيشعر هؤلاء؟

في النهاية، لسنا ضد التقدم ولا ضد الانضباط، لكننا ضد العبث بالزمن الإنساني. فالتوقيت، كما قال أحد الفلاسفة، ليس ما تخبرك به الساعة، بل ما تشعر به حين تنظر إلى السماء.

في بلدي، السماء جميلة، لكنها بعيدة. والشمس لا تتأخر، نحن فقط من نعيش في توقيت آخر، مفروض من فوق، لا يرحم من تحته.

ربما يأتي يوم تعاد فيه الأمور إلى نصابها، وتعود الساعة إلى مكانها الطبيعي: على الحائط، لا على صدور الناس كحكم إداري. حينها، سيعود المغاربة ليستيقظوا على نور حقيقي، لا على ضوء مصطنع اسمه «التوقيت الصيفي».

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى