
يسرا طارق
انتبه رواد وسائل التواصل الاجتماعي لحيوان يسمى غرير العسل، يوجد في أسفل تراتبية الغابة، وصار ترندا، ترى صوره هنا وهناك وتقرأ تعليقات جادة أو ساخرة حول صفاته. لقد اكتشف الجمهور حيوانا صغيرا لكن بقدرات عملاقة، لا يهاب أحدا، ويهاجم كل ما يعترض طريقه، ويخوض معارك يربحها في النهاية بصبره وقدرته على الانبعاث، حيوان لا تنال منه لا أنياب الأسود، ولا القوائم المدمرة للفيلة، ولا قرن الخرتيت، ولا سم الأفاعي ولا قدرتها على اعتصار من تلتوي عليه. إنه كائن إسفنجي بسبع أرواح، يموت ثم يبعث ليواصل القتال. حين يخرج غرير العسل لتدبر قوته يكون مستعدا لكل شيء. إنه لا يعرف ما الخوف، وما القوة وما الكثرة التي تغلب الشجاعة، لا يوقر قانون الغابة، ومن وضعهم صراع البقاء على رأس تراتبيته، كالأسود والنمور والفيلة. يبدو غرير العسل، في مواجهاته التي لا تنتهي، كأنه جاء من كوكب آخر لا يعترف بأعراف الأرض، ولا قوانين الطبيعة ولا ما يمليه العقل، إنه هنا ليذكرنا بأن كل شيء ممكن، وأن الصلابة والاستماتة هما من تصنعان المستحيل. يؤمن غرير العسل بقدراته حتى السفه، ويكون دوما مستعدا لتلقي الضربة أو السم، والموت لدقائق حتى يرمم الجسم قواه، وتفعل المناعة فعلها، ثم يقوم ليستأنف القتال كأن شيئا لم يقع. تربك هذه القدرة خصومه وتبلبل عقولهم فيضطرون للابتعاد عنه. يرى غرير العسل أن له نصيبا في كل ما يوجد في الغابة، إنه اشتراكي بطبعه، يريد نصيبا من صيد الأسود، ويريد أن يشرب وسط الفيلة ويريد أن يشارك النمور طرائدها، كل ما يراه له حق فيه وسيأخذه إما طوعا أو كرها. جسد غرير العسل ضئيل جدا، يكاد يلتصق بالأرض، وسحنته بريئة، لكن، وخلف تلك الضآلة والبراءة، يوجد قلب جبار لا يعرف الضعف والتراجع والهزيمة..
لقد أحب الناس غرير العسل لأنه يخاطب شيئا ما في دواخلهم، أو لأنهم يتمنون، في قرارة أنفسهم، أن تكون لهم تلك القدرات العجيبة التي يمتلكها، فيواجهون الحياة مثلما يواجهها هو، يموت ثم ينبعث، يسقط ثم ينهض، يتراجع ثم يتقدم، ويخرج فائزا من كل المحن التي يواجهها مضطرا أو باختياره. كيف لمن تنهش أجرته واجبات الكراء والماء والكهرباء وتكاليف تمدرس الأطفال وحاجيات البيت، أن لا يرى نفسه في غرير العسل وهو بين كلاب برية تتناوب على نهش جسده حتى تتعب، وتتخلى عنه، ألا يرى نفسه فيه!؟ كيف لمن يخرج في الصباح الباكر نحو عمله، فيكون عليه أن يعبر محن المواصلات والاكتظاظ والضوضاء والعنف المادي والرمزي، ألا يرى نفسه في غرير العسل وهو يسير في الغابة مواجها الأقوياء وتجبرهم، وغريزة البقاء التي تجعل كل من في الغابة خائفا متحفزا ومستثارا!؟ كيف لمن يتلقى الضربات والضربات في مجتمع صار لا يرحم، أن لا يتمنى أن تكون له تلك القدرة على النجاة في كل مرة من الاختبارات الأليمة والمحن، مثل قدرات غرير العسل!؟ كيف لمن هو خائف متوجس من رئيسه في العمل، ومن نكبات الحياة وتقلباتها، ألا يتمنى أن تكون له قدرة غرير العسل على مواجهة خوفه وتسفيهه، والتعامل مع الحياة كلعبة يفوز بها دوما من لم يعرها اهتماما كبيرا!؟ غرير العسل صورة ما نحن عليه وما نتمنى أن نكونه.





