الافتتاحية

قرار في محله

لا يمكن لأي عاقل سوى أن يتفاعل بالإيجاب مع بلاغ الديوان الملكي الذي صدر طبقا لأحكام الفصل 47 من الدستور، بإعفاء وزيرة الصحة نبيلة الرميلي باقتراح من رئيس الحكومة، بعد ملتمس تقدمت به قصد التفرغ الكامل لمهامها كرئيسة لمجلس مدينة الدار البيضاء.
حتى القراءة المغرضة للقرار التي لا تؤمن سوى بمبدأ «مالك مزغب»، تبين أننا أمام رسالة إيجابية مهما كانت السياقات التي تحكمت فيها، فأن يقرر وضع حد في بداية الولاية الحكومية لوضعية تدبيرية قانونية في جوهرها، لكنها صعبة من الناحية التدبيرية فهذا قرار يستحق الاحترام من صاحبة الملتمس والسلطة المخول لها رفع الملتمس وجلالة الملك الذي وافق على الرغبة الدستورية لأحد وزرائه.
فلا يخفى على أحد أن الجمع بين صفة وزير ورئيس جماعة لا يطرح أي عيب قانوني مادام أن القانون التنظيمي لأشغال الحكومة الذي وضعته حكومة عبد الإله بنكيران يسمح بذلك، لكن مع ذلك فإن الجمع بين تدبير شؤون مدينة ميتروبولية مثل الدار البيضاء وقطاع اجتماعي برهانات ملكية استراتيجية مثل قطاع الصحة والحماية الاجتماعية ليس نزهة في حديقة، بل مسؤولية جسيمة تتطلب من المسؤول بذل الجهد والوقت الكافيين لتسييرهما بما يكفي من الجدية وبما يحقق أكبر قدر من الإنجاز.
ولذلك فقد كان رئيس الحكومة عزيز أخنوش محقا في رفع الملتمس بسرعة لجلالة الملك قبل فوات الأوان، وقبل أن تقع الفأس في الرأس، وهذه من مسؤولية رئيس الحكومة الذي يفرض عليه واجبه الدستوري والسياسي التدخل في أي لحظة لإعادة الأمور إلى نصابها مهما كانت التأويلات الانتقائية والقراءات المغرضة.
فليس عيبا أو فشلا تدبيريا أن يتم تدارك قرار قد تكون له تداعيات سلبية على إنجاز الحكومة، لكن العيب هو أن تستمر وضعية قانونية لكنها من ناحية التقدير السياسي والتدبيري كان يمكن معالجتها بصيغة أخرى.
وللأسف فإن الذين ينتقدون اليوم جرأة العمدة الرميلي في التفرغ للملفات الموضوعة على طاولة المجلس الجماعي لمدينة الدار البيضاء، وهي ملفات كبرى وأولوية تسترعي التفرغ لها بشكل كامل، والإشراف عليها بشكل متواصل، هم من كانوا بالأمس يوافقون على جمع البرلمانيين لمهامهم مع عمودية مدن كبرى، وكانوا يغضون الطرف عن تولي وزراء لرئاسة المدن كما كان يفعل عزيز رباح.
وباختصار شديد فإن القرار الدستوري جاء في محلّه، لكن يجب أن يكون بداية لعمل طويل من طرف حكومة عزيز أخنوش، يستهدف إعادة النظر في منظومة قانونية لم يعُد لها مكان في التدبير الترابي المستقبلي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى