شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف التاريخ

قصة جنود مغاربة أباد بهم فرانكو معارضيه

ريفيون خاضوا معارك ضارية أثناء الحرب الأهلية الإسبانية

الفيلق المغربي. فريق الموت المغربي. الكتيبة المغربية، أو كتيبة المغاربة… كلها ألقاب نالها أزيد من 150 ألف مقاتل مغربي جاؤوا من قبائل منطقة الريف، بعد أن استقطبهم عسكريون إسبان سبق لهم أن قاتلوا في المغرب خلال حرب الريف، وأخذوهم إلى إسبانيا لكي يواجهوا معارضي فرانكو وينكلوا بهم ويلحقوا بهم هزائم كبرى خلال الحرب الأهلية الإسبانية ما بين سنتي 1936 و1937.

عندما كان الجنرال فرانكو يؤدي الخدمة العسكرية في شمال المغرب خلال بداية عشرينيات القرن الماضي، انتبه إلى صلابة المقاتلين المغاربة واستماتتهم. وفي أقل من عشر سنوات، لجأ إلى خدمات هؤلاء المقاتلين المغاربة، لكي يُبيد معارضيه الذين وقفوا أمام حلمه في أن يصبح ديكتاتور إسبانيا الأول. من هم إذن هؤلاء المقاتلون المغاربة؟

يونس جنوحي

++++++++++++++++

 

هنا بدأت قصة «الماروكي» الذين أرهب بهم فرانكو الإسبان

منذ بداية حياته العسكرية، والجنرال فرانكو مؤمن أن صلابة مغاربة منطقة الريف، قد تخدم أهدافه العسكرية والسياسية في إسبانيا.

في سنة 1936، قاد فرانكو انقلابا في إسبانيا للإطاحة بالنظام الجمهوري، وهو ما أدى إلى الحرب الأهلية.

هذه الحرب الأهلية، الممتدة من فاتح يوليوز 1936 إلى فاتح أبريل 1939، هي التي استعان فيها فرانكو بالجنود المغاربة.

هؤلاء المغاربة، حسب عدد من الروايات التاريخية، وُظفوا دون وعي منهم، في حرب للدفاع عن المسيحية ضد المد اليساري الذي اجتاح إسبانيا.

واستعملهم فرانكو، الذي رأى بأم عينيه صلابة المقاتلين المغاربة في منطقة الريف خلال عشرينيات القرن الماضي، لتقوية حظوظه لكي يحكم البلاد.

إذ كان فرانكو في سنة 1926 من ضمن الضباط الكبار الذين اشتغلوا في منطقة الريف للسيطرة على التمرد ضد إسبانيا. وفعلا نجح ميدانيا في تقوية حظوظ جيش إسبانيا، وحصل على ترقية مهمة في مساره العسكري لاحقا، إذ أصبح «جنرالا» ولم يكن عمره وقتها يتجاوز 33 سنة فقط.

في سنة 1934، كلف الجنرال فرانكو بأول عملية له في إسبانيا، لمواجهة تمرد عمالي على السلطة، وقاد واحدة من أكثر العمليات دموية، جعلت الإسبان يتعرفون على الوجه الآخر لـ«الديكتاتور».

لكنه في سنة 1936، سوف يقوي حظوظه أكثر، ليقود الانقلاب بتواطؤ مع عسكريين آخرين.

وفعلا تأتى له هذا الأمر وأصبح الحاكم الفعلي لإسبانيا في فترة قصيرة، واستعان بجنود مغاربة جاء بهم خصيصا لكي يحاربوا معه في إسبانيا، وجيشهم ضد الرافضين للانقلاب.

المثير أن حاجة فرانكو إلى المغاربة، لم تكن سرا خفيا على معارضي فرانكو ولا داعميه أيضا. إلى درجة أن الذين ذاقوا الويلات في عهد فرانكو وفروا إلى بعض دول أوروبا أخرى، أو إلى أمريكا اللاتينية، كانوا يُدركون أنهم لو سقطوا بين أيدي أعضاء فرقة الموت المغربية، لكان مصيرهم الإعدام بدون رحمة.

ورغم أن عددا من الأبحاث التاريخية التي قادها باحثون إسبان، حاولت التنقيب عن مساعي فتح باب التواصل بين معارضة فرانكو وهؤلاء الجنود المغاربة لثنيهم عن مناصرة فرانكو، سيما خلال أربعينيات القرن الماضي في عز الحرب العالمية الثانية، إلا أنه لم يتم التوصل إلى أي معلومات تاريخية مؤكدة ومدعومة بالوثائق في هذا الباب.

لتبقى فرضيات محاولة نسخ تجربة مقاتلي الفيتنام المغاربة مع سكانها المحليين الذين كانوا في حربهم ضد فرنسا، وأقنعوا فعلا المغاربة بعدم القتال في تلك الحرب واردة، لكنها تفتقر اليوم إلى أي وثائق تؤكد هذا المسعى.

تعددت الأسماء التي أطلقها الإسبان في تاريخهم على المقاتلين المغاربة، هناك من أطلق عليهم «فرقة الموت»، وآخرون أطلقوا عليهم الكتيبة المغربية، أو كتيبة المغاربة. ويحتفظ الإسبان اليوم في ذاكرتهم الجماعية، بذكريات غير سارّة عن الفيلق المغربي الذي جاء به فرانكو إلى إسبانيا، لتقوية حظوظه في قيادة انقلابه وإرساء دعائم سلطته.

كيف تشكل إذن هذا الفريق الذي نشر الموت في إسبانيا وهزم معارضي فرانكو؟ إلى درجة أن المؤرخين الإسبان أجمعوا على أن فرانكو ما كان ليصير ديكتاتور إسبانيا التاريخي، لولا تعاون الجنود المغاربة معه لقيادة العمليات الميدانية التي أبادت معارضي نظامه عن آخرهم.

 

أجدادنا الذين حاربوا مع جيوش أجنبية هربا من «الجوع»

في سنة 1921، ضربت مجاعة شديدة منطقة الريف المغربي، واضطر المئات من أبناء قرى الريف إلى تلبية نداء الجيش الإسباني، طمعا في الحصول على لقمة مضمونة، وانضموا إلى وحدات الجيش الإسباني لإنجاز أشغال الطرق ونقل معدات الجيش الإسباني، ووضعوا درايتهم بتضاريس المنطقة رهن إشارة الجنرالات الإسبان.

لكنهم، بمجرد ما بشّرت السماء بموسم فلاحي واعد، حتى سجلوا هروبا جماعيا من صفوف الجيش الإسباني وعادوا إلى قراهم لحرث الأرض.

والحالات نفسها سُجلت في قرى مغربية أخرى انضم فيها المغاربة إلى وحدات الجيش الفرنسي في التاريخ ذاته -أي في سنة 1921- وفرّ أغلبهم، ورفضوا العودة إلى التجنيد.

إذ في سنة 1914، انضم مقاتلو منطقة الأطلس إلى جيش فرنسا ورفعوا بنادقهم في وجوه القبائل الأخرى لتصفية العداوات التاريخية بين القبائل. رغم موجة الرفض الكبيرة للوجود الأجنبي في المغرب، إلا أن بعض القبائل في مناطق مختلفة في المغرب أعلنت دعمها للجيشين الفرنسي والإسباني في حربهما ضد بعض القبائل.

كان فرانكو قد استفاد من هذا الأمر في منطقة الريف، واستغل صلابة مقاتلين ريفيين لإخضاع قبائل رافضة لإسبانيا، واستغل عداوات تاريخية بين هذه القبائل، بسبب الصراع حول مناطق الرعي وموارد المياه وأحيانا توزيع الأراضي، واستغل العداوات التاريخية لصالح جيش إسبانيا في حربه على القبائل المُمانعة.

لكن سرعان ما فر هؤلاء المقاتلون المغاربة من وحدات الجيش الإسباني فور حصولهم على التعويضات المالية التي وعد بها جيش إسبانيا، وصعدوا إلى الجبال وأعلنوا الحرب ضد إسبانيا.

لكن فرانكو كان أذكى من أن يستغني عن خدمات هؤلاء الجنود المغاربة، رغم انسحابهم.

وهكذا فكر في استغلالهم في إسبانيا وليس في المغرب، لفرض سيطرته على البلاد وقتال خصومه اليساريين.

وهو فعلا ما تأتى له، بالاستعانة ببعض المغاربة ممن اشتغلوا معه في حرب منتصف عشرينيات القرن الماضي.

إذ في سنة 1937، استعان فرانكو ببعض زملائه في الجيش، وأحيا معهم ذكرياته في حرب الريف المغربي، وخطط لاستقطاب بعض الجنود الإسبان الذين قادوا العمليات هناك، لكي يدلوه على قادة بعض مناطق الريف، ويبحث معهم مسألة تشكيل قوة عسكرية مكونة أساسا من المغاربة، وهو ما تأتى له في يوم 11 نونبر 1937.

كان المخطط أن ينضم هؤلاء المغاربة الذين سوف يشكلون ما عرف وقتها بـ«فريق الموت»، إلى ما سُمي وقتها «جيش إسبانيا الإفريقي»، والذي كان مكونا من مقاتلين من بعض الدول الإفريقية. لكن المقاتلين المغاربة كانوا الأشهر في تاريخ إسبانيا، خلال الحرب الأهلية. وقد استطاع هؤلاء الجنود المغاربة الذين تدربوا على الحروب خلال فترة حرب الريف في عشرينيات القرن الماضي، أن يبصموا في تاريخ إسبانيا خلال الحرب الأهلية، واستمر تأثير هؤلاء المقاتلين المغاربة إلى حدود الحرب العالمية الثانية.

إلى درجة أن مؤرخين إسبان اعتبروا أن فرانكو مدين بجزء من سلطته لهؤلاء المقاتلين المغاربة، الذين أعانوه على تطويع يسار إسبانيا وإبادة معارضيه.

 

+++++++++++++++

الحرب الأهلية.. أيام الإسبانيين السوداء

أسوأ أيام الإسبان وأكثرها دموية، تلك التي عرفت بالحرب الأهلية الإسبانية. تاريخيا، بدأت هذه الحرب في صيف 1936 واستمرت ثلاث سنوات.

بعض معارك هذه الحرب دارت في المغرب، بسبب استعمار إسبانيا لمنطقة الشمال المغربية.

إذ إن مدن طنجة، والناظور والحسيمة، كانت تأوي جالية مهمة من الإسبان.

وكما أن هؤلاء الإسبان كانوا مصابين بحمى كرة القدم وسعار تشجيع الفرق الإسبانية، فإنهم أيضا أصيبوا بحمى السياسة. ورغم أن الإسبان الذين سكنوا المغرب كانوا قد رحلوا عن إسبانيا، إلا أنهم كانوا معنيين بالحرب الأهلية وانقلاب فرانكو ورفاقه في الجيش لمواجهة اليسار.

وهكذا فإن بعض الاغتيالات جرت في المغرب واستهدفت معارضين لفرانكو ومثقفين إسبان اختاروا الاستقرار في المغرب، قبل انقلاب فرانكو بسنوات.

وبمجرد ما انتقلت الأحداث إلى شمال المغرب، حتى صارت المنطقة معنية أيضا بالحرب الأهلية.

كان الأمريكيون أيضا يراقبون هذه الحرب بكثير من القلق، خصوصا وأن وجود الأمريكيين كان مركزا في طنجة باعتبارها منطقة دولية، وكانوا يراقبون منها ما يحدث في إسبانيا. إلى درجة أن فرانكو اتهم واشنطن صراحة بدعم معارضيه وتوفير الرعاية لهم، عند هروبهم من نظامه، وضمنت لهم الاستقرار في المغرب، ومنه رحلت بعضهم إلى أمريكا.

أخبار إبادات الحرب الأهلية كانت تصل من مدريد إلى المغرب، وكان وقتها الحديث عن المقاتلين المغاربة الذين ذهبوا مع فرانكو وقاتلوا من أجله في إسبانيا، طاغيا على نقاش الأحداث، خصوصا وأن بعض المجندين المغاربة الذين كانوا ينزلون في ميناء طنجة، كانوا يتحدثون عن الأهوال التي رأوها والأجور المرتفعة التي كان يصرفها لهم نظام فرانكو مقابل مشاركتهم في العمليات العسكرية لفرض السيطرة الأمنية على البلاد، وملاحقة معارضي نظام فرانكو وطردهم إلى حدود إسبانيا مع بقية الدول الأوروبية.

من بين الأمريكيين الذين وثقوا لهذه الفترة، المواطنة الأمريكية «إلين غريفيث»، التي كانت تعمل لصالح وكالة الاستخبارات المركزية، في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي من مدريد، حيث قدمت إلى إسبانيا على أساس أنها صحافية، لكنها في الحقيقة كان عميلة لصالح المخابرات الأمريكية، وكانت تنقل تحركات المعارضين الإسبان اليساريين خلال الحرب الأهلية، واستطاعت لاحقا الاستقرار في إسبانيا إلى أن تزوجت رئيس وزراء البلاد، المقرب جدا من فرانكو، وتمكنت من أن تصبح صديقة لابنة فرانكو، ونقلت للأمريكيين ما كان يقع خلال الحرب الأهلية الإسبانية، وكانت من أوائل العملاء الميدانيين الذين نقلوا إلى واشنطن تفاصيل مشاركة المغاربة في حرب فرانكو ضد معارضيه.

أصبح هؤلاء المغاربة نجوم الأحداث في إسبانيا، سيما وأنهم أبانوا عن شراسة كبيرة في القتال. بينما كانت معارضة فرانكو ترى فيهم مجموعة من المتعصبين الأشداء الذين جيشهم فرانكو، وأقنعهم بأنهم يحاربون «الملاحدة»، لحماية المغرب من وصولهم إلى السلطة.

كان فرانكو قد حاول استغلال دفاع هؤلاء المغاربة عن دينهم، وأقنع رجاله، خصوصا العميد «خوان ياغوري»، الذين كلفهم منذ البداية بالبحث عن رجال قبائل الريف المستعدين للقتال، بأن الحرب التي سوف يخوضونها معه، تبقى حربا مقدسة للدفاع عن الدين من خطر من أسماهم أنصاره وقتها «الملحدين» الذين قد يصل خطرهم إلى المغرب.

كان هذا الأمر سر حماس المقاتلين المغاربة، أثناء الحرب الأهلية. فقد كان أغلبهم أميين، وحاربوا باستماتة كبيرة دفاعا عن فرانكو، ظنا منهم أنهم يدافعون عن الإسلام!

 

 

المغاربة اتُهموا بإعدام 4000 جمهوري إسباني

نفذ إذن فرانكو مخططه، وحصل على آلاف المقاتلين المغاربة المتحمسين للدفاع عن الدين في مواجهة رعاة «الإلحاد».

هؤلاء المغاربة لم يكلفوا فرانكو الكثير، فقد كانت أجورهم هي الأدنى مقارنة مع أجور مشاة الفيالق الأخرى المكونة من الإسبان.

كما أن هؤلاء المقاتلين المغاربة كانوا يحصلون على حصص أقل من الطعام ويتنقلون في ظروف بدائية، في تراب إسبانيا.

ورغم هذا كله فقد كُلفوا بأهم العمليات وأكثرها دموية.

المعطيات التاريخية تؤكد أن أفراد فيلق «جيش إسبانيا الإفريقي» كان حاضرا بقوة، أثناء انقلاب يوليوز 1936، وكانت وقتها فكرة ضم المغاربة إلى الحرب قد سيطرت على تفكير الجنرال فرانكو.

بدأ الفيلق المكون من المغاربة الأوائل الذين شكلوا أول فوج من المشاة المغاربة، بالتحرك في اتجاه مدريد لتطهيرها حرفيا من أي جمهوريين إسبان.

المشاركة الأولى لهؤلاء الجنود المغاربة لم تكن في مستوى تطلعات فرانكو، فقد فشلوا في احتلال مدريد وطرد الجمهوريين منها، فاكتفى فرانكو بإعطاء تعليمات لكي يتم حصار المدينة. وهكذا حاصر فيلق المغاربة مدريد.

وخلال هذا الحصار باشروا حملة واسعة جدا من الاعتقالات في صفوف مثقفين ويساريين إسبان، انتهت بإعدام 4000 شخص، نفذ فيهم فريق المغاربة أمر إطلاق الرصاص بدون محاكمة.

وكانت هذه «المأساة» أول عملية ينفذها المشاركون المغاربة، ولم يترددوا فعلا في تنفيذ تعليمات فرانكو إلى رؤسائهم الإسبان. وهو ما جعل أنصار معارضي فرانكو، يُدركون أن استقدام مقاتلين مغاربة لم يكن الهدف منه تعزيز صفوف المقاتلين الإسبان فحسب، بل لتنفيذ العمليات القذرة على وجه الخصوص.

بفضل هؤلاء المقاتلين المغاربة، نال الجنرال «ياغوري» الذي انتقل من رتبة عميد كلفه فرانكو باستقدام مقاتلين مغاربة، إلى رتبة جنرال، وفاز باحترام فرانكو الذي طالما اعتبره بعد تلك الواقعة ذراعه اليمنى.

استمر «ياغوري» في مهامه العسكرية، بمعية الفريق المغربي، إلى درجة أن الإسبان أطلقوا عليه لقب «جزار» الجيش.

ومباشرة بعد السمعة الدموية التي اكتسبها المغاربة في جيش فرانكو، كُلفوا بمهام أكثر دموية، سيما سنة 1938.

إذ استعملهم فرانكو لتطويق معارضيه الجمهوريين، وأطلق بهم حملة تفتيش وتمشيط واسعة، كان الهدف منها اعتقال سياسيين وصحافيين، وعسكريين منشقين، لكن أهم معركة شارك فيها المغاربة، في هذا السياق، هي معركة «ألفامبرا» التي كان صداها قد وصل إلى المغرب. إلى درجة أن بعض الإسبان المستقرين في المغرب دخلوا في اشتباكات مع المغاربة، بسبب اتهامات للمقاتلين المغاربة بارتكاب جرائم في إسبانيا، وتحولهم إلى سلاح في يد فرانكو لتعذيب معارضيه وسحقهم.

 

 

معركة «ألفامبرا».. عندما أشارت أصابع الاتهام إلى سكان الريف

في العام 1938، كان الإسبان على موعد مع واحدة من أكثر معارك الحرب الأهلية الإسبانية دموية. كان الجنرال فرانكو يطبق على البلاد بقبضة من حديد، ويكرس لدى الإسبان نظرية الحاكم الوحيد الذي لا يترك مكانا لمعارضيه.

خلال معركة «ألفامبرا»، كان فرانكو قد ضرب بقوة في معقل معارضيه الجمهوريين، حيث كان الفيلق المغربي حاضرا بقوة، وساهم في تصفية الآلاف وأسر آخرين.

إذ تتحدث بعض المصادر الرسمية الإسبانية عن سقوط أزيد من 7000 معارض لفرانكو في قبضة الجيش الإسباني.

وهؤلاء الأسرى الإسبان سقطوا بين أيدي المقاتلين المغاربة، بعد معارك ضارية استمرت لأيام، وسقط فيها الآلاف في صفوف الجمهوريين، قبل أن يتم إلقاء القبض على الباقين.

شكلت هذه المعركة واحدة من المحطات التي تأكد فيها للإسبان أن المقاتلين المغاربة الذين جاء بهم فرانكو، كانوا فعلا جيشا لا يُقهر، خصوصا وأن الصحافة الإسبانية قدمتهم على أنهم أبناء المناطق الريفية التي عانى معها الجيش الإسباني خلال الحرب في شمال المغرب، ولم يضعوا سلاحهم إلا بعد استسلام محمد عبد الكريم الخطابي سنة 1927، واستعمال إسبانيا للأسلحة الكيماوية لإخضاعهم.

هؤلاء المقاتلون المغاربة الذين احتفظوا بذكريات «سيئة» مع جيش إسبانيا، حولهم فرانكو بفضل دهائه واستغلال ولائهم للدين الإسلامي، إلى مقاتلين شرسين لمعارضيه، وهكذا حاربوا فوق تراب إسبانيا بدون هوادة.

بقي هؤلاء المقاتلون المغاربة على أهبة الاستعداد لأشهر طويلة، إلى أن حل شهر مارس 1938، وهو التاريخ الذي سُحقت فيه المقاومة الجمهورية الإسبانية حرفيا. وكان المغاربة في مقدمة القوة العسكرية التي نفذت الاجتياح.

وسُمي المغاربة المشاركون في الصفوف الأمامية، «مغاربة ياغوري» نسبة إلى العسكري الإسباني الذي كان يقود الهجوم، وتمكن من احتلال مجموعة من المدن. وسقطت بلدات كثيرة في يد جيش فرانكو بعد قتال عنيف استمر لأيام، كان المغاربة ينجحون دائما في حسمه لصالح جيش فرانكو.

المثير للاهتمام في تجربة الجيش المغربي أنه لم يكن يستفيد من فترة راحة خلال المعارك، وبمجرد ما أن يتم الإعلان عن الاستحواذ على مدينة أو قرية كانت سابقا معقلا للجمهوريين، حتى يتم الإعلان عن تقدم الفيلق المغربي صوب منطقة أخرى وإخضاعها بعد قتال مستمر لأيام، ليغادرها صوب منطقة أخرى فور تسلم وحدة من جيش فرانكو للمكان.

كانت الفترة ما بين 7 مارس وأواخر أبريل 1938، حافلة بالمعارك وسجل فيها الفيلق المغربي رقما قياسيا في حسم حروب مهمة لصالح فرانكو، حيث تمكن من السيطرة على مساحة واسعة شمال مدريد وجنوبها أيضا.

لكن قوات فرانكو تلقت، في شهر يوليوز من السنة نفسها، ضربة موجعة سببها تجاهل فرانكو لمعلومات استخباراتية مفادها أن المعارضين كانوا يعيدون ترتيب صفوفهم لشن هجوم مضاد، وفعلا وجهوا ضربات موجعة إلى الجيش، سيما أن الفيلق المغربي كان وقتها قد اتجه جنوبا.

في أكتوبر حاول فرانكو إعادة ترتيب صفوفه، لكن في يناير من السنة الموالية، يوم 3 يناير 1939، قطع الفيلق المغربي نهر «إيبرو» وشارك في هجوم «كتالونيا» الشهير، إلى جانب القوات الإسبانية والقوات الإفريقية في الجيش الإسباني، وتمكن الفيلق المغربي لوحده من احتلال «جيرونا»، بعد أن أنهى وجود معارضة فرانكو في برشلونة. وكانت المناشير السرية التي وزعتها معارضة فرانكو لا تخفي استياء الجمهوريين من وجود مقاتلين أجانب، يقصدون المغاربة، في صفوف قوات فرانكو، وكيف أن إسبانيا غرقت في الحرب الأهلية، بشكل لم يعد معه أي أمل في إنهاء هيمنة فرانكو على البلاد ممكنا.

 

محمد أمزيان.. ابن بني نصار الذي صار صديقا لـ«فرانكو»

بعض الروايات التاريخية الإسبانية تطلق عليه اسم «محمد بن مزيان».

يتعلق الأمر بالمارشال محمد أمزيان، العسكري المغربي الذي نال أرقى استحقاق عسكري، منحه إياه الملك الراحل الحسن الثاني.

المارشال أمزيان بدأ مساره العسكري عندما التحق بالجيش الإسباني في منطقة الريف، وعمره وقتها لم يكن يتجاوز 16 سنة، بعد أن حقق له الملك الإسباني ألفونسو الثالث عشر حلمه لكي يلتحق بالجندية وهو طفل. وتعود تفاصيل لقاء أمزيان بالملك الإسباني إلى فترة 1905 و1907، عندما كان الملك في زيارة إلى مدينة مليلية المحتلة، والتقى بأطفال مغاربة كان بينهم الطفل أمزيان. وأبان وقتها هذا الفتى الصغير عن حلمه في الالتحاق بالجيش. وفعلا التحق بوحدات الجيش الإسباني، ليكون أول مغربي يلج المؤسسة العسكرية الإسبانية بعد تكوين أكاديمي، سنة 1913، وليس بطريقة التسليح التقليدية للقبائل الريفية.

وهكذا صار أمزيان ضابطا في الجيش الإسباني، وكان ممن اعتمد عليهم الجنرال فرانكو في عملية استقطاب المغاربة للقتال في الحرب الأهلية الإسبانية.

حتى أن صحف اليسار الإسباني كانت تكيل الشتائم إلى أمزيان، باعتباره أحد أبرز الوجوه العسكرية الداعمة لفرانكو. وكلما أحرز الفيلق المغربي انتصارا ما، فإن صحف اليوم الموالي تشن هجومها على الشاب أمزيان، باعتبار أنه أول مغربي يصل إلى رتبة جنرال في عهد فرانكو.

لا يمكن الحديث عن الحرب الأهلية الإسبانية دون الحديث عن الجنرال أمزيان، الذي حصد كل ألقاب الاستحقاق في الجيش الإسباني. ورغم أنه لم يكن الوحيد الذي كلفه فرانكو بالبحث عن مقاتلين مغاربة لتعزيز صفوف الفيلق المغربي الشهير، إلا أنه نال القسط الوافر من هجوم المعارضين. وبما أنه غادر الجيش الإسباني في عز حكم فرانكو، الذي صار صديقا له لاحقا، فإن اسمه لم ينل نصيبا من الهجوم على رموز مرحلة فرانكو إلا بعد وفاة فرانكو نفسه سنة 1975. وكان وقتها أمزيان قد عاد إلى المغرب ونال رتبة «مارشال» في الجيش المغربي، قبل أن يغادر الحياة قبل فرانكو بأشهر قليلة. وهكذا فإن أمزيان لم يعش لكي يرى سقوط كل الأحلام التي بناها فرانكو، وكرهه الإسبان بسببها. بل إنه غادر إسبانيا بعد أن صارت في «جيب» فرانكو، قبل أن تتهاوى كل الإنجازات العسكرية التي ساهم الفيلق المغربي في أغلبها.

 

 هل كان المقاتلون المغاربة 150 ألف جندي فقط؟

تتحدث المصادر الرسمية الإسبانية التي تؤرخ لفترة فرانكو عن 150 ألف مقاتل مغربي، وزعوا على مراحل، لتشكيل الفيلق المغربي الذي حارب الجمهوريين الإسبان المعارضين لفرانكو.

ورغم أن هؤلاء المغاربة لم يكونوا يعرفون معنى الفاشية ولا معنى المد اليساري، إلا أن أغلبهم انضموا إلى الفيلق المغربي، طمعا في الحصول على الأجرة الشهرية. وهذا المعطى يؤكده عدم عودة بعضهم بعد قضائهم العطلة في المغرب، وانخراط آخرين لكي يجربوا حظهم مع فرانكو.

كيف انتهى هؤلاء المقاتلون المغاربة إذن؟ أغلبهم عادوا إلى المغرب وطووا كل تلك الذكريات، وانكمشوا على أنفسهم في قرى شمال المغرب، خصوصا في منطقة الريف. بينما قلة فقط رسموا مسارا في الجيش الإسباني، خلال فترة حكم فرانكو.

وإذا كان المارشال أمزيان يمثل أشهر نموذج للمجند المغربي الذي تسلق الرتب العسكرية في جيش فرانكو، فإن مغاربة آخرين تقاعدوا في الجيش الإسباني وتشردوا بعد سقوط نظام فرانكو، وبقيت الأصابع تشير إليهم على أنهم «جزارون» مشاركون في فظاعات الحرب الأهلية.

لكن بالمقابل، لا أحد يتذكر آلاف المغاربة الذين قاتلوا مع الجمهوريين إيمانا منهم بأفكار اليسار.

وهؤلاء المغاربة كانوا متأثرين بالأحداث التي كانت تعيشها فرنسا خلال مرحلة الحرب الأهلية التي سبقت الحرب العالمية الثانية، وجاؤوا لمواجهة مد فرانكو وحملوا السلاح مع المتمردين الإسبان ضد الديكتاتورية وسلطة الجيش. وهؤلاء المغاربة، إلى جانب جنسيات عربية أخرى، لم ينتبه إليهم أحد ولم يحظوا بأي تقدير من طرف الإسبان، رغم بعض الإشارات المقتضبة والخجولة لبعض المفكرين اليساريين الإسبان، بينهم صحافيون، تحدثوا عن مجيء مغاربة لكي يشاركوا في مواجهة نظام فرانكو الاستبدادي، خصوصا وأن بعض المغاربة كانوا قد عاشوا ذكريات الحرب التي شارك فيها فرانكو في شمال المغرب، والتي انتهت بنفي الزعيم محمد عبد الكريم الخطابي إلى جزيرة «لارينيون»، وإلقاء قنابل كيماوية محظورة على منطقة الريف، لإجبار الخطابي والقبائل المناصرة له على الاستسلام.

كانت هذه الأجواء، المحرك الذي جعل قوميين مغاربة يشدون الرحال إلى إسبانيا للوقوف في وجه فرانكو، خصوصا المتأثرين بمسار محمد بن عبد الكريم الخطابي ورسائله التي تدعو إلى مواجهة الديكتاتورية في إسبانيا. وهؤلاء المغاربة المشاركون مع المدنيين في مواجهة جيش فرانكو، بفيلقه المغربي، لم يحظوا بأي تقدير تاريخي، ولم تعرف أعدادهم ولا عدد الضحايا الذين سقطوا منهم وهم يدافعون عن حرية الجمهوريين الإسبان في مواجهة دولة فرانكو العسكرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى