شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

تنبؤوا بوفاتهم وحملوا نعوشهم على أكتافهم

مشاهير مغاربة حجزوا قبورهم وأشعروا أهاليهم بيوم الرحيل

لا أحد يمكنه التنبؤ بالموت، ولا أحد يجزم بيوم خاتمته ويوم صعود روحه إلى السماء، لأن الروح من علم الواحد الأحد. نهاية كل امرئ لا تشبه الآخر، فهناك رحيل يأتي فجأة وثمة رحيل مختلف غير مدرج في توقعات الراحل وأهله، إلا أنه يكون بالشكل الذي أراده القدر وصاغه رب على كل شيء قدير.

مقالات ذات صلة

لكن في حياة كثير من الشخصيات ما يشبه النبوءة بيوم الختام، لقد تنبأ الكاتب الصحافي المصري ‫‏البراء أشرف، وهو ممدد على فراش المرض، وكتب مقالا أثار جدلا في الصحافة المصرية، توقع فيه تفاصيل موته تحت عنوان «أشعر بالموت»، جاء فيه: «منذ أربعين ليلة وأكثر، أشعر بأني على وشك الرحيل، وهذا الشعور يوحي لي بأفكار جميلة لقصص قصيرة، ويدفعني لكتابتها بسرعة، حتى لا أموت تاركا تلك الأفكار دون أن يعلمها الناس. الموت يرقد بجواري الآن، نائم على سرير رائحته نتنة».

كثير من المفكرين أشعروا قراءهم بزحف الموت نحوهم. قال يوسف السباعي الكاتب المصري متسائلا في آخر أعماله: «ماذا سيكون تأثير الموت علي وعلى الآخرين؟ لا شيء. ستنشر الصحف نبأ موتي وسيقدم البعض شهادات مجاملة في حقي»، بهذه السطور أرخ السباعي لرحيله في رواية «بين المحيطين».

ووضع الفنان مصطفى درويش صورة يتجرأ فيها على ممازحة الموت، قبل خمس ساعات على وفاته، وعلق على الصورة مازحا أنه يريد 500 نسخة من كتاب «إنهاء الماضي»، وكأنه تنبأ بوفاته.

في اللحظات الأخيرة، لكل إنسان قصة مع الموت، هناك من استعد للرحيل ومنهم من كتب وصيته ومنهم من حدد أسماء الممنوعين من حضور حفل تأبينه.

في الملف الأسبوعي لـ «الأخبار»، إعادة لترتيب أكثر التنبؤات إثارة، في عالم المشاهير من رجال فكر وسياسة وفن ورياضة.

 

عبد الرحمان شعيب الدكالي.. واعظ الجيش الذي حمل كفنه في حقيبة السفر

هو سليل عائلة دكالية متبحرة في العلم، لكن عبد الرحمان قدر له أن يقضي حياته بين الجديدة والرباط، وأن يسافر سنويا إلى الديار المقدسة التي ولد فيها وتوفي فيها.

ظل عبد الرحمان، ابن الشيخ أبي شعيب الدكالي، مقربا من مجالس الملك الحسن الثاني، ووصف بشاعر البلاط، لكنه عالم دين بالدرجة الأولى لأنه ابن شيخ الإسلام الشيخ شعيب الدكالي. عينه الحسن الثاني مرشدا عاما للقوات المسلحة الملكية، وشارك ميدانيا في حرب الرمال، كما ظل حريصا على حضور جميع الدروس الحسنية.

قال عنه محمد فاروق النبهان، المدير السابق لدار الحديث الحسنية، إن عبد الرحمان كان مقربا من الحسن الثاني، «وكان الملك يقربه منه ويوفده في مهمات خاصة يكلفه بها، ويرسله إلى الحج والعمرة للدعاء للملك في رحاب المسجد الحرام في أيام الأزمات، وهو الذي حمل إلي لأول مرة رغبة الملك الحسن الثاني في تعييني مديرا لدار الحديث الحسنية، وهو الذي حمل جوابي إلى جلالة الملك، وعندما وصلت إلى المغرب جاءني الأستاذ الدكالي للترحيب بي وقدم لي رسالة شفوية من جلالة الملك».

عينه الملك عضوا في أكاديمية المملكة، وقال له مازحا، «أنت هو لبخور ديال الأكاديمية»، كما حرص الحسن الثاني على أن يكون الرجل حاضرا مع القوات المسلحة الملكية في الأقاليم الصحراوية لممارسة مهمة الوعظ والإرشاد، فضلا عن تواجده في كل رحلات الملك الراحل إلى الأراضي المقدسة.

يقول محمد نافع، رئيس التحرير السابق بيومية «الأنباء» الرسمية، وصاحب كتاب «المغرب السعودية، علاقة أخوين»، في حوار صحافي، إنه خلال زيارة ملكية للديار المقدسة ظل عبد الرحمان شعيب الدكالي، مرشد الجيش الملكي، يحمل في يديه ثوبا أبيض، ولما استفسرته قال لي «إن هذا كفني، أتبرك به في هذا المقام السعيد لعلي أفلح بالموت في مكة التي ولدت فيها».

خلال هذه الزيارة التي ترجع لسنة 1982، لاحظ الملك إصرار الرجل على تأبط كفنه، وحين سأله رد عليه مازحا إنه عمل بالجيش كمرشد ويعرف المغزى الحقيقي لحالة الطوارئ، وأنه كمن يحمل نعشه على كتفيه.

وفي سنة 1983 أي بعد مرور سنة على هذا الحادث، توفي عبد الرحمان شعيب الدكالي، بالمدينة المنورة، ودفن في تربتها بكفنه الذي كان يحمله معه غير بعيد عن قبر الرسول الكريم.

ومن المصادفات الغريبة أن يعوضه الحسن الثاني بصديقه النبهان في مجلس أكاديمية المملكة، وهو الذي ألقى كلمة مؤثرة في حفل تأبين عبد الرحمان، والأكثر غرابة أن يشارك العلامة عبد الرحمان الدكالي في تأبين رفيق دربه عبد الله الجراري في جامع السنة بالرباط، حيث حملت كلماته إشارات على دنو أجله وكأنه تنبأ برحيله، وبعد أيام انتقل إلى عفو الله وهو يقوم بمناسك الحج.

 

محمد باهي يتنبأ بدنو أجله في عمود «فضيحة الحياة الأخرى» 

نجا محمد باهي، الصحافي الذي ارتبط طويلا بجريدة «المحرر» لسان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ذو الأصول الموريتانية، من الموت مرات عديدة، أولها حين تسلل خلسة في مرسى نواذيبو إلى باخرة صيد إسبانية متجهة إلى طرفاية. وبعد الإقلاع، اكتشف طاقم الباخرة وجود شخص غريب، وقرروا رميه في البحر. وفتح معهم مفاوضات وعرض عليهم أن يقوم بأعمال الخدمة طوال الرحلة مقابل العدول عن رميه في البحر، فتكفل بتنظيف المطبخ وغسل الأواني وصيانة المراحيض. هكذا دخل الفتى إلى المغرب وتوجه إلى الرباط بحثا عن وظيفة صحافي في جريدة «العلم».

لكن الرجل كشف يوما للكاتبة زكية داوود، رئيسة تحرير مجلة «لام ألف»، عن أخطر موقف كاد أن يكلفه حياته، وقال: «عشت حياة معقدة، نجوت من الموت مرات عديدة، من بينها المرة التي رفضت فيها تسيير جبهة «البوليساريو»، باقتراح من هواري بومدين قبل أن يفكر هذا الأخير في تعيين عبد العزيز المراكشي، طلبت مهلة للتفكير وعدت إلى فرنسا وأنا مرعوب».

من 14 ماي إلى 4 يونيو 1996، دخل باهي مرحلة العد العكسي، كان يكتم غيظه ويبتلع مرارة التآمر، وحين يعود إلى بيته يترك الدواء جانبا وينخرط في تدوين يومياته، فالكتابة بالنسبة إليه جرعة دواء يداوم عليها قبل الاستسلام للنوم. شعر بدنو أجله فآثر الرحيل والعودة إلى باريس مرة أخرى، مع توصية بجمع أشلاء زاويته «رسالة باريس» باعتبارها وثيقة تاريخية، لكن عددا من خصومه رفضوا طبعها في مطبعة الجريدة، في إطار الحرب الباردة التي كانت معلنة على الرجل.

ومن المفارقات الغريبة أن الموت ظل حاضرا بقوة في كتابات باهي، ففي مقاله الشهير «فضيحة الحياة الأخرى»، تحدث عن الموت، قائلا: «يكون الموت أسهل علينا عندما لا نكون وحيدين»، وأضاف: «الأحياء يخافون الموت مثل ما يخاف العميان الليل، وربما يحدث ذلك لأن الموت الذي يعد أهم رحلة في الوجود لا يتهيأ له الأحياء بما فيه الكفاية. أما حين يأتي أو ينزل ضربة صاعقة لها لون البرق الخاطف من دون مرض أو احتضار، فهو الشفاء الأسمى».. وكأن الرجل تنبأ لطريقة وفاته التي جاءت كالوميض.

حسب رواية الكاتب محمد لغريب، فإن باهي فارق الحياة في الرابع من يونيو سنة 1996 بإحدى مصحات مدينة الدار البيضاء، إثر نوبة قلبية حادة ألمت به دون أن يحقق حلمه في التغيير الذي ظل مؤمنا به طوال حياته، لكن أسباب وفاته ظلت مثار شك بين رفاقه.

 

إدريس بنزكري يحجز قبره بجوار أمه ويدفن فيه

في كتابها «وفاء للذكرى والذاكرة: إلى روح الراحل إدريس بنزكري» تتحدث فتيحة بنزكري شقيقة المناضل إدريس بنزكري، عن علاقته بالموت من خلال الأيام الأخيرة من حياته وهي التي رافقته في محنته، وقالت إنه ولد في يوم فرح خلال انشغال الأسرة بزفاف خاله، ومات تحت وطأة السرطان، «بعد وفاة أمنا وفي ذكراها الأربعينية زرناها أنا وإدريس وأختي فاطمة وبعض أفراد العائلة، فعلق سترته على قبرها، وقال لها وكأنه يتحدث إلى شخص حي يسمعه «اصبري يا أمي، سأدفن بجوارك بعد عشر سنوات»، وقد حدث ذلك فعلا، فأمي توفيت سنة 1997، وبعد عشرة أعوام التحق بها إدريس بعد أن بقي مكانه فارغا طوال هذه المدة». ومن المفارقات الغريبة في حياة الراحل أن يدفن إلى جوار قبر والدته بعد مرور عشر سنوات على وفاتها، وتحديدا في 22 ماي من 2007، بناء على وعد في ذكراها الأربعينية، بعد أن ظل قبره شاغرا بالقرب منها وكأنه محجوز سلفا لابنها إدريس، وهي التي عانت من محنة القفة قبل أن تلفظ أنفاسها تحت وطئ محنة الذهاب والإياب من البيت إلى السجن، ودفن جثمانها في مقبرة قريته أيت واحي التابعة لمنطقة تيفلت. والأغرب أن يتنبأ الفقيد وهو قيد حياته لشقيقته فتيحة بكتابة سيرة حياته، حيث منحها ما يشبه التصريح الشفوي بتدوين سيرته عند رحيله.

وحسب روايات مقربين من الراحل فإن آخر قرار وقعه إدريس بنزكري قبل وفاته هو مقرر برد الاعتبار إلى عبد السلام أحيزون، الذي تعرض للاعتقال في أواخر الثمانينات عندما كان مديرا في الاتصالات السلكية واللاسلكية، وقال وهو يوقع القرار: «ما كاين غير الموت».

ظل إدريس بنزكري يبتلع مرضه لسنوات عديدة، ويخفي على الناس أعراض السرطان رغم أن حصص «الشيميو» غيرت كثيرا من ملامحه. يقول رفاق درب إدريس إن علاقته بالمرض بدأت في المعتقل السري درب مولاي الشريف، حين كان معتقلا ضمن فصيل «إلى الأمام»، وظل يتنقل بين المصحات والسجون إلى أن استبد به الألم وأصر المرض على أن يطيح بأحد أهرامات العمل الحقوقي. قضى بنزكري نصف حياته خلف القضبان متنقلا بين سجون المملكة قبل الاستقرار بالسجن المركزي للقنيطرة مما اضطرت معه أسرته إلى الرحيل نحو عاصمة الغرب كي تكون أقرب إلى المعتقل الذي يقيم فيه كبير الأسرة.

العربي باطما يدون لحظاته الأخيرة في سيرة الألم

قبل ساعات عن رحيله إلى دار البقاء، كتب العربي باطما، وهو ممدد على فراش الألم يصارع الموت بسبب مرض السرطان، شهادته على معركة شرسة مع المرض. «دخلت المستشفى في 14 نونبر 1993، إذا أراد المولى عز وجل سأنهي هذا الكتاب، لماذا لا أكتب الرحيل إلى الألم، ما دام الناس فهموا كتابي الأول الرحيل إلى الموت؟ مرة سألت نفسي لماذا أخاف من المرض؟ فلم أجد جوابا يذكر، كان أخي عندما يشاهد شرودي فيقول لي تشجع.. تشجع ستشفى، إن كلمة السرطان لم تتردد في عقلي طيلة ما مضى من حياتي، نحن البدو أعطينا للسرطان أسماء أخرى، مثل المرض الحي أو المرض الخبيث. قال لي أحد الأصدقاء إنه مرض العباقرة والمفكرين الكبار، أعلم أنه يضحك علي، الله يسامحه. مرة وجدني الطبيب أبكي وقام غاضبا وقال: لا أستطيع أن أعالج إنسانا ضعيف الإرادة. بدأ يعالجني بـ«الشيميو» والأشعة وكل الأشعة، إلا أشعة الشمس سبحان الله».

قاد البوح، العربي باطما رائد مجموعة «ناس الغيوان» إلى الاعتراف، وكتب اعترافات مدمن قائلا: «دخنت كثيرا وشربت حتى الثمالة الكيف والحشيش وحتى الهيروين والكوكايين في باريس، ولكن فقط قصد التجربة، والله لو لا خوفي من الله لانتحرت. لقد كنت أسمع في كل مكان الله يا رب يا حبيب الله يا رسول الله، قمة المناجاة».

تكفي شهادات الراحل العربي باطما، لتقربنا من معاناته التي جسدها على غير باقي الفنانين، في كتابين أرخا لرحلته في الدنيا ورحلته إلى الآخرة، وهما «الرحيل» و«الألم» الذي ألفه وهو على فراش الموت، ولم تمر إلا بضعة أسابيع على نهاية كتابته حتى انتقل إلى دار البقاء.

في روايته «له حصة في الولع»، يعيد قاسم حداد صياغة سيناريو رحيل صديقه العربي باطما، فيقول: «عندما التقيت بالصديق عبد اللطيف اللعبي في القاهرة، قاومت رغبة جارفة للسؤال عن العربي، خشيت أن أكون أضعف من الموقف الذي سأذهب إليه مع اللعبي. لكنني في غمرة انشغالات عائلية تتصل بالمستشفيات والعلاج وغير ذلك، وفيما كنت أقضي عطلة رأس السنة في هذه الأجواء، تذكرت العربي باطما، وعدت سريعا أعيد قراءة كتاب «الرحيل»، لكي أصل إلى هذا المقطع الذي سأختم به كلامي. ففي مثل هذه الأيام، قبل عامين بالضبط، كتب العربي باطما هذه الكلمات: أبدأ الآن كتابة طي ضلوعي القبيح. ما زالت بعض الدقائق القليلة لموت سنة 1994. أنا الآن وحدي في البيت. بعض الناس من الجمهور يتمنون لي من خلال الهاتف سنة سعيدة. يقولون : آلو. أرد : آلو / شكون. /يجيب: أنا معجب بـ«ناس الغيوان»، وأتمنى لكم سنة سعيدة)، أتصور أنا سنتي القادمة، أي سنة 1995. صممت على أن أبكي. عند إعلان الثانية عشرة ليلا، فربما إن استقبلتها بالبكاء، قد يكون فيها شيء من السعادة. هذا إن عشت، فمريض مثلي مصاب بمرض خبيث لا يمكن له إلا أن يتصور ويتحدى الموت في كل دقيقة. فعندما كنت أنام في ما مضى، أي في السنة الماضية. أقوم في الصباح أقول، بل أسأل نفسي: هل أنا لا أزال حيا؟ إنها رأس السنة. في التلفزيون شباب يهنئ ويقدم أغان وسكيتشات، في الشارع آخرون يتصايحون فرحين. الآن أبكي. وقد أعلنت الساعة دخول السنة الجديدة 1995. كم من شخص الآن في العالم قبّل صديقته أو حبيبته أو أخاه، مهنئا إياه. أنا قبّلتني دموعي. كم من عشيق عانق عشيقته. أنا عانقت دموعي. أنا. أنا الآن شيء ينتظر الموت. ويعلم بأن الكل ينتظر قدومه، لكن الفرق بيني وبين الكل، هو أنني أعرف مرضي القاتل، والآخرون لا يعرفون».

 

الحاجب الملكي فرج «يحجز» مسبقا قبرين بالزاوية العيساوية

ظل إبراهيم فرج، الحاجب الملكي السابق، مصرا على مواجهة الموت، فقد كان يتحدث إلى المحيطين به بلغة الواثق من دنو أجله، وحين زاره أحد الوزراء وهو على فراش المرض، كشف له إبراهيم عن رغبته في لقاء ربه، وجعل من حديثه عبرا حول الحياة الدنيا الزائلة والآخرة الباقية، بل إن الحاجب الملكي ظل يودع زواره الوداع الأخير استعدادا للقاء ربه.

لم يكتف فرج بقراءة الأدعية والشهادتين، بل إنه أوصى أهله بدفنه في زاوية سيدي بن عيسى، بحي سيدي فاتح بالعاصمة الرباط، فاستجابت أسرته لطلبه الأخير، بعد أن كانت كل المؤشرات تسير في اتجاه دفن جثمانه بمقبرة الشهداء.

ظل فرج، عن عمر يناهز 88 سنة، يستحضر في آخر جلساته جزءا من تاريخ المملكة الشريفة، ويتحدث مع آخر زائريه عن الدولة والدين، ولم ينس الرجل في آخر كلامه البوح بما قدمه للوطن من خدمات في التلفزيون وفي الجماعة الحضرية للرباط كمنتخب، أو في وزارة المالية أو في الديوان الملكي.

بعد صلاة العصر كانت المدينة العتيقة مثقلة بحضور أمني لافت، خاصة على امتداد الطريق المؤدية إلى الزاوية التي اختار الرجل أن يرقد فيها إلى الأبد، فقد تم تشييع جثمان الراحل إبراهيم فرج في موكب جنائزي مهيب، تقدمه الأمير مولاي رشيد. وجرت هذه المراسم على الخصوص بحضور أفراد أسرة الفقيد ورئيس الحكومة ومستشاري الملك وكبار ضباط القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية، إلى جانب عدد من الشخصيات المدنية والعسكرية.

عادة ما يدفن المسؤولون والمقربون من القصر بعد وفاتهم في مقبرة الشهداء، لكن الحاجب الملكي شكل استثناء وهو يدفن في الزاوية العيساوية بقلب المدينة القديمة في العاصمة الرباط، وسط الأزقة الضيقة وبين البسطاء من بنات وأبناء الشعب.

قال منسق الزاوية العيساوية في العاصمة الرباط، في حوار صحافي، إن علاقة قوية جمعت بين الراحل إبراهيم فرج، الحاجب الملكي، وشرفاء عيساوة، وكان قد طلب منهم أن يفردوا له ولزوجته قبرين يدفنان فيهما بعد وفاتهما، وهذا ما كان، فقبر زوجته الحاجة خديجة مارسيل، وضع رهن إشارة الحاجب الملكي، ويوجد بالقرب من القبر الذي دفن فيه إبراهيم بحضور شقيق الملك الأمير مولاي رشيد، «وهذا ما يبرر السبب الذي جعل الملك يأمر بدفنه في الزاوية، ترجمة لوصيته، التي عبر عنها قيد حياته».

وأوضح بن لامين القدميري، منسق الزاوية العيساوية في العاصمة الرباط، في البوح الصحافي نفسه، أن الزاوية رممت وأعيد إصلاحها بأمر من الملك الراحل الحسن الثاني، بعدما لوحظ أنها تحتاج إلى الصيانة حين استقبلت جثمان رجل دولة.

 

لاعب دولي التمس من زوجته دفنه بمقبرة الرحمة فمات في اليوم الموالي

لا يوصي اللاعبون المغاربة بطبع مذكراتهم، لأنها ماتت مع أصحابها، لا يوصون بتخليد أسمائهم ووضعها على ملاعب في ملكية المجالس المنتخبة، ولا يستنفرون العلماء الضالعين في علم المواريث لتوزيع الممتلكات، لأنهم لا يملكون إلا حب الناس. حتى أبناء المراحيم يعلمون علم اليقين أن كل ما ورثوه عن آبائهم أمراض الربو وضغط الدم وداء السكري.

كان اللاعب المغربي عبد الرحمن بلمحجوب محقا حين أوصى زوجته ليلى بتخصيص وجبات غذائية، تسلم كل أسبوع مجانا من مطعمه «الميناء» لفائدة اللاعبين السابقين الذين قست عليهم ظروف الحياة، لكن وصيته الأخيرة كانت أشبه بموعد مع القدر.

مات لاعب ومدرب المنتخب الوطني سابقا عبد الرحمن بلمحجوب، في نهاية شهر غشت 2011، صباح يوم عيد الفطر، تقول زوجته ليلى الجزائرية: «ارتدى أزهى ملابسه التقليدية واستحم، ثم استعد لأداء الصلاة، قبل أن أسمع سعالا بلا انقطاع منبعثا من دورة المياه، تكرر السيناريو في وقت كنا نستعد لاستقبال العيد، وكانت الخادمة تضع ترتيبات استقبال ضيوفنا وأفراد أسرتنا، وحين فتحت باب غرفة النوم ودخلت دورة المياه وجدته ملقى دون حراك، تبين أن الروح انتقلت إلى الرفيق الأعلى، فتحول العيد إلى مأتم، ليبدأ الناس يتقاطرون على البيت من كل مدينة، تاركين أجواء العيد وراءهم. كان مشهدا غريبا، خاصة حين هممنا بدفنه وسارت وراء جنازته أفواج من الرياضيين وغير الرياضيين، ولأنه محبوب الجماهير فقد حضرت حافلتا الوداد والرجاء، وحضر رئيس الجامعة واللاعبون الدوليون وكل الأطياف جاءت تودعه».

تقول ليلى إن ما أثار استغرابي هو إصراره على أن يدفن في مقبرة الرحمة ونحن نزورها، قال لي بالحرف: «لي سبق فينا يدفن لاخر هنا»، وحين مات دفن في المقبرة نفسها التي قال عنها إن قبورها نظيفة ومتراصة.

 

هل تنبأ الحسن الثاني بدنو أجل الرئيس الجزائري؟

يصر محيي الدين عميمور، الناطق الرسمي السابق باسم الجمهورية الجزائرية، على أن «السوفيات وحدهم من يعلم حقيقة المرض الذي أودى بحياة هواري بومدين»، قبل أن يوسع الدائرة العالمية لتشمل برأيه المخابرات المرتبطة بموسكو.

قال الراحل هواري بومدين عندما اشتد به المرض وهو في أحد مستشفيات الاتحاد السوفياتي سابقا، لوزير خارجيته عبد العزيز بوتفليقة: «علينا أن نعود الليلة إلى الجزائر، أريد أن أموت في فراشي». عبارة كانت كافية لشرح حالة الرجل العائد من آخر قمة عربية عقدت بدمشق، والتي كانت بعد التصدع الذي أحدثته مفاوضات كامب ديفيد، التي عقدت بين الرئيس المصري الأسبق أنور السادات ومناحيم بيغن.

قبل ظهور أعراض المرض على الرئيس بومدين، حدث أمران في غاية الغرابة لم ينتبه إليهما أحد إلا بعد وفاته، الأول كانت مكالمة من الملك الحسن، ملك المغرب، اختتمها بقوله: «إذا لم نلتق مطلع العام فإننا لن نلتقي أبدا». أما الأمر الثاني، فهو وفاة كلبه المدلل «عنتر»، حيث كان لبومدين كلبين، الأول «عنتر»، والثاني «كريم»، إذ ظل بومدين يشرف بنفسه على «العناية بهما»، وقبل ظهور أي أعراض مرضية عليه، وبينما كان الرئيس في طريقه إلى مقر عمله وجد مصادفة كلبه «عنتر» ملقى على الأرض ميتا، فنادى خادمه (حسين بن خبو) الذي نقل الكلب الميت إلى البيطري، وبعد عملية التشريح يكتشف أن الكلب مات مسموما. وعندما عاد الرئيس في المساء إلى بيته وجد أخته «يمينة» أمامه، فقال لها: «عنتر مات مسموما والذي وضع السم لعنتر سيجعله لي أنا لاحقا».

هناك رسالة بعثها بومدين قبل وفاته إلى الملك الحسن الثاني وهي آخر رسالة جاءت ردا على رسالة الملك، كما وردت في مجلة «الصياد» اللبنانية التي نشرتها بتاريخ 15 دجنبر 1978، وهي رسالة مثيرة للدهشة لمضمون ما جاء فيها، ومع أنها طويلة وسبق أن نشرت في كتاب «اغتيال بومدين: الوهم والحقيقة»، لخالد عمر بن ققه، جاء فيها:

«صاحب الجلالة: تسمحون لي يقينا بأن أرثي هنا للدبلوماسية العلنية التي تبدو وكأنها اليوم قد طغت على الدبلوماسية التقليدية. باستطاعتي أن أؤكد لكم منذ الآن أن الجزائر لن تتأخر أمام أي مجهود لتقديم مساهمتها المتواضعة في البحث عن سلام عادل بين المتحاربين في النزاع الدائر حاليا بالصحراء. لقد استطاع جلالتكم وأنا بالذات أن نرتفع بسياسة بلدينا طيلة سنوات عشر إلى مستوى التطلعات الطبيعية لشعبينا، اللذين تربطهما، كما تعلمون، روابط أقوى».

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى