شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

قصة زروال من جنرال إلى سفير في «بوخارست» ثم رئيسا للبلاد

يونس جنوحي
كيف انتقلت السلطة من علي كافي، العسكري الذي كان يستعد لإنهاء مساره ولم يتوقع نهائيا أن يكون رئيسا للبلاد في مرحلة انتقالية حرجة، إلى اليامين زروال، الذي كان بدوره يستعد للتقاعد ولم يتوقع في حياته أن يُصبح رئيسا للبلاد؟
كان الأمر أشبه بأسطورة قديمة لتحقيق الأحلام.
يقول هشام عبود: «لم يتوقع الجنرال اليامين زروال أن يجد نفسه يوما على رأس هرم الدولة، كان يعيش تقاعده بسلام في مدينة «باطنة» التي وُلد بها. كان انتخابه رئيسا للبلاد خدعة لا مثيل لها. عودة الجنرال إلى الساحة فاجأت أكثر من شخص، من بينهم الجنرال المعني بالأمر نفسه.
كان مشتبها فيه رفقة أربعة جنرالات آخرين، بالتواطؤ سنة 1986 لإزاحة الرئيس الشاذلي من كرسي رئاسة الجمهورية. تم إرسال زروال سفيرا إلى رومانيا سنة 1989، في وقت كانت الجزائر معزولة عن بقية دول العالم. عند عودته إلى الجزائر، بعد تسعة أشهر قضاها في بوخارست، طلب من الرئيس الشاذلي تعيينه سفيرا في بلد يمكن أن يعيش فيه حياة الرفاهية، لكن الرئيس الشاذلي أبعده:
-اذهب عند وزير الشؤون الخارجية.
سيد أحمد غزالي وقتها كان وزيرا للخارجية.
هذا الأخير كان يعلم جيدا أن تعيين الجنرالات في السلك الدبلوماسي، بدون توصية من الرئيس أو تعيين منه، لم يكن ممكنا. وهكذا إذن كان مصير طلب الجنرال اليامين زروال، النسيان».
انتقام
فهم اليامين زروال بعد مدة أن الشاذلي بن جديد لم يكن يريد تعيينه سفيرا في بلد آخر بعد انتهاء مهامه في بوخارست. وهكذا جمع أغراضه بهدوء من العاصمة الجزائر، ورحل صوب مدينته الوديعة التي وُلد بها وقضى بين أزقتها فترة طفولته، وقرر أن يتقاعد.
لم يكن بمقدوره أن ينضم إلى أي تيار معاد للرئيس بن جديد، فقد كان هذا الأخير، كما رأينا في الحلقات السابقة، محاطا بالجنرالات الذين يشكلون عصب المافيا، ولكن بمجرد انتهاء حاجتهم إليه، تخلوا عنه بسلاسة لكي يبحثوا مع بوضياف مسألة عودته إلى البلاد لكي يخرجها من مأزق توتر الأوضاع الاجتماعية.
في تلك الأثناء التي جاء فيها بوضياف إلى الجزائر، كان اليامين زروال جنرالا متقاعدا، انصرف إلى الاهتمام بمشاريعه الخاصة، ويعيش منسيا تماما في مدينته الصغيرة لا يسأل عن أحد في العاصمة ولا أحد فيها يسأل عنه.
كان أيضا يؤلمه، وهو يطالع الأخبار، أن يرى بعض الضباط الذين تتلمذوا على يديه عندما كان في المسؤولية العسكرية، وهم يصلون إلى أعلى المناصب الأمنية والعسكرية في الدولة. ولم يتوقع أن يكون الرئيس المستقبلي للبلاد. كيف سيتوقع هذا الأمر وقد صُدم الجزائريون جميعا عندما رأوا بوضياف يتلقى رصاصة مميتة وهو يوجه خطابه إلى الجزائريين؟ فقد كان أغلب المسؤولين في الجزائر يتوقعون أن يبقى بوضياف رئيسا للجمهورية على الأقل للسنوات الخمس عشرة المقبلة.
كان الجنرال محمد العماري حاجزا أمام ترقية اليامين زروال بدوره، فقد كان هذا الأخير، قبل أن يغادر إلى التقاعد، مرشحا لكي يصبح رئيسا للجيش، إلا أن بقاء الجنرال محمد العماري، أحد أكبر وأقوى جنرالات المافيا، في المشهد، كان يعني نهاية كل أحلام اليامين زروال في أن يصبح مسؤولا كبيرا في الدولة، رغم أنه عندما كان يحمل فوق كتفه رتبة جنرال، كان مقربا جدا من دوائر القرار وكان يتحمل مسؤولية كبرى في تنظيم وحدات الجيش.
بالإضافة إلى أنه كان صديقا مقربا من الجنرال محمد بتشين. لكن تضارب المصالح أبعده في وقت كان يأمل أن يحظى بمنصب كبير في المؤسسة العسكرية. لكن كيف تذكره الجنرالات فجأة ليمنحوه كرسي رئاسة الجمهورية؟ ما وقع أن الجنرالات كانوا يحتاجون إلى بروفايل لشغل منصب وزير الدفاع الوطني سنة 1993. كانت البلاد تعيش اضطرابا كبيرا، ولم يعد الشاذلي بن جديد الذي أبعده، رئيسا للبلاد، وهكذا تذكره أصدقاؤه وزملاؤه، وحاولوا إعادته إلى المشهد، على أساس أن يتسلم وزارة الدفاع خلفا للجنرال نزار. حدث كل هذا مع اقتراب ذكرى 14 يوليوز التي ينتظرها الجنرالات على أحر من الجمر، حيث يتم خلال الاحتفالات إعلان ترقيات الجنرالات، لكي يحمل المحظوظون منهم شارة «الجنرال ماجور»، وفي الوقت الذي كان يتعارك الجنرالات في الخفاء على الرتب الجديدة، كان اليامين زروال يعبد الطريق لنفسه لكي يتقدم بهدوء ليصبح المرشح الوحيد لشغل منصب رئيس الجمهورية، ويُزيح علي كافي من منصب رئاسة المجلس الأعلى للدولة خلال المرحلة الانتقالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى