شوف تشوف

الرئيسيةرياضةفسحة الصيف

قصة مصرع حكم في حادثة سير مفجعة قبل أن يحقق حلم الحصول على الشارة الدولية

قضاة الملاعب بوشعيب بن سلطانة (حكم وطني)

عندما يموت الحكم لا أحد يرث صفارته ولا بذلته ولا بطاقاته الصفراء والحمراء، ولا يذكره اللاعبون إلا بصفيرة منفلتة غيرت مجرى المباراة، ولا يمشي خلف جثمانه إلا أفراد عائلته وجيرانه والمقربون منه ثم الناجون من إنذاراته.

يقول الراسخون في المشهد الكروي: عندما تموت خادمة الحكم يتوافد المدربون والرؤساء على بيته لتقديم فروض العزاء، وإذا مات الحكم لا أحد يهتم بموته، لا فرق بينه وبين الحاكم القروي في طقوس الموت.

 

الحكام يموتون مرتين

لا يعرف الحكم كغيره من بني البشر متى تطلق صافرة نهاية الحياة، رغم أن حكم الكرة يختلف عن باقي مكونات المباراة، لأنه يجسد العدل وينصب نفسه قاضيا بين طرفين متنازعين على امتداد تسعين دقيقة أو أكثر.

بعد وفاة الحكم بوشعيب بن سلطانة استفسرت أرملته عن مضامين وعود ما يوم الدفن، عن تعويضات التأمين عن الوفاة، وفي الشهور الأخيرة وجهت زوجة الحكم الشاب عبد العزيز لمسلك نداء استغاثة، وكشفت للرأي العام الرياضي صورة حكم سرق منه المرض ملامحه، وبدا مستسلما للداء والدواء، خاطبت بتدوينتها جهاز التحكيم قبل أن تمسح التدوينة كما تمسح كل مساء دموعا متحجرة في مقلتيها..

مات الحكم الفيدرالي بوشعيب بن سلطان وهو عائد من مهمة طويلة قادته إلى تيزنيت، ومات كثير من الحكام قبله وبعده بالمرض الذي لا ينفع معه دواء، وحين نزل خبر وفاة بوشعيب لم يصدقه أحد مات وسط ذهول حكام كان يعتقدون أن الحكام يعمرون طويلا، مات قبل أن يحقق حلم الشارة الدولية، ولأن الحكم مغبون حيا وميتا فهو الشخص الوحيد فوق رقعة الملعب الذي لا يشجعه أحد.

حين يموت الحكم لا نخلد اسمه على واجهات الملاعب لأنها محجوزة لنجوم الفريق، لا نعفي أبناءه من رسوم الانتماء لمدارس الكرة، لا نقيم دوريا باسمه ولا نطلق اسمه على فوج من الحكام المتخرجين ولو من باب التكريم الرمزي، وحده الحكم الدولي الراحل سعيد بلقولة كان استثناء.

لهذا قال الحكم الإيطالي الشهير “بيير لويجي كولينا” إن “التاريخ يتنكر للحكام لأنه لا يفرق بين حاكم في الملعب وديكتاتور في بلد مقهور”، لهذا يظل الحكم عنصرا بلا سند، فالجمهور يوزع عشقه على الفريقين المتباريين.

عندما مات الحكم بوشعيب بن سلطانة، ظلت أرملته خديجة تنتظر ترجمة الوعود التي تلقتها من القائمين على جهاز التحكيم في المقبرة، على أرض الواقع، قبل أن تقتع بأن الحكم يموت مرتين حين يعتزل الصفارة وحين يختاره الله إلى جواره.

لكل حكم قصة مع الموت، لكنهم ماتوا بعيدا عن صخب الملاعب، أسلموا الروح لبارئها في صمت، إنهم يتشابهون في هندامهم في إشاراتهم في تحركاتهم وفي مماتهم، استسلموا لقدرهم آمنين مطمئنين رموا صرامتهم جانبا ونطقوا الشهادة ثم ودعوا الحياة الدنيا.

هكذا مات عبد الكريم الزياني، ومحمد باحو وعبد العزيز بلفتوح وعيسى جقاوة ومحمد الغرميلي، والسطالي، وآخرون رحلوا في صمت دون أن يشعر أحد برحيلهم، بينما يعاني ثلة من الحكام من المرض ويحرصون على التعايش مع أوجاع تمارس سلطتها التقديرية عليهم.

 

عائد من معركة تيزنيت يلقى حتفه على مشارف فضالة

في صباح يوم 11 نونبر 2012، توفي الحكم الوطني بوشعيب بن سلطانة، إثر حادثة سير مفجعة على الطريق الرابطة بين الدار البيضاء والمحمدية، كان الراحل يمتطي سيارة أجرة يبدون أن سائقها غالطه النوم فوقع في المحظور، ثم اصطدم بشاحنة مقطورة.

وحسب شهود عيان فإن بوشعيب كان متجها إلى مقر سكناه، على متن سيارة أجرة، ارتطمت على مشارف المحمدية بشاحنة، ويقول الحكم لمليح الذي كان رفقته في رحلة تيزنيت إلى جانب الحكم حفيظ وكلهم ينتمون لعصبة الدار البيضاء لكرة القدم، إن الراحل افترق مع زميلاه الذين شاركاه تحكيم مباراة أمل تيزنيت وأمل سوق السبت بملعب المسيرة بتيزنيت يوم الأحد، وصل طاقم التحكيم في ساعة مبكرة إلى محطة أولاد زيان بالدار البيضاء، حيث استقل الفقيد سيارة أجرة، بينما اتجه زميلاه كل إلى مسكنه في الدار البيضاء.

وأضاف لمليح في حوار صحفي: “حين وصلنا محطة أولاد زيان قادمين من تيزنيت، بعد رحلة طويلة ومتعبة، حرصت على أن أظل برفقته إلى أن يجد سيارة أجرة تقله إلى المحمدية، وحين انطلقت السيارة عدت إلى بيتي، وبمجرد وصولي علمت أنه توفي في حادث مأساوي”.

وكان ثلاثي التحكيم قد غادر مدينة تيزنيت مباشرة بعد انتهاء المباراة الحارقة التي جمعت الفريق السوسي بأمل سوق السبت واليت انتهت بفوز المحليين بهدف لصفر، على متن حافلة عمومية لنقل المسافرين باتجاه الدار البيضاء التي حل بها الثلاثي في الساعات الأولى من صباح اليوم الموالي، حيث استقل المرحوم سيارة أجرة كبيرة التي تربط بين المحطة الطرقية ومدينة المحمدية حيث مقر سكناه.

تلقت زوجته خديجة خبر الحادثة واتصلت بأصدقاء بوشعيب وبوالده الذي كان بدوره حكما سابقا في كرة القدم، من جهتها ما أن علمت مديرية التحكيم بخبر الواقعة حتى كلفت الحكم عبد الرحيم العرجون بالانتقال على وجه السرعة إلى مستشفى ابن رشد، حيث كان يخضع للتنفس الاصطناعي في قسم العناية المركزة، قبل أن يلفظ آخر أنفاسه بعد ساعات قليلة، في الوقت الذي كان زملاؤه يناقشون إمكانية نقله إلى مصحة في الرباط.

تقاطر على المستشفى الجامعي عشرات الحكام ليس من الدار البيضاء والمحمدية بل من مدن أخرى، حيث أجمع الحاضرون على طيب أخلاق الراحل الذي لم يكن يتردد لحظة في الجهر بالحقائق وهذا ما عطل انتقاله من حكم وطني إلى حكم دولي بالرغم من شهادات المراقبين في حقه وقدرته على سل شعرة الاحتقان من عجين المباريات الحارقة.

وتشهد تقارير المراقبين والمقيمين، على الأداء الرائع لبوشعيب بن سلطانة في مباراة جمعت شباب الريف الحسيمي التي استضاف فيها نهضة سطات عن الدورة 22 من بطولة القسم الوطني الثاني، في ملعب العرصي ميمون العرص وانتهت بهدفين لصفر لفائدة الفريق الريفي. كان ذلك ثلاث سنوات قبل وفاته، إلا أن ملاحظات المراقبين لم تحرك ساكنا في نفوس مديرية التحكيم.

وشهدت نهاية المباراة التي قادها الحكم بوشعيب بن سلطانة بمساعدة عبد الله جاحيد وعبد الله شواتي من عصبة الدار البيضاء الكبرى، سيلا من التهاني لطاقم التحكيم من طرف مدربي الفريقين.

تسببت صراحته ومواقفه الجريئة وتفكيره بصوت مرتفع في مصادرة حقه المشروع في ركوب صهوة العالمية، والانتقال من حكم وطني إلى حكم دولي، بل إنه ظل ينفذ تعليمات المديرية دون أن اعتراض، يكفي الاستدلال بتعيينه في تيزنيت لمباراة في قسم الهواة لمعرفة حجم التعامل الذي كان يحظى به من طرف بعض عناصر المديرية.

 

توصيات ووعود ولدت ميتة

رغم مرور عشر سنوات على حادث وفاة الحكم المغربي بوشعيب بن سلطانة، لازالت أرملته خديجة تنذكر الوعود التي تلقتها من القائمين على جهاز التحكيم وعدم ترجمتها على أرض الواقع. خاصة على مستوى التعويضات التي تخصصها شركة التأمين للحكام الذين يظلون عرضة للموت في أي لحظة سواء داخل الملاعب أو خارجها.

النوم سائقها ليصطدم بشاحنة مقطورة، أصيب إثرها الحكم بنزيف على إثر إصابة تعرض لها في الرأس من قوة الحادث. وبعد ساعات في غرفة العناية المركزة، لفظ بن سلطانة أنفاسه، بعد مسار تحكيمي دام 12 سنة، قضاها في الركض خلف الكرة.

وقالت أرملة الفقيد التي تتكلف برعاية أربعة أبناء، وخاصة ابنها الأكبر الذي كان يعشق مهنة التحكيم ويسير وفق نهج والده المرحوم، بالرغم من معاناة الفقيد فقذ ظل ابنه الأكبر يحاكيه ويأمل أن يكون حكما: “إن أعضاء جامعيين ومسؤولي قطاع التحكيم وقيادات رياضية قد وزعت الوعود عليها أثناء مراسيم التأبين، لكن ما أن رحل الفقيد حتى تبخرت كل الوعود وأصبحت مجرد كلام الليل الذي مسحه النهار”، وأضافت بأن زوجها الذي كان يعشق التحكيم وينذر حياته لخدمة الكرة المغربية، قد عانى من التهميش بعد رحيلة إلى دار البقاء وهو في مهمة رياضية.

راسلت خديجة بلاوي أرملة الراحل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم متسائلة عن مصير الوعود التي انهالت عليها يوم دفن الجثمان، لكنها لم تتلق الرد، بينما أعلن ابن الفقيد استقالته من الحكيم كي لا يكتوي بنار الجحود على غرار والده.

لحسن حظ الراحل بوشعيب وأسرته، أنه لم يكن يجعل من التحكيم مصدر قوته اليومي، فقد كان حريصا على الجدية أيضا في عمله بمؤسسة “مرسى ماروك” فرع المحمدية، حيث يجمع أصدقاؤه وزملاؤه في العمل بأنه “كان رجلا خلوقا جدا وملتزما ويخاف الله كثيرا، كما عرف بكرمه الكبير وبحبه وإخلاصه المتفاني في عمله، وكان دائما بشوشا في وجوهنا وحتى ولو كان قلقا غالبا ما يخفي قلقه عنا، لم يرتق رحمه الى حكم دولي بسبب هذا “المعقول” حيث كان ينتقد رحمه الله بعض الحكام وأصحاب القرار في لجنة التحكيم لتصرفاتهم اللا مسؤولة، الشيء الذي كان يتسبب له دائما في مشاكل معهم”.

وحدها أكاديمية المستقبل بالمحمدية نفضت الغبار عن الحكم الراحل، وأقامت سنة 2016 دوريا للفئات العمرية بملعب البشير يحمل اسم بن سلطانة، والباقي اختار الصمت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى