شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

قصة مُتهم بالإرهاب جر صحيفة إلى القضاء بدعم من المخابرات

يونس جنوحي

أصبحت الجزائر، بعد وفاة الرئيس محمد بوضياف، تستحق فعلا لقب بلد «أجهزة الجنرال توفيق». هذا الأخير أصبح على رأس هرم من الأجهزة السرية التي تتحكم في المخابرات المدنية والعسكرية. وتحته عشرات المخلصين له المستفيدين من امتيازات لا حصر لها في الداخل والخارج.

أصبح المشهد في الجزائر بعد 1992 كاريكاتوريا. يحكي هشام عبود قائلا: «سياسة زرع المخبرين والتحكم كانت هي السلاح الأنجع الذي استعملته مصالح الجنرال توفيق. المجموعات الإرهابية أُحدثت على خلفية الأحداث والوقائع المتعاقبة. الاتفاقيات جرت بين الجبهة الإسلامية المسلحة للإنقاذ، وبين قسم الاستعلامات والأمن الذي يمثله الجنرال إسماعيل العماري. هذه كانت دليلا على التواطؤ وتورط مافيا الجنرالات مع المجموعات الإرهابية».

 

دولة الإرهاب

يفضح هشام عبود العلاقة الملتبسة بين رموز المجموعات الإرهابية التي أراقت دماء الجزائريين في الشوارع خلال العشرية السوداء.

يعطي هشام عبود المثال بأحمد بن عيشة، عندما تابع أسبوعية «الخبر» بسبب نشرها صورة مركبة له وهو يحمل «كلاشينكوف» وحزاما للذخيرة. عندما جاء إلى جلسة المحكمة، كان محميا بأسطول من رجال الأمن.

يعتبر هشام عبود هذا الشخص من بين المسؤولين عن تغول الجماعات الإرهابية ويتساءل أين يمكن أن ترى مشهدا مشابها في العالم؟ لا بد وأن هذا الأمر لا يحدث إلا في جزائر الجنرالات..، لأن هذا الرجل الذي وفرت له المخابرات الجزائرية الحماية أثناء متابعته لصحيفة أسبوعية جزائرية، كان في السابق في لائحة الإرهابيين الأكثر طلبا، بل ووضعت مكافأة على رأسه مقدارها خمسة ملايين فرنك فرنسي.

إنه فعلا أمر محير ودليل على أن مافيا الجنرالات كانت تستقطب إليها أطرافا من المعسكرين. إذ يمكن أن يكون شخص ما خطرا على الدولة ومطلوبا للعدالة، لكنه يتحول في رمشة عين إلى شخص محمي يحظى بعناية الأجهزة السرية، بل ويصبح بمقدوره متابعة الصحافة في ردهات المحاكم وجر الصحافيين إلى القضاء لأنهم صوروه حاملا سلاح «كلاشينكوف».

 

في كل مكان..

يقول هشام عبود إن تناقضات مشابهة كانت في كل مكان. إذ إن شخصا آخر، هو أحمد المراني، كان أحد أبرز رموز جبهة الإنقاذ، وأصبح بقدرة قادر مستشارا للوزير الأول أحمد غزالي، ثم مع الجنرال توفيق، ثم أصبح وزيرا في حكومة كان هدفها الأول محاربة تغلغل الإسلاميين.

هذا التلاعب بالخيوط رصده هشام عبود، وسلط من خلاله الضوء على تناقضات نظام الجنرالات في الجزائر. والخلاصة أن هؤلاء الجنرالات صنعوا الفزاعة وصنعوا من يخنقها أيضا. كان كل شيء يدور في فلكهم.

لكن، بالمقابل، سجل معارضون جزائريون دعمهم للإسلاميين مؤكدين أنهم كانوا أبرياء مما نُسب إليهم. إذ إن الجنرالات كانوا قد زرعوا رجالهم في قلب تنظيم جبهة الإنقاذ، وحاولوا نسب عدد من العمليات الإرهابية إليه، ثم انسحب المخططون لتلك الأعمال من حلبة الإسلاميين وعادوا إلى مواقعهم الحقيقية في حربهم ضد الإسلاميين، خصوصا بعد اكتساحهم للانتخابات سنة 1992.

وما أكد أن انضمام المراني إلى الإسلاميين كان هو سبب ترقيه في الأجهزة الأمنية ودخوله عالم القصر الجمهوري ومكتب مستشاري الوزراء، أنه لم يكن يتوفر نهائيا على أي تكوين سياسي أو أكاديمي يخول له الوصول إلى هذه المناصب. إذ إن هشام عبود يؤكد أنه كان مجرد عامل بسيط في «مخزن»، ثم، بسبب انضمامه إلى جبهة الإنقاذ، أصبح في قلب اهتمام الأجهزة الأمنية، ودخل عالم الإسلاميين لهذا السبب، قبل أن تتم مكافأته ليعمل في مناصب أكثر أهمية في الدولة.

لقد كان الجنرالات يكافئون رجالهم بسخاء. لا يترددون في وضع رجال، مهما كان مستواهم العلمي والأكاديمي متواضعا، في أرقى المناصب، تشجيعا لآخرين على المضي على الطريق نفسه.

والنتيجة أن أكاديميين وخبراء أمنيين وعسكريين وجدوا أنفسهم في مواقع أقل شأنا، ومنهم من عانى من بطالة مطولة، فقط لأن الصفوف الأمامية كانت تعج بهؤلاء الذين ذكر لنا هشام عبود أبرزهم.

يأتي دور رجل آخر عرف في أوساط أعضاء جبهة الإنقاذ، وهو سعيد گشي، وهو أحد الأعضاء المؤسسين للجبهة، كان في وقت سابق وزيرا للتشغيل والشؤون الاجتماعية في حكومة سيد أحمد غزالي، قبل أن يتم تعيينه في منصب دبلوماسي رفيع في سفارة الجزائر في المملكة السعودية. وهو ما يمكن اعتباره مكافأة له من النظام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى