الافتتاحية

قلب العثماني وسيفه

عاد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني لممارسة هوايته المفضلة عند اندلاع أي احتجاجات اجتماعية، بالهروب إلى الأمام ورمي المسؤولية السياسية على الوزراء. ففي فصل جديد من فصول يوميات الفقيه العثماني، اختار رئيس الحكومة المؤتمر الثالث لجمعية محامي حزبه ليرمي بكرة من لهب في ملعب وزير التربية الوطنية في ملف الأساتذة المتعاقدين ويضعه في الزاوية الضيقة، طالبا منه فتح حوار مع المتعاقدين والذهاب إلى أبعد ما يمكن في إطار ما وعدت به الحكومة من إصلاح منظومة وضعية هؤلاء الأساتذة، رغم أنه كان على إدراك تام أن الوزير في حكومته رفض قبل ساعات من تصريح العثماني الجلوس للحوار مع التنسيقية الوطنية لأساتذة التعاقد، مشددا على أن أي حوار حول هذا الملف سيتم عبر النقابات وليس التنسيقيات.
طبعا هاته ليست هي المرة الأولى التي يحرج فيها العثماني وزراءه ويتحول إلى نقابي يطالب بالحوار للتسلل من المسؤولية السياسية الملقاة على عاتقه كرئيس للحكومة، فقد سبق أن وضع نفس الوزير في «كوليماتور» البوليميك خلال أزمة مصطلحات «البغرير»، وبعدها خرج ليحمل وزيره المسؤولية في لغة التدريس التي يتضمنها قانون الإطار الذي صادق عليه المجلس الحكومي برئاسة العثماني نفسه. لكن الجبن السياسي وهوس ربح نقاط سياسية بأي ثمن يجعل رئيس الحكومة يتبرأ بسرعة خاطفة من أي قرار مثير للغضب الاجتماعي، فيما يقدم نفسه صاحب القرارات النادرة التي تحظى بنوع من القبول.
والجميع يعلم أن الاستجابة لجميع مطالب أكثر من 50 ألف متعاقد تفوق اختصاصات قطاع معين وتتجاوز صلاحيات وزير، ويتداخل فيها هاجس الكلفة المالية، التي يقرر فيها وزير المالية والملاءمة النظامية التي يقرر فيها وزير الوظيفة العمومية والاستشارة القانونية التي تقدمها الأمانة العامة للحكومة والحاجيات المطلوبة التي تحددها وزارة التربية الوطنية، وقبل كل هذا التأشير وحدود الإمكانيات التي يضعها رئيس الحكومة، باعتباره المسؤول الأول والأخير عن قرارات من هذا الحجم.
لذلك، فإن محاولة العثماني اختزال موضوع فوق قطاعي في جلسة حوار يشرف عليها وزير في حكومته، ليست سوى محاولة لذر الرماد على العيون، وإظهار أن قلب العثماني مع المحتجين فيما سيف قراراته يقطع رؤوسهم كل يوم.
وهو الدور نفسه الذي حاول العثماني لعبه عندما اندلعت أزمة التجار الصغار بسبب قصة الفواتير، فحمل المسؤولية لوزير المالية وحزبه، علما أن القرار عرض وصودق عليه في المجلس الحكومي ومر من المؤسسة التشريعية قبل أن يصدر في الجريدة الرسمية.
ويبدو أن عادة التملص من المسؤولية ورميها في ملعب وزراء الأحزاب المنافسة داخل نفس الحكومة، أصبحت رياضة مفضلة للعثماني، إذ عِوَض أن يتحمل مسؤوليته كرئيس للحكومة كلما اندلع حريق في قطاع حكومي، يفضّل أن يضع نفسه كواحد من أيها الناس، وكأن الأمر لا يعنيه بل يعني الوزير المكلف بالقطاع الذي شبت فيه النار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى