شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

قل هاتوا برهانكم..

 

مقالات ذات صلة

 

محمد منضوري

 

يكفي أن تترك أعمالك تتحدث عنك وسترى عجبا.. هذا بالضبط، وباختصار شديد، ما حصل مع وليد الركراكي وكتيبته من أسود الأطلس في «غزوة قطر». بدل كثرة الكلام والوعود والشعارات، اكتفى الناخب الوطني أثناء الاستعداد للحدث الكروي العالمي بخطة ما قل ودل، وسطرها في كلمتين اثنتين لا أقل ولا أكثر؛ النية والعمل.. ولأن الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى، فقد شاهد العالم كله هذا الإنجاز العالمي غير المسبوق لأول بلد عربي وإفريقي، وتابع الاحتفاء الملكي والالتفاف الجماهيري الواسع، الذي أبهر سكان المعمور من مختلف الأجناس والأعراق.

تعيين وليد لتدريب النخبة الوطنية جاء قبل ثلاثة أشهر فقط من تنظيم مونديال قطر، ما اقتضى منه الجمع بين الفعالية والسرعة النهائية، فكانت الحصيلة المشرفة التي نقلتنا من واقع الخيبات والانكسارات، التي عمرت سنوات طوال، إلى طفرة الانتصارات والأفراح، التي عمت بقاع الأرض من الخليج إلى المحيط، بعدما أقصى منتخبنا عددا من أعتى المنتخبات، التي كانت مرشحة للفوز بالكأس العالمية، وهو أمر أقرب إلى الإعجاز منه إلى الإنجاز.

الانتصارات المغربية في نهائيات كأس العالم ستصبح دون شك مرجعا للمنتخبات العربية والإفريقية، التي فتح لها المنتخب الوطني الباب على مصراعيه، بعدما تمكن من محو تلك الصورة النمطية عن الفرق الوطنية القادمة من دول “الجنوب”، والتي تأتي للتظاهرة الدولية فقط من أجل المشاركة وتنشيط البطولة وليس من أجل التتويج.

وليس مبالغة تشبيه ما أحدثه الأسود في كرة القدم العالمية بالانقلاب، الذي فاجأ المراقبين وأدهش نجوم الرياضة الأكثر شعبية، وأدى إلى حدوث زلزال في العقلية السائدة وارتدادات في الجهاز المفاهيمي، الذي هيمن لعقود على إنسان العالم الثالث. وربما لذلك تحدث الركراكي عن ضرورة تغيير العقليات، مثل أي مثقف عضوي أو فيلسوف من عصر الأنوار.

والسؤال المطروح الآن، مع هذه الثورة الكروية لمنتخبنا، هو هل يمكننا أن نستنسخ هذا النجاح لننقله إلى باقي مجالات الحياة فنودع مفاهيم القابلية للهزيمة والإحساس بالمنبوذية وسيكولوجية الإنسان المقهور؟ نعم نستطيع إذا اجتمعت النية الصادقة مع العمل الجاد.. نستطيع أن نتخذ من هذه الروح التي أحياها الفريق الوطني درسا يختصر كل المحاضرات والنظريات، ليؤكد حقيقة اجتماعية واحدة تلخصها المقولة الفكرية التي تعتبر النجاح ليس إلا قدرة وإرادة..

أما الاحتفاء الجماهيري العارم بالأبطال المغاربة فيؤكد أن الأعمال الناجحة تتحدث عن نفسها وعن صاحبها، ولا يملك حتى أعداء النجاح إلا التسليم بها.. والدليل على ذلك هو هذا التحول الكلي في الخطاب السائد، سواء من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر التعبير المباشر في الشوارع والساحات. فقد تراجعت لغة الانكسار والتذمر والشكوى.. وحلت محلها عبارات الانتشاء والفخر والاعتزاز.

في الرياضة كما السياسة، وفي الاقتصاد كما الإدارة.. ليس ضروريا أن تكثر من التقارير والندوات والمنشورات، التي تعدد فيها نتائج عملك والجهد الذي بذلته والوقت الذي استغرقته والميزانيات التي استهلكتها.. بل يكفي أن يرى الناس صحائف عملك. والدليل كما نرى لا كما نسمع، إذ تحول معظم المنتقدين وجل المعارضين السياسيين، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، إلى أول المشجعين لأبطال المنتخب الوطني المغربي وأكبر المؤيدين لوليد الركراكي.. فهل أجبر الأسود كل هؤلاء على حبهم وتأييدهم والاحتفال بحصيلتهم، والخروج بتلقائية وبكثافة جماهيرية منقطعة النظير، للتعبير عن مشاعرهم الصادقة وإخراج كل تلك الأشياء الجميلة الكامنة في نفوسهم على شكل صور فنية وموسيقية وحركية؟

إنها حاجة الناس إلى الفرح الحقيقي، حينما تلتقي مع النية الصادقة. إنه المفعول السحري للعمل الملموس، الذي ظل الجميع ينتظرون رؤيته في واقعهم اليومي؛ في الإدارات والمؤسسات العمومية.. في الصحة والتعليم.. في الرياضة والخدمات.. فهل بقي بعد اليوم من عذر أو مبرر لتلك الديناصورات الجاثمة لعقود في مواقع المسؤولية، وعلى رأس المجالس المنتخبة، تراكم الفشل والخيبات في الأقاليم والجماعات.. ولم ير المواطنون لها من إنجاز ملموس أو تطوير لأداء سوى ما تعلق بتنمية ممتلكاتها الشخصية وتضخم أرصدتها البنكية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى