الرأيالرئيسية

قمة «انتصار» الأسد

حسام كنفاني

لم يكن البيان الختامي للقمة العربية، التي عُقدت بجدة، قبل أيام قليلة، مختلفا عن أي من البيانات السابقة الصادرة عن كل القمم العربية، والتي عادة ما تبقى حبرا على ورق. ومع ذلك كانت هذه القمة مختلفة، بعدما سطرت عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، رغم كل الجرائم التي ارتكبها ولا يزال يرتكبها بحق الشعب السوري. عودة كان لافتا فيها احتفاء معظم القادة العرب بالأسد، باستثناء أمير قطر تميم بن حمد الذي غادر القمة قبل كلمة رئيس النظام السوري.
جاءت مشاركة الأسد في هذه القمة بعد 13 عاما على آخر قمة عربية حضرها، وكانت في مدينة سرت الليبية. ورغم ما حصل خلال هذه الأعوام، وما شهدته سوريا من أحداث وتدخلات إيرانية وروسية، إلا أن الأسد لم يخجل من العودة إلى محاضراته وتعريفاته التي كان يلقيها في القمم العربية وغيرها من التجمعات.
محاضرته أخيرا جاءت عن «ترتيب الشؤون العربية من دون التدخلات الخارجية». كلام لافت من رئيس شرع الأبواب لروسيا وإيران للسيطرة على مفاصل البلاد، اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، فقط لمساعدته على البقاء في سدة الحكم بعد عام 2015، حين كانت المعارضة السورية على مشارف دمشق ومسيطرة على معظم الأراضي السورية. والجميع يعلم اليوم، ومن بينهم الأسد نفسه، أن الحكم الفعلي في سوريا اليوم هو لروسيا وإيران، وأن صراعا مكتوما يجري بين الطرفين على الأراضي السورية.
لم يتوقف الأسد عند هذه النقطة، بل زاد بنصح الزعماء العرب «بتطوير ومراجعة ميثاق الجامعة العربية ونظامها الداخلي، لتتماشى مع متطلبات العصر». «تطوير» ربما مماثل لما قام به في بلاده لتأبيد حكم الديكتاتورية بغض النظر عن رغبات الشعوب العربية، وتشكيل «المجتمع المتجانس»، بعد طرد وقتل كل من لا يستطيع التعايش مع حكم الديكتاتورية.
لم نكن يوما متوهمين بدور حقيقي لجامعة الدول العربية أو القمم التي تعقدها، لكن كان هناك أمل في أن تحافظ على الأقل على موقف أخلاقي كانت اتخذته في بداية الثورة السورية، بعدما جمدت عضوية سوريا في الجامعة. إلا أنه حتى موقف كهذا فشلت الجامعة العربية في الاحتفاظ به، رغم أن لا شيء تغير، فالقتل لا يزال قائما، والمعتقلون لا يزالون في السجون، وملايين السوريين أضحوا لاجئين ونازحين. حتى أن الجامعة والمسؤولين العرب لم يكلفوا أنفسهم عناء مساومة الأسد مقابل إعادته إلى «الحضن العربي»، أو ربما حاولوا وفشلوا كالعادة، فالأسد لم يقدم أي مؤشر «حسن نية» مقابل استعادة مقعد سوريا في الجامعة، بل بدا غير مكترث بالأساس لهذه العودة التي جاءت بعد إلحاح من عدة دول عربية.
حتى البيان الختامي للقمة، والذي أطلق عليه اسم «إعلان جدة»، جاء خاليا من أي تحرك عربي باتجاه القضية السورية، والتي ما زالت قضية متأزمة، حتى لو قدم الأسد نفسه منتصرا، وهو ما فعله بالفعل. البيان أشار إلى هذه القضية بكلام عام، مثل «تكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سوريا على تجاوز أزمتها، بما يخدم المصلحة العربية المشتركة والعلاقات الأخوية التي تجمع الشعوب العربية كافة». وكان لافتا استخدام كلمة «تكثيف»، على اعتبار أن هناك جهودا قائمة بالفعل. لكن البيان لم يعرف ما هي أزمة سوريا فعلا، وهو الذي تجاهل الحديث عن حل سياسي ممكن في البلاد، أو طالب بمعرفة مصير عشرات آلاف المعتقلين، وحتى لم يتطرق إلى القرارات الدولية الخاصة بالأزمة السورية، أو على الأقل يدعو إلى مصالحة وطنية بعد كل ما شهدته البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى