
ما حدث في مدينة فاس من انهيار عمارتين وسقوط ضحايا وجرحى، لا يمكن القفز عليه واعتباره حادثا معزولا، بل هو إنذار صارخ عن واقع خطير يهم جميع المدن المغربية التي تحتضن مئات البنايات الآيلة للسقوط. هذه البنايات تحولت للأسف إلى قنابل موقوتة تهدد حياة السكان والمارة على حد سواء، في ظل تراكمات مزمنة وفشل ذريع في معالجة الملف رغم تقارير لجان المراقبة، واجتماعات المجالس الفاشلة، والتقارير الإعلامية المكثفة والشكايات التي تنتهي بالأرشيف خارج السرعة والنجاعة المطلوبتين في التجاوب معها.
إن رؤساء وأعضاء المجالس الجماعية، الذين يفترض فيهم التواجد في قلب التدخلات الوقائية، غالبا ما يكتفون بإجراءات لحظية عندما ترتفع حرارة الاحتجاجات والشكايات ويقومون بتسييج البنايات المهددة بالانهيار أو إصدار مراسلات إدارية لا تسمن ولا تغني من خطر.
لقد سبق في اجتماعات رسمية تمت تحت إشراف عمال الأقاليم بحضور ممثلي قطاعات وزارية، على رأسها وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، إحصاء آلاف البنايات في مختلف الأحياء والمدن العتيقة، لكن التدخلات الفعلية تبقى محدودة، وغياب التنسيق الأمثل وتحديد المسؤوليات بين الجماعات الترابية والعمالات والقطاعات الوزارية المعنية يعمق الأزمة، في ظل مبررات ضعف الميزانيات واستمرار الاحتجاج على غياب الحزم في تنزيل القوانين المنظمة للبناء والسلامة.
إن الأخطار القائمة بسبب البنايات الآيلة للسقوط لا تقبل التأجيل والتسويف، والمطلوب في الوقت الحاضر هو تفعيل المحاسبة بعد تحديد المسؤوليات وتفادي تقاذفها ومطاردة الساحرات عند تسجيل كوارث الانهيارات، والصرامة في مراقبة الورشات، وزجر الغش في مواد وأساليب البناء ومراعاة الضمير ومراقبة الله في التأشير على صلاحية البناء والقطع مع الرشوة والقرب الانتخابي، وإجبار الملاك على احترام الضوابط القانونية وشروط السلامة والوقاية من الأخطار، لأن سلامة وحياة المواطنين ليستا رهينة بتقارير إدارية ولا بإجراءات متأخرة أو صراعات الورثة ومشاكل الكراء أو تعقيدات ترميم الواجهات الأثرية أو ما شابه ذلك من الإكراهات والمعيقات التي يتم طرحها في الاجتماعات.
وعندما نقول ملف البنايات الآيلة للسقوط، فإن الأمر طبعا يتعلق بمسؤولية جماعية، تتطلب أن يتم استنفار المجالس الجماعية والقطاعات الوزارية والولاة وعمال الأقاليم، وتحلي ملاك البنايات ومن يكترونها بالمواطنة والمساهمة في تسهيل عمليات الهدم وإعادة البناء أو الصيانة والقيام بالإصلاحات الضرورية، وذلك تفاديا لانفجار قنابل موقوتة أخرى لا قدر الله.
وختاما فإن ملف البنايات الآيلة للسقوط بالمغرب لم يعد يحتمل التسويف أو المعالجة بالمسكنات والتحرك بمنطق الحملات عند تسجيل كوارث وحوادث أليمة، بل يتطلب الأمر إرادة قوية ورؤية استراتيجية تنطلق من واقع المدن واحترام الأولويات في التدخل لحفظ شروط السلامة والوقاية من الأخطار. ومن هذا المنطلق، يجب تجاوز منطق رد الفعل ومعالجة النتائج بعد الكوارث، بالمرور بسرعة إلى المعالجة الاستباقية والوقائية، لأن سلامة الأرواح فوق كل اعتبار، ولا يمكن تحقيق أي تنمية حضرية دون معالجة هذا الملف الشائك والخروج من مأزق تراكماته بمنحه ما يستحق من جدية في العمل وصرامة في المحاسبة، فهل تكفي هذه المرة أجراس الإنذار لاستيقاظ الجهات المعنية؟





