حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةملف التاريخ

كواليس منسية من أول زيارة ملكية إلى أمريكا

حدثت في مثل هذه الأيام قبل 64 سنة وتناقلت لحظاتها كل صحف العالم

 يونس جنوحي

«كان حصول الملك الراحل محمد الخامس على الدكتوراه الفخرية في ذلك التاريخ، حدثا استثنائيا، وغير معتاد. إذ لم يكن وقتها شائعا أن يحصل زعيم عربي على هذا التكريم والاعتراف الجامعي والأكاديمي. وهكذا دخلت هذه الزيارة التاريخ، بحكم أن الإعلام العربي وقتها ممثلا في وكالات الأنباء، احتفى بحصول الملك محمد الخامس على درجة الدكتوراه الفخرية، حتى أن بعض الصحف العربية مثل «الأهرام»، إحدى أقدم الصحف في العالم العربي، نشرت صورة مرفقة بتعليق تعلن فيه افتخار الأمة العربية قاطبة بهذا الاعتراف الأمريكي بشخصية الملك الراحل محمد الخامس.

كان الأمريكيون على أقصى درجات الترحيب بالملك محمد الخامس، حيث قرر الرئيس الأمريكي وقتها أن يتم إعداد برنامج غني للملك الراحل، لكي يتعرف على تجارب الولايات المتحدة في مجال الزراعة وصناعة الأدوية. وقد عرض فعلا مستشارون للرئيس أيزنهاور أن تتم برمجة شراكة في المجال الفلاحي والصناعي، إذ كان المغرب باعتباره بلدا حصل للتو على الاستقلال، سوقا استثماريا كبيرا، خصوصا وأن تقارير «CIA» كانت قد رصدت مطالب الحكومة المغربية، ممثلة في وزراء حزب الاستقلال، بتسريح المسؤولين الفرنسيين في الإدارات المغربية المستقلة، وكانت تلك فرصة لعرض خدمات الأمريكيين. لكن الأمر لم يتم بالصورة التي كان يتصورها مستشارو الرئيس «أيزنهاور».

 

+++++++++++++++++++

كواليس من أول زيارة ملكية إلى أمريكا في التاريخ

عندما قرر الملك الراحل محمد الخامس أن يزور الولايات المتحدة الأمريكية يوم 23 نونبر 1957، ويحظى باهتمام الأمريكيين قرابة أسبوعين، كان قد كتب تاريخا جديدا بين البلدين، بدأه بأول زيارة رسمية لملك مغربي إلى أمريكا في التاريخ. رغم أن العلاقات الودية المغربية الأمريكية تعود إلى سنة 1820، بينما المراسلات الأولى بينهما تعود إلى مرحلة 1780، مباشرة بعد استقلال أمريكا بفترة قصيرة. ولا حاجة طبعا إلى التذكير بأن الأمريكيين احتفلوا بزيارة الملك محمد الخامس، بعد ما عنونت صحف أمريكية مقالات حماسية تعلن من خلالها، أن ملك أول دولة في العالم اعترفت باستقلال الولايات المتحدة، يزور أمريكا ذلك اليوم.

لهذا السبب تحولت أرضية المطار، وشوارع واشنطن العاصمة، إلى خط بشري طويل من المتفرجين، وتابع أجواء وصول الملك الراحل إلى أمريكا الآلاف على شاشات التلفزيون. وكانت تلك أول مرة تحتفل أمريكا بطريقة «شعبية» بوصول زعيم عربي إليها.

جاء في الصحافة الأمريكية أن الملك محمد الخامس يزور البلاد في رحلة ودية. لكن الصحف، خصوصا «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» عنونتا مقالات افتتاحية مفادها أن الملك المغربي سيناقش في البيت الأبيض بالتأكيد، ملف القواعد العسكرية الأمريكية في بلاده. وجاء في هذه المقالات أن الملك المغربي قد يطلب إجلاء الأمريكيين من تلك القواعد. واعتبرت هذه الصحف الأمر خطيرا، إذ إن أمريكا وقتها كانت تعيش على إيقاع الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي، وكانت تحتاج إلى قواعد جوية وبرية متأهبة لصد أي هجوم سوفياتي على الولايات المتحدة، قبل أن يقطع المحيط، وكان الموقع الاستراتيجي للمغرب يسمح بهذه العملية. وهكذا كان خبر إجلاء الأمريكيين من القواعد في المغرب، بهذه الأهمية التي أحيطت به.

جل الصحافيين، كما عموم الأمريكيين لم يكونوا يعرفون أي شيء تقريبا عن المغرب، باستثناء أنه دولة تقابل أمريكا في الضفة الأخرى للمحيط، وأن الملك المغربي يمثل نظاما ملكيا ضاربا في التاريخ.

كانت الصحافة الأمريكية تتابع يوميات الزيارة الملكية أولا بأول، خصوصا وأن الرئيس الأمريكي وقتها «أيزنهاور» ظهر في التلفزيون محتفيا بالملك محمد الخامس، وظهرا معا وهما يتجهان في سيارة مكشوفة إلى مقر الإقامة في البيت الأبيض. كما أن جحافل من المصورين الفضوليين كانوا يرابطون أمام الفندق، الذي تحول إلى إقامة للملك محمد الخامس ومرافقيه، حيث إن صورة الملك الراحل بالجلباب المغربي والطربوش كانت تحظى باهتمام كبير من طرف الأمريكيين.

إذ إن الملك محمد الخامس ظهر في كل الصور بجلباب مغربي تقليدي، حتى أثناء زيارته إلى مقر الترفيه الأشهر في العالم «ديزني لاند»، لصاحبه ومؤسسه «والت ديزني».

ورغم أن المغرب وقتها لم يفتح بعد سفارة في واشنطن، إلا أن الاتصالات بين المغرب وأمريكا كانت متينة، ممثلة في سفارة الولايات المتحدة بالرباط، حيث كان التنسيق مكثفا من أجل إقامة مريحة للملك الراحل محمد الخامس، واقترح الأمريكيون ربط لقاءات للملك مع شخصيات سياسية ودبلوماسية أمريكية، سرعان ما تحولت الأخبار التي نشرتها الصحافة الأمريكية بشأنها إلى دعاية كبيرة وقوية للمغرب، سيما وأن البلاد كانت قد حصلت للتو على الاستقلال، وتناضل لاستكمال الاستقلال الكلي واستعادة الأقاليم الجنوبية من الاحتلال الإسباني.

زيارة محمد الخامس إلى الولايات المتحدة أربكت الإسبان، والفرنسيين أيضا، خصوصا وأن بعض الأخبار التي نشرتها الصحافة الفرنسية، روجت لإمكانية إبرام الملك الراحل لاتفاقيات أمنية وعسكرية مع الأمريكيين، وهو ما يشكل إضعافا للحظوة الفرنسية في المغرب بعد الاستقلال، سيما وأن الاتفاق المغربي الفرنسي وقتها كان يتحدث عن انسحاب تدريجي فرنسي من الإدارات. بل إن المغرب سنة 1957 كان لا يزال يستعمل أسطول الطائرات التي تسلمها من فرنسا بعد الحرب العالمية الأولى، والتي كانت في وضعية متهالكة. وكانت زيارة الملك محمد الخامس إلى أمريكا، فرصة حقيقية أمام المغرب لإبرام الاتفاقيات التي فعلا تم بموجبها تجديد الأسطول المغربي بطائرات أمريكية متطورة، وإبرام اتفاقيات بشأن المساعدات الأمريكية إلى المغرب، والتي استمرت بعد وفاة الملك الراحل محمد الخامس.

 

صور الملك في «ديزني» ألهبت مجلات العالم

رغم أن الرحلة الملكية إلى أمريكا لم تكن بهدف الاستجمام، وإنما بهدف مناقشة ملفات مهمة بين البلدين، إلا أن الصور التي نشرت في الصحافة العالمية، بشأن زيارة الملك الراحل محمد الخامس إلى الولايات المتحدة كانت تتنوع بين الرسمية والودية.

لكن أكثر ما أثار اهتمام صحف العالم والمجلات الدولية المهتمة بأخبار المشاهير، صور الملك محمد الخامس وهو يتجول في عالم «ديزني»، الذي كان ثورة حقيقية في عالم الترفيه، وكانت شهرة صاحبه «والت ديزني» قد وصلت إلى العالم بأكمله.

من بين المجلات التي أعدت استطلاعات عن رحلة الملك الراحل محمد الخامس داخل «ديزني»، كانت هناك صحيفة «لايف»، التي سبق لمصورها أن جاء إلى القصر الملكي بالرباط سنة 1955، ونشر سلسلة من الصور المثيرة لعودة الملك محمد الخامس من المنفى، وجولته بالقصر الملكي، واستقباله للأعيان الذين جاؤوا لتهنئته بالعودة، ويتعلق الأمر بالمصور «توماس مكافوي».

كان «والت ديزني» شخصيا في استقبال الملك محمد الخامس، حيث عرض عليه أحدث الألعاب التي ابتكرها وأحدث المؤثرات البصرية التي توصل إليها مهندسو صناعة الترفيه، ومنها ولوج دوامة تشبه مجسم التمساح، وهي المعلمة الشهيرة التي انتشرت صورها عبر العالم، باعتبارها واحدة من أولى محاولات صناعة الترفيه، بالإضافة إلى برك للأمواج الاصطناعية، وشلالات صناعية تشعر الداخل إليها وكأنه في الأدغال.

الزيارة الملكية إلى أشهر مقر ترفيه في العالم تم استثمارها سياسيا، إذ إن الملك الراحل محمد الخامس ظهر بإخراج أمريكي صديقا للأمريكيين، وهو ما كان يعني سياسيا أن اتفاقيات سوف تبرم بين الولايات المتحدة والمغرب، وأيضا، كان يعني أن ملف القواعد الأمريكية في المغرب سوف يُحل بشكل ودي.

كانت الزيارة الأولى للملك محمد الخامس إلى أمريكا، فرصة لآلاف الأمريكيين لكي يتعرفوا على المغرب. فعندما طالعوا صوره بالجلباب المغربي وهو يتمشى مع «والت ديزني»، الذي أبدى بالمناسبة تقديرا كبيرا جدا للملك الراحل، قرروا رأسا أن يتوجهوا إلى المغرب لاستكشاف هذا البلد الذي حصل لتوه على الاستقلال. وما شجع هؤلاء الأمريكيين على المجيء، هو التاريخ الضارب في العمق بين البلدين. فمدينة طنجة التي كانت منطقة دولية كانت معروفة في أمريكا، بالإضافة إلى أن الأمريكيين لم يكونوا يعرفون من شمال إفريقيا سوى المغرب، بفضل محطة تاريخية بارزة وهي الإنزال العسكري في المغرب سنة 1943، حيث تابع ملايين الأمريكيين صور أبنائهم وهم ينزلون من السفن في الشواطئ المغربية، وترسخت لديهم فكرة أن المغرب حليف عسكري قوي للولايات المتحدة.

وهكذا كانت الزيارة الملكية الأولى إلى أمريكا، والأخيرة بالنسبة إلى الملك الراحل محمد الخامس، محطة مهمة جدا ليس للمغاربة فقط، وإنما للأمريكيين أيضا.

+++++++++++++++++++++

تجربة صحافي مغربي من أوائل من زاروا أمريكا سنة 1957

يتعلق الأمر بالصحافي المغربي علي بركاش، الذي كتب عن تجربة زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية في السنة نفسها، التي زارها الملك الراحل محمد الخامس، أي في سنة 1957، في مؤلف فريد اختار له عنوان «أمريكا الشاهد والتاريخ».

إذ إن المسؤوليات التي تقلب فيها علي بركاش، لم تُنسه ماضيه في جريدة «العلم»، ومقالاته التي خطها وهو شاب عن زيارة الملك محمد الخامس إلى الولايات المتحدة يوم 23 نونبر 1957، والتي استمر اهتمام الإعلام الأمريكي بها طيلة أيام الرحلة التي استمرت ما يناهز أسبوعا كاملا، تلاه اهتمام إعلامي أمريكي لأسابيع أخرى بالمغرب.

زار علي بركاش الولايات المتحدة في العام ذاته، أي 1957، عندما كان صحافيا في «العلم»، لسان حال حزب الاستقلال، وكان وقتها الأمريكيون مهتمين بشخصية المهدي بن بركة، الذي كان آنذاك لا يزال عضوا بارزا في حزب الاستقلال، حكى هذا الصحافي كيف أن بعض الأمريكيين الذين التقاهم خلال الزيارة، سألوه عن هذا السياسي المغربي، وأبدوا اهتماما كبيرا بالمغرب والوضع السياسي للبلاد.

بالعودة إلى زيارة الملك محمد الخامس إلى الولايات المتحدة، فقد حظيت باهتمام إعلامي كبير. ويروي علي بركاش، الذي سبقت زيارته إلى أمريكا زيارة الملك الراحل، أن الأمريكيين الذين نسقت وزارة الخارجية الأمريكية لكي يلتقوه ويحاوروه ويطرح عليهم بدوره ما يشاء من أسئلة، كانوا مهتمين للغاية بشخصية الملك محمد الخامس، خصوصا وأنه سبق له وأن صنع عناوين صحف بارزة في أمريكا، عندما طلب من الرئيس الأمريكي في لقاء أنفا خلال مشاركة أمريكا في الحرب العالمية الثانية سنة 1943، أن يساند القضية المغربية ويقف في صف المغرب أثناء مطالبته بالاستقلال عن فرنسا وإلغاء عقد الحماية.

هذا الصحافي الذي واكب زيارة الملك محمد الخامس من خلال تجربة صحيفة «العلم»، كان من أوائل الصحافيين المغاربة الذين كتبوا عن العلاقات المغربية الأمريكية، بعد تجربة زيارة الولايات المتحدة. وبالتالي فقد كان يكتب بلغة العارف الذي سبق له وأن لامس وفهم شخصية الإنسان الأمريكي. ولم يكن سهلا وقتها أن يحظى زعيم دولة أجنبية باهتمام الشارع الأمريكي.

من بين النقاط التي جعلت زيارة محمد الخامس إلى الولايات المتحدة تحظى بكل الاهتمام الذي أحيطت به، أن الملك الراحل كان فاعلا مهما في محطة الحرب العالمية الثانية، حيث نزلت القوات الأمريكية «المارينز» والمشاة في الشواطئ المغربية. ووقتها كان الأمريكيون مهتمين للغاية بالمغرب، باعتباره بلدا فتح حدوده البحرية أمام الجيش الأمريكي للعبور إلى أوروبا، حيث كانت الحرب تلتهم أراضي فرنسا بسبب التوسع النازي.

متابعة الأمريكيين لأحداث الحرب العالمية الثانية جعلتهم يهتمون بالمغرب، سيما وأن شخصيات عسكرية مرموقة يعتبرها أمريكيو الخمسينيات، أبطال حرب حقيقيين، سبق لها الاشتغال في مناصب المسؤولية بالقواعد العسكرية في المغرب.

كتبت الصحف الأمريكية أن الملك الراحل محمد الخامس حل في زيارة ودية إلى أمريكا، وأنه يبحث مع نظيره الأمريكي ملفات تتعلق بالعلاقات بين البلدين، وما زاد من اهتمام الأمريكيين أن الصحافة كتبت أن المغرب حصل لتوه على الاستقلال، مما فتح شهية الصحافيين الأمريكيين للتساؤل عن مضامين الملفات التي تناقش فيها الملك محمد الخامس مع الرئيس الأمريكي، ومستقبل مئات المجندين الأمريكيين الذين كانوا يقضون الخدمة العسكرية في القواعد الأمريكية بالمغرب. وهذه النقطة بالذات جعلت الزيارة الملكية إلى أمريكا تحظى باهتمام أكبر.

 

قصة دكتوراه فخرية حصل عليها السلطان من جامعة جورج تاون

كان برنامج الزيارة الملكية إلى الولايات المتحدة حافلا، لكن حدثا مهما للغاية وقع بالضبط يوم 27 نونبر 1957، جعل ذلك اليوم استثنائيا في جل الدول العربية التي تابعت الحدث. إذ إن زيارة الملك الراحل محمد الخامس إلى عدد من المواقع والإدارات الأمريكية، تحولت إلى احتفال استثنائي، في قلب جامعة جورج تاون، حيث نقلت أمواج راديو «BBC» إلى المستمعين في العالم العربي، خبرا فريدا يتعلق بتسليم الملك محمد الخامس شهادة الدكتوراه الفخرية من تلك الجامعة، التي تعتبر واحدة من أعرق جامعات الدنيا.

كان الأمر جديدا، خصوصا وأن الملك الراحل كان من أوائل الزعماء العرب والمسلمين الذين يحصلون على شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة عريقة، مثل «جورج تاون». ولم يحصل رؤساء عرب معروفون على شهادة مماثلة إلا بعد سنوات.

قرر رئيس الجامعة منح محمد الخامس درجة الدكتوراه الفخرية، اعترافا بأهمية الدور الذي قام به الملك الراحل، أثناء الحرب العالمية الثانية.

كما أن أرشيف جامعة جورج تاون اليوم، لا يزال يحتفظ باسم الملك محمد الخامس، في السجل الذهبي للزوار الأكثر أهمية في تاريخ الجامعة. ولم تكن اللجنة التي وافقت على القرار عادية، بل كانت تتضمن نخبة من أبرز دكاترة الجامعة الذين يعتبرون من أشهر الأسماء في مجال العلوم والآداب ليس في الولايات المتحدة وحدها، وإنما في العالم.

لذلك كان حصول الملك الراحل محمد الخامس على الدكتوراه الفخرية في ذلك التاريخ حدثا استثنائيا، وغير معتاد. إذ لم يكن وقتها شائعا أن يحصل زعيم عربي على هذا التكريم والاعتراف الجامعي والأكاديمي. وهكذا دخلت هذه الزيارة التاريخ، بحكم أن الإعلام العربي وقتها ممثلا في وكالات الأنباء، احتفى بحصول الملك الراحل محمد الخامس على درجة الدكتوراه الفخرية، حتى أن بعض الصحف العربية مثل «الأهرام»، إحدى أقدم الصحف في العالم العربي، نشرت صورة مرفقة بتعليق تعلن فيه افتخار الأمة العربية قاطبة بهذا الاعتراف الأمريكي بشخصية الملك الراحل محمد الخامس.

ومن الأمور التي رافقت خبر الدكتوراه الفخرية، أن بعض الطلبة الأمريكيين رغبوا في التخصص في القضية المغربية، ومنهم من ربطوا الاتصال بأسماء من الحركة الوطنية لإنجاز بحث الدكتوراه في العلوم السياسية وشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عن المغرب وانكبوا على دراسته تاريخيا وسياسيا. ومن أشهر هؤلاء نجد الدكتور «واتربوري»، الذي يعتبر أحد أوائل الذين شرحوا الوضع السياسي بالمغرب وامتداده التاريخي، من خلال مؤلفه «أمير المؤمنين». بالإضافة إلى الدكتور «ماكماهان»، الذي كتب بدوره بحثا مثيرا عن الأحزاب السياسية المغربية وعلاقتها بالعرش، وخلص إلى أن الملك محمد الخامس يبقى أبا للحركة الوطنية وأحد رعاتها الأوائل، وهي حالة فريدة في الدول العربية، حيث كان بروز حركات وطنية تحررية رهينا أولا بمعارضة النظام.

الدكتوراه الفخرية التي حصل عليها الملك محمد الخامس من جامعة «جورج تاون»، كانت من أوائل المناسبات التي احتفلت فيها دول عربية بالمغرب، خصوصا وأن بعض هذه الدول كانت تعلق آمالا كبيرة على مشاركة المغرب بعد أقل من سنة على استقلاله، في أشغال اجتماع الأمم المتحدة. وهو ما وقع بالفعل، حيث إن الملك الراحل محمد الخامس شارك في اجتماع الأمم المتحدة، أياما فقط بعد حصوله على درجة الدكتوراه من جامعة «جورج تاون»، وتحدث من المنصة الشهيرة باللغة العربية، حيث ألقى خطابا تاريخيا أمام رؤساء دول العالم، طالب من خلاله باستقلال الجزائر عن فرنسا.

 

«CIA» حرصت على أن تكون الزيارة الملكية مُريحة

في سنة 2012، كانت بعض وثائق الـ«CIA»، قد صنفت في خانة الأرشيف الذي رفعت عنه السرية وأعيد ترتيبها. وهذه الوثائق تناولت علاقة الولايات المتحدة بعدد من الدول العربية، ما بين سنتي 1957 و1965، وكان المغرب على رأس هذه الدول.

كانت الزيارة التي قام بها محمد الخامس إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واحدة من أهم الأحداث التي طبعت مرحلة حُكم الملك الراحل، وهذا ما قاله الأمريكيون عنها في تقاريرهم، إذ أكدوا أنها أول زيارة يقوم بها ملك مغربي، وأنها الأهم إطلاقا في تاريخ العلاقات بين البلدين. كانت قد مضت سنة واحدة فقط على استقلال المغرب. وكانت الطائرة التي أقلت الملك محمد الخامس إلى الولايات المتحدة الأمريكية تتجه نحو الواجهة الزجاجية للمطار، حيث كان آلاف الأمريكيين يتابعون حدث وصول أول ملك من الدولة، التي كانت سباقة إلى الاعتراف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية.

لم يكن هذا الحدث لوحده ما حفز الإعلام الأمريكي على متابعة زيارة الملك محمد الخامس إلى أمريكا، ولكن لأن مكتب وكالة الاستخبارات المركزية كان في تلك السنة، ربط علاقات رسمية وطيدة مع المغرب ودول عربية أخرى، في إطار المنافسة التي دارت رحاها بينه وبين الاتحاد السوفياتي خلال مرحلة الحرب الباردة.

كان الخبراء الأمنيون والعسكريون الأمريكيون، يرون في المغرب مرادفا لموقع استراتيجي لقواعدهم.

خلال تلك الزيارة دائما، حظي الملك محمد الخامس باهتمام الإعلام الأمريكي، ومنحته جامعة جورج تاون دكتوراه فخرية، بالإضافة إلى أنه زار أيضا مقر الأمم المتحدة، وألقى فيه كلمة نقلتها وسائل الإعلام العالمية. وهاتان النقطتان كانتا أيضا موضوعا لتقارير المخابرات الأمريكية، حيث تكلف موظفو الـ«CIA» بتسجيل وأرشفة كل مقال، سواء بالعربية أو الإنجليزية، صدر بخصوص الحدث.

لكن أهم ما في الزيارة، ظهر بعد عودة الملك الراحل إلى المغرب، حيث عاد باتفاق مع الحكومة الأمريكية بخصوص ملف القواعد العسكرية. كما عاد بموافقة على صرف مساعدات للحكومة المغربية، ساعدت بشكل كبير في إخراج حكومة بلافريج، من أزمة خانقة، ووفرت مساعدات غذائية مهمة، سيما في مجال الفلاحة.

بالعودة إلى أيام الزيارة، فقد كان الأمريكيون على أقصى درجات الترحيب بالملك محمد الخامس، حيث قرر الرئيس الأمريكي وقتها أن يتم إعداد برنامج غني للملك الراحل، لكي يتعرف على تجارب الولايات المتحدة في مجال الزراعة وصناعة الأدوية. وقد عرض فعلا مستشارون للرئيس أيزنهاور أن تتم برمجة شراكة في المجال الفلاحي والصناعي، إذ كان المغرب باعتباره بلدا حصل للتو على الاستقلال، سوقا استثماريا كبيرا، خصوصا وأن تقارير «CIA» كانت قد رصدت مطالب الحكومة المغربية، ممثلة في وزراء حزب الاستقلال، بتسريح المسؤولين الفرنسيين في الإدارات المغربية المستقلة، وكانت تلك فرصة لعرض خدمات الأمريكيين. لكن الأمر لم يتم بالصورة التي كان يتصورها مستشارو الرئيس «أيزنهاور».

 

عسكريون متقاعدون أرادوا العشاء مع الملك والبروتوكول منعهم

(Original Caption) Ready to be swallowed up by the whale in Disneyland is King Mohammed V, of Morocco (left, foreground), in boat, during his tour of the famous land of make believe. His host, Walt Disney, is seated next to the king.

أحد هؤلاء العسكريين الأمريكيين اشتكى للصحافة الأمريكية من منع البيت الأبيض لناد من المتقاعدين من الجيش، من حضور حفل عشاء على شرف الملك محمد الخامس، خلال أيام زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

ما وقع أن هؤلاء المتقاعدين الأمريكيين سبق لهم الاشتغال في المغرب سنة 1943، واستقبلهم الملك محمد الخامس، نهاية الأربعينيات بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، أثناء احتفال في القصر الملكي بالرباط، وحظوا وقتها باستقبال مهم وأعطى الملك الراحل تعليمات لكي تقام لهم جولة في بعض المدن المغربية، ليتعرفوا من خلالها على مناطق المغرب، قبل رحيلهم النهائي إلى الولايات المتحدة.

وعندما سمع هؤلاء المتقاعدون الذين ختموا مشوارهم العسكري في القواعد الأمريكية بالمغرب، بزيارة الملك محمد الخامس إلى بلادهم، قرروا الاحتفاء به وحضور حفل العشاء الذي أقيم على شرفه، لكن إدارة البيت الأبيض اعتذرت لهم وقالت إن المقاعد كانت محدودة للغاية، وإن حفل العشاء الذي كانوا يريدون حضوره، كان أصلا مخصصا لأبرز نواب مجلس الشيوخ الأمريكي، وإن عشاء اليوم الذي يليه كان مبرمجا لتعرف الملك الراحل محمد الخامس على شخصيات سياسية أخرى. ورغم أن أعضاء نادي المتقاعدين حاولوا من جهتهم الوصول مع إدارة البيت الأبيض إلى اتفاق لتحديد يوم آخر، إلا أنهم فشلوا في الحصول على موعد، رغم أنهم أعلنوا للإدارة أنهم يرغبون فقط في لقاء الملك محمد الخامس لدقائق، وتقديم هدية تذكارية إليه، كشكر للمغرب على سنوات الخدمة التي قضوها في القاعدة الأمريكية بالقنيطرة.

ماذا كان التذكار الذي رغب هؤلاء المتقاعدون في تقديمه إلى الملك الراحل؟ حسب المقال الذي يوجد نصه في أرشيف مجلة للمنوعات بنيويورك، والتي نشرت الخبر وقتها، فإن هؤلاء العسكريين كانوا يريدون تقديم بندقية أمريكية الصنع ولوحة تذكارية تخلد لحظة نزول القوات الأمريكية في الشواطئ المغربية سنة 1943، إلى الملك الراحل، لشكره بطريقتهم على عنايته بهم، أثناء توديعهم بعد نهاية خدمتهم العسكرية في الرباط.

استاء هؤلاء العسكريون الذين انتدبوا خمسة مسؤولين سابقين منهم، اثنان منهم برتبة جنرال، لكي يقدموا الهدية إلى الملك محمد الخامس باسم الفرق التي كانوا يؤدون داخلها خدمتهم العسكرية في شمال إفريقيا، رغم أن البرقية التي توصلوا بها من إدارة البيت الأبيض كانت لبقة للغاية، ولم يكن فيها أي انتقاص من قدرهم ولا ماضيهم العسكري. إذ إن الرسالة كانت تشرح ظروف برمجة لقاءات للملك الراحل محمد الخامس، أثناء زيارته إلى أمريكا، وأخبرتهم الإدارة أنه لم يسبق لهم التواصل معها سابقا لبرمجة لقاء بالمناسبة. واعتبر هؤلاء العسكريون أنهم تعرضوا للإقصاء، سيما عندما طالعوا في اليوم الموالي صور الملك محمد الخامس على صفحات أغلب وسائل الإعلام الأمريكية، وأشهرها مجلة «لايف» التي نشرت صور الملك الراحل وهو يكتشف «وال ديزني»، وتذمر هؤلاء العسكريون من أن يكون صاحب أشهر أيقونة للرسوم المتحركة وأحد مشاهير صناعة الترفيه في العالم، أهم من عسكريين أمريكيين رغبوا في تناول العشاء مع الملك الراحل محمد الخامس ولم ينجحوا في مسعاهم.

هذه الواقعة تعكس إلى أي حد كانت الإدارة الأمريكية مشغولة بترتيب جدول الزيارة الملكية الأولى، في تاريخ العلاقات بين البلدين على الإطلاق.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى