الرأي

كيف نتذكر رامسفيلد

معن البياري

وحدها عائلة وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، دونالد رامسفيلد، خلعت عليه عند وفاته، الأربعاء الماضي، عن 88 عاما، أوصافا بالغة الشذوذ عن النعوت بالغة السوء التي عرف بها. قالت العائلة إن التاريخ سيذكر «إنجازاته الاستثنائية خلال ستة عقود من الخدمة العامة»، و«النزاهة» التي اتسمت بها حياته التي كرسها لخدمة الوطن. والمساحات شاسعة بين رامسفيلد هذا ورامسفيلد الذي كتب عنه موقع «إنترسبت» الأمريكي إنه «مجرم حرب تافه»، في عنوان مادة عنه. ولم يجد موقع «ديلي بيست» للوزير العتيد وصفا غير أنه «قاتِل 400 ألف شخص». وقبل نحو 50 عاما، نعت الرئيس نيكسون مستشاره الشاب بأنه «ابن حرام»، إبان كان هذا في أول مواقعه الرفيعة، والتي تتالت من رئيس موظفي البيت الأبيض إلى ممثل الولايات المتحدة لدى حلف الناتو إلى نائب عن إلينوي إلى وزير للدفاع في ولاية الرئيس فورد، الذي لم يتمكن من البقاء في البيت الأبيض رئيسا، فانصرف رامسفيلد إلى أعمال خاصة، ورئاسة شركات أدوية وعقاقير ومستحضرات صيدلانية، قبل أن يعيده جورج بوش الابن في 2001 وزيرا للدفاع، ليَذيعَ اسمه السيئ واحدا من صقور الحربين على العراق وأفغانستان.
نشر رامسفيلد سيرته (أو مذكراته) في العام 2011 «المعروف وغير المعروف». وعلى الرغم من أن الناشر العربي يسارع، في العادة، لتيسير كتب المشاهير من هذا النوع بالعربية، إلا أن هذه المذكرات لم تصدر بلغة الضاد، وإن وفرت الصحافة ملخصات لها وترجمات مجتزأة منها، وأحاطت بمضامينها.
واللافت في الذي سرده رامسفيلد أنه خص أكثر من نصف الكتاب للسنوات الخمس التي أمضاها وزيرا بإدارة بوش، وبدا فيها دفاعيا عن نفسه، واعتبر أن الحرب على العراق استحقت الثمن الذي دفع فيها. ورمى المسؤوليات عن الأخطاء (الكوارث على الأصح) في العراق، بعد إسقاط نظام صدام حسين، على الاستخبارات الأمريكية، لأنها «لم تقدم معلومات موثوقة يمكن البناء عليها»، وانتقد رئيس سلطة الحكم المؤقتة، بول بريمر، لقصوره في استكشاف بوادر «التمرد» والتعامل معها بحزم. وبشأن الفظاعات ضد المعتقلين في سجن أبو غريب، والتي شكل انكشافها دافعا قويا إلى مطالبات متجددة بمحاكمته، كتب إن حراسا للسجن ارتكبوا هذه الأفعال، لما خرجوا عن السيطرة بسبب غياب المراقبة.
كذب رامسفيلد في هذا الأمر، وغيره، فهو الذي أجاز صعق المعتقلين بالكهرباء واستخدام الكلاب معهم لانتزاع اعترافاتهم بشأن الإرهاب، بدعوى حماية الولايات المتحدة ومواطنيها. والشناعات التي ذاعت وشوهد بعضها في غوانتانامو، السجن المرعب الذي أقيم بأوامر وتعليمات وإشراف منه، تدل على ما توطن في أفهام هذا الرجل من ولع بالقوة وبقهر الخصوم وإذلال «الأعداء»، والاستقواء بتجبر أمريكا، ما استحال معه أن تطرأ في شخصه أي علائم لحساسية تجاه فنون التعذيب نفسيا وجسديا، والوحشية المنحطة، ليس فقط تجاه معتقلين مختطفين في أبو غريب وغوانتانامو وغيرهما، وإنما أيضا تجاه من تصنعه أمريكا عدوا، فردا كان أم شعبا أم أمة، أو تجاه من «لا يشاركون أمريكا قيمها»، في واحد من تعبيراته الفظة. وقد قال كيسنجر عنه إنه الرجل الأكثر قسوة، والأقل شفقة، من بين كل من عرفهم.
وصف رامسفليد بأنه كان واحدا من صقور الإدارة اليمينية المتطرفة برئاسة بوش الابن، وضمت ديك تشيني وجون بولتون وبول وولفوفيتز وغيرهم. وفي النهاية، مضى إلى موته ناجيا من أي سؤال أو محاسبة، تتحدث عائلته عن «إنجازاته»، فيما العالم لا ينسى صلافته وآلافا في رقبته قضوا قتلا وتعذيبا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى