
بيير لوي ريمون
ليس مجرد موضوع كورونا هو الذي يهيمن على صيرورة أحداث شؤون الساعة، وإنما موضوع الهجرة أيضا. موضوع الهجرة الذي كنا غيبناه من الذاكرة لقهر الظروف الصحية، ناسين عن وعي أو من دون وعي أن من لم يغب لا الصحة ولا الهجرة، بل ربط بينهما ربطا وثيقا، إنما هم المهاجرون أنفسهم.
لا أتحدث هنا فقط عن الموضوع الصحي، على ضوء تطورات حالات الوباء وأنماط الوقاية المعتمدة، سواء الطبيعية أو الاستثنائية. أتحدث أيضا عن تصور المهاجرين الأساسي لموضوع الصحة، المرتبط ارتباطا وثيق الصلة بظروف العيش الاقتصادية التي يقاسونها.
يعود موضوع الهجرة حاليا بعد سيطرة ملف اللاجئين القادمين من تركيا ـ وهم سوريون أساسا ـ والمتوجهين إلى معسكر موريا في اليونان، ليعزز التوترات الأوربية ـ التركية إثر قصور تركيا عن ضبط قنوات الهجرة، مقابل الدعم المادي السخي الذي تلقته من الاتحاد الأوربي. لكن يعود أيضا الموضوع القديم الجديد، موضوع مكانة الهجرة والمهاجر في السياسات العامة، ويفاقمه طبعا السياق الوبائي الحالي. الفشل في إيجاد مواطن شغل لشباب عاطلين ملوا الانتظار والوعود الواهية، أحد شقي الموضوع القديم – الجديد. أما الشق الآخر، الذي لا يقل أهمية، هو أن كثيرا ممن يهربون إلى البلدان الأوربية يظنون أن الجنة هناك وأنها في انتظارهم.
في هذا المنحى وقبل سنوات، لفتني تصريح للفنان المسرحي التونسي الصادق حلواس، نقلته صحيفة «الحياة» اللندنية، وكان التصريح: «الهجرة غير الشرعية ملاذ العاجزين عن التقدم بالبلاد والنجاح في تطويرها. أولئك الذين يظنون أنهم بهروبهم إلى البلدان الأوربية سيجدون الجنة في انتظارهم، فلا يجدون سوى الرفض والتهميش والعنصرية، الأمر الذي يدفعهم قسرا نحو الانحراف والجريمة. ومن يرغب في النجاح يجب أن يفعل ذلك في بلاده، ليكون عنصرا فاعلا لا سلبيا». في البداية، وجدت هذا التعليق صادما، لكن بعد تأن، وجدته قاسيا أكثر منه صادما. صحيح وفي كل تأكيد، من الصعب أن تقبل توصيفا للمهاجر غير الشرعي ينعته بالـ«عاجز عن التقدم بالبلاد»، فالعجز إن كان ثمة عجز يوجه للهياكل المنظمة للقطاعات الحيوية للبلاد أصلا، قبل أن يوجه للأشخاص، لكن من الصعب في المقابل أن تخالف تشخيص الفنان في موضوع «الجنة» على أساس أن «الرفض والتهميش والعنصرية» مواقف لا تقع خارج مدار الحقائق، حتى إن لم تطل هذه الحالات جميع من هم في حكم المهاجر غير الشرعي، لا هذه المواقف ولا حالتا «الانحراف والجريمة» اللتان يذكرهما الفنان المسرحي التونسي. أما عن الذي يرغب في النجاح فـ«يجب أن يفعل ذلك في بلاده، ليكون عنصرا فاعلا لا سلبيا» فمعنى الرسالة حمال أوجه، كما يقال. فيه ما فيه من الدعوة إلى التحلي بالمسؤولية، وهنا لا يمكن لوم صاحب موقف مماثل، لكن وجوب تعديله يفرض نفسه طالما المشكل الأبدي باق، وهو مقدرة هياكل الدول على مواكبة المسؤولية المطلوبة.. مقدرة يطرحها زمان كورونا أكثر من أي وقت مضى.



