
لولا تسجيلات زوجة قاض مثير للجدل، بسبب خلافات عائلية، لما انكشفت شبكة خطيرة للاتجار في الأحكام القضائية، ولولا تقارير صحفية لما انكشف التلاعب في التصاميم من قبل مسؤولين كبار وتحصيل الملايير من خلف ذلك، ولولا احتجاجات المواطنين لما انكشفت اختلالات قطاعات حساسة مثل الصحة، ولولا خلافات حول الغنيمة لما طفت إلى السطح كواليس اختلاسات متعددة وفساد في الصفقات العمومية، ما يدفع الجميع إلى التساؤل هنا عن دور لجان التفتيش المكلفة بافتحاص الملفات وتسيير الشأن العام وتتبع طرق صرف المال العام.
ويُفترض طبعا في تقارير لجان التفتيش أن تكون سبّاقة إلى كشف الاختلالات والتجاوزات، ما دامت تتوفر على كافة الإمكانيات والصلاحيات التي تخول لها الاطلاع على المعلومة من داخل الأقسام المعنية، وتوجيه استفسارات إلى الجهات المعنية، لكن الواقع بخلاف ذلك حيث تبقى نسبة الملفات التي تكشفها لجان التفتيش بسيطة من حيث المضمون، وعند انفجار فضيحة ما يتم العثور على شكايات متعددة في الموضوع نفسه مرت بردا وسلاما على الجهات المشتكى بها.
وما يجب أن يعلمه الجميع هو أن التطبيل للتحول من الرقابة الرسمية، التي تمارسها مؤسسات الدولة، إلى رقابة وتفتيش ضباط المنصات الاجتماعية، لا ينتهي دوما بسلام كما يعتقد البعض، ويبقى الأمر مفتوحا على الركوب والأجندات والكذب والافتراء وطبخ وتوجيه الحملات حسب الأجندات، إذ لا مناص من العمل الرقابي الرسمي والتفعيل الأمثل لدور لجان التفتيش، ومحاسبتها بدورها إذا ظهر أن هناك تقصيرا في مهامها أو تواطؤا مع الجهات التي تخرق القانون.
وعوض تفعيل المحاسبة وفق الصرامة المطلوبة، تكتفي بعض المؤسسات الرسمية بالإعفاء فقط في حق مسؤولين يثبت فشلهم في التسيير وتورطهم في خروقات وتجاوزات مهنية وصرف المال العام، ما يشجع البعض على التراخي واستغلال فرصة التواجد بالمنصب للفوز بالغنيمة، دون خوف من العقاب القانوني.
ودائما توجد هناك فرصة لتصحيح الأمور والاختلالات والانطلاق من جديد أكثر قوة، لذلك من واجب المؤسسة المعنية خاصة الحساسة منها العمل على تصفية مجموعة من التقارير الخاصة بالتفتيش بالمؤسسات العمومية، واتخاذ القرار المناسب في كل ملف على حدة وفق السرعة والنجاعة المطلوبتين، والبحث عن آليات جديدة في التفتيش تكون أكثر فعالية ومواكبة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ومن أجل ممارسة عملية وضمان جودة الخدمات بكافة المؤسسات العمومية، يجب أن يحس كل مسؤول أو منتخب بشكل مستمر بتأثير الرقابة وصرامة التفتيش، وأن هناك حسابا وجب أن يدفعه في الأخير، وأن التقارير يجب أن تكون مطابقة للميدان ونابعة منه، لأن مصيبتنا أن أرشيفنا يتوفر على تقارير بالجملة تفيد بمحاربة الفساد، في حين الأرقام الحقيقية لانتشاره مفزعة، وتظهر على السطح بين الفينة والأخرى بفعل صراع عائلي أو حروب الغنيمة أو اندلاع احتجاجات أو تقارير صحافية أو حتى هفوات وأخطاء غير محسوبة تسقط في يد مسؤول بضمير حي.





