شوف تشوف

الرئيسيةتعليمتقاريرمجتمع

محاربة الهشاشة التربوية تتطلب انخراط المؤسسات المنتخبة

لا يمكن لمن ليس له اختصاص تدبيري تربوي أن يتدخل في القضايا التدبيرية

تجمع الكثير من الدراسات والتقارير على أن هناك علاقة بين تدبير الفوارق المجالية ومحاربة الهشاشة في المجال التربوي، وتحديدا محاربة الهدر ومنح فرص النجاح للجميع. غير أن رسم  حدود المناطق الهشة من الصعوبة بمكان بالنظر لعوامل كثيرة متدخلة يتعذر معها تحديد مجالات أو مؤسسات بعينها كمجالات فيها نوع من الهشاشة، مما يجعل المؤسسة التعليمية الواحدة، في الغالب الأعم، تستقبل كل فئات التلاميذ، بغض النظر عن مستوى أسرهم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.

 

محمد طويل/ مفتش ممتاز وباحث:

يتطلب تدبير الفوارق المجالية ومحاربة الهشاشة، في المجال التربوي تحديدا، بهدف محاربة الهدر ومنح فرص النجاح للجميع، انخراط المؤسسات المنتخبة في توفير البنيات التحتية والتجهيزات الكافية لاستدراك النقص على مستوى المناطق أو المؤسسات التي تعاني من الهشاشة، من قبيل فك العزلة وتوفير وسائل النقل وتجهيز المكتبات والملاعب، والمساهمة في توفير الوسائل التعليمية وتأهيل الفضاءات التربوية والرياضية، وتعزيز البنيات المادية بالتجهيزات المناسبة ذات البعد والأثر التربويين…، بمعنى توفير الحاجيات الفردية في إطار مشترك. ثم انخراط القطاع الوصي في توفير دعم اجتماعي متصل مباشرة بتمدرس التلاميذ، من قبيل المساهمة، إلى جانب المجالس المنتخبة، في توفير النقل والتغذية والزي المدرسي والإيواء، وتوفير الموارد المالية الكافية لتمويل المشاريع التربوية ومشاريع المؤسسات، وتكثيف جهود المجتمع التربوي في بلورة المشاريع البيداغوجية المبنية على التشخيصات الدقيقة للحاجيات وتحديد للموارد المالية والبشرية الضرورية لها والانخراط في تنزيلها، والانخراط الوازن في تجويد التعلمات، والرفع من مستوى المتعلمين وتقديم خدمات الدعم التربوي والمعالجة التربوية الملائمين تخطيطا وتنفيذا وتقييما.

كل هذا، بطبيعة الحال، بشرط احترام الاختصاصات، ويقصد بها هنا اختصاصات كل فرد من أفراد الأطقم التربوية، بحيث لا يمكن لمن ليس له اختصاص بيداغوجي متصل بالتعلمات ووضعيات التعليم والتعلم والتقويم، أن يتدخل في القضايا المتصلة بها بما يؤدي حتما إلى خرق التعاقد الديداكتيكي، كما لا يمكن لمن ليس له اختصاص تدبيري تربوي أن يتدخل في القضايا التدبيرية ويؤثر فيها وفق قناعاته وفهمه.

وبهذا يكون المخرج الأنسب هو تفعيل آليات التدبير التشاركي داخل المؤسسات، تفعيل يحتم على كل متدخل وفاعل أن يسهم من موقعه دون أن يغطي على تدخلات الآخرين أو يحجبها أو يحجم أدوارهم بمبرر المسؤولية والتراتبية. بحيث لا يمكن لمدير مؤسسة، مثلا، أن يخطط لمشروع المؤسسة لوحده في مكتبه، كما لا يمكن لجمعية الآباء أن تحسم أمر تجويد التعلمات في غياب المدرسين، كما لا يمكن تقديم الدعم النفسي لمن هم في حاجة إليه بناء على انطباعات غير مؤسسة علميا وفي غياب مختصين، كما لا يمكن دعم المتعثرين خارج إشراك المدرسين وبمساهمة فعلية من قبلهم، وهكذا بالنسبة لباقي المهام والوظائف والمسؤوليات.

إن تسطير محددات التعرف على وضعية الهشاشة وفهم أسبابها في وسط ما ثم التدخل من أجل المعالجة، ليست عملية سهلة وفي متناول أي كان ولا يمكن أن يقوم بها فرد واحد بمفرده؛ يتعلق الأمر بعمل ممتد ومشترك يتم خلاله توفير كل المعطيات الضرورية المتصلة بالوسط المعني اجتماعيا كان أو مدرسيا، وتحديد نوع الهشاشة ومستوياتها ثم فهم أسبابها قبل الشروع في البحث عن حلول تضمن تكافؤا في الفرص ومساواة في الحظوظ  في سبيل تحقيق عدالة اجتماعية غايتها النجاح للجميع بغض النظر عن الوسط.

لا يمكن لفريق عمل المؤسسة أن يبلور مشروعا تربويا متكاملا لتنمية المؤسسة وتحسين أدائها، ما لم يكن هناك تملك واضح ودقيق لمقاربة منهجية حديثة لتدبير المشاريع، وعلى رأسها التشخيص العلمي الدقيق لوضعية المؤسسة ومؤهلاتها ومستوى هشاشة الوسط الذي توجد فيه ونوعية روادها وإمكاناتهم. كما لا يمكن لرئيسها أن يحسن تدبير الكثير من القضايا اليومية المتصلة بتمدرس التلاميذ والتواصل مع أولياء أمورهم لتحديد بعض أسباب الانحراف ونقص المواظبة وضعف المستوى والانطواء لديهم، دون استكشاف واقع هذه الفئات عن قرب، كما لا يمكن للمدرس إيجاد تفسيرات علمية لما يعتمل داخل الفصل الدراسي من سلوكيات وردود أفعال وانعزال وضعف انتباه ونقص مردودية، في غياب المعطيات المتعلقة بالمتعلمين وبوضعهم الاجتماعي والنفسي والأسري. هي أشياء تحتمها طبيعة المهمة التربوية المنوطة بالمؤسسة التعليمية بكل أطقمها التربوية والإدارية، والتي ينبغي أن يتحملها كل العاملين بها بكل مسؤولية ومروءة وكتمان، حفاظا على خصوصيات كل متمدرس وصونا لحقه في الاستفادة من حقه في التعلم في جو من الثقة، بعيدا عن كل مسببات الشعور بالتهميش والإقصاء بما يضمن التكافؤ في الفرص والمساواة في الحظوظ من أجل تعلم ذي جودة لفائدة الجميع.

 

///////////////////////////////////////////////////////

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى