شوف تشوف

الرأي

مشروع اسمه «بن صميم»

يونس جنوحي
رفعت، أخيرا، دعوات إلى إعادة ترميم وفتح مستشفى منطقة «بن صميم» الكبير الذي أغلق منذ عقود، بعد أن كان تجربة صحية رائدة في القارة الإفريقية وأحد المشاريع الكبرى التي أراد من خلالها الفرنسيون تعزيز وجودهم في المغرب وتوفير المرافق الضرورية لرعاياهم، وللمغاربة أيضا.
لدينا وزراء ونواب محترمون لا يعرفون حتى أين تقع «بن صميم»، فما بالك بمعرفة ملف المستشفى المهجور الذي شُيد فوق هضابها، والذي بدأت به الأشغال منذ 1948 وفُتح رسميا في وجه المرضى.
قصة هذا المستشفى، حسب شهادات محلية، تتلخص في مجيء ثري فرنسي كان مصابا بمرض السل، فقد الأمل في الشفاء، إلى منطقة «بن صميم» للاسترخاء، واكتشف أن جوها الصحي ساعده كثيرا على التماثل للشفاء. وهكذا رفع ملتمسا للمسؤولين الفرنسيين على المنطقة لتشييد مشفى خاص بالأمراض الصدرية، بمعايير دولية. وبتأمل للمكان الذي تشغله مساحة المستشفى، سيتضح سريعا أن الطبيعة الجغرافية للمكان هي التي عجّلت ببدء الأشغال وقبول المشروع عموما.
في بداية منتصف الخمسينيات، كان هذا المستشفى، بطوابقه الثمانية وممرضيه وأطبائه المتخصصين، يستقبل المرضى، مغاربة وفرنسيين، ويشتغل وفق معايير المصحات العالمية المرموقة ويوفر الخدمات الطبية وسبل الراحة للمرضى، بما فيها قاعة للسينما وحدائق لممارسة رياضة المشي، بالإضافة إلى توفره على أربعة أطباء اختصاصيين في مرض السل والأمراض التنفسية. لكن المشروع مات، كما هو شأن أشياء عظيمة كثيرة سبقت وقتها في المغرب. ولا أحد إلى اليوم يملك جوابا شافيا عن كواليس إغلاق مشفى «بن صميم» الذي ورثه المغرب بعد سنة 1956 وأصبح رسميا تحت رعاية الدولة وإشراف وزارة الصحة.
لماذا لم يتم فتح مشفى «بن صميم» رغم النقص الحاد في الأسرّة الذي يُنبه إليه الغيورون على وضع إمكانيات وزارة الصحة؟ لا بد من إعادة الاعتبار أولا إلى هيبة مؤسسة وزارة الصحة التي تضررت كثيرا بسبب ما وصل إليه تدبير القطاع على مدى حكومات كثيرة تعاقبت على تدبير الشأن العام بالمغرب. هناك اليوم أطباء وممرضون مغاربة في الخط الأمامي لمواجهة وباء «كورونا» ويعلمون أكثر من غيرهم أن الواجب المهني يحتم عليهم التواجد في منطقة الخطر، مع ما تحمله من إمكانية انتقال الفيروس إليهم. وكما هو شأن الأطباء والأطر الصحية في كل بقاع العالم، فإن الأطر المغاربة يجب الانصات إليهم على الأقل، باعتبارهم مهنيين ومنتمين للقطاع، للحديث عن مشاكله والقدرة الاستيعابية الحقيقية للمستشفيات العمومية.
مشفى «بن صميم» صُمم بطاقة استيعابية تصل إلى 400 سرير، وهو ما يعني اليوم أنه يُمكن بمجهود أقل رفع طاقته الاستيعابية إذا بوشرت أشغال ترميمه وتجهيزه، ولو بالتدريج، لكي يكون رهن إشارة المغاربة، بدل أن تُنسج حوله الأساطير ويلتقط الفضوليون صورا رديئة لواجهته من بعيد.
عندما أصيب قرابة 10 آلاف مغربي في مكناس بالشلل بسبب فضيحة الزيوت المسمومة سنة 1956، حجت إلى المغرب فرق طبية من دول أوربية كثيرة، لتشخيص أسباب إصابة سكان مكناس بالشلل المفاجئ، وكان الخوف أن يكون السبب بيولوجيا، إلى أن تم تشخيص المرض على أنه تسمم، وأقيمت خيام لاستقبال المرضى، وطُوق الوضع في أقل من ثلاثة أشهر واستفاد المرضى من الترويض المجاني والوجبات الصحية، بل وحتى السباحة في الماء الساخن بإشراف ممرضات متخصصات من سويسرا. ومباشرة بعد انتهاء الكارثة، تحولت بعض المراكز التي ورثتها العمالة إلى ثكنات أو مكاتب.
التحركات التي بوشرت خلال هذه الأيام لتطويق الوباء في المغرب، لقيت استحسانا دوليا لا يُمكن إنكاره. فكبريات الدول الأوربية تؤدي اليوم ضريبة عدم تطويق المرضى بشكل مبكر. ففي دولة مثل ألمانيا، يُسجل عدد كبير من الحالات يوميا، بسبب عدم تدارك الوضع منذ البداية. لقد كان الجميع يعتقدون أنهم بعيدون تماما عن الوباء، لكنه كان يتجول بينهم.
افتحوا مشفى «بن صميم»، لقد آن الأوان لكي يستفيد المغاربة من مشروع صحي كبير كان سابقا لعصره. وبدل أن تتجول العناكب في زواياه، لا بأس أن يستفيد منه المغاربة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى