حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

معضلة الكلاب الضالة

يسرا طارق

عاشت الكلاب بجانب الإنسان منذ عهود سحيقة، حرسته وحماها، نبهته بالنباح للخطر القادم وأمن لها قوتها. إنها الصاحب والرفيق والخل الوفي، وقد خلدت الحضارات القديمة مكانة الكلاب في حياة البشر، والعون الذي قدمته للإنسانية جمعاء سواء في الصيد أو الحراسة أو رعاية القطعان، بل بلغ تأثيرها على البشر درجة تسمية نزوع فلسفي بالكلبي.

لا يمكن تصور حياة بشرية بدون كلاب، ويكفي أن نذكر بأنه، وفي أقسى البيئات التي يمكن أن يعيش فيها الإنسان، مثل القطب الشمالي والصحاري القاحلة، لا يجد الإنسان بجانبه إلا الكلب، يجر النقالة أو يساعد في الصيد، ويبقى يقظا في الليل حارسا وفيا وأمينًا..، إنها شراكة متينة وراسخة في التاريخ لا يمكن فضها مهما تغيرت الأحوال..

منذ الصعود المظفر لوسائل التواصل الاجتماعي، صرنا من حين إلى لحين، نقرأ عن حوادث عض فيها كلب أو مجموعة كلاب طفلا أو شيخا أو امرأة وتسببت في وفاتهم أو إصابتهم بجروح خطيرة. كما صرنا نقرأ عن تحرك الكلاب في مجموعات كبيرة ببعض المدن وتعريضها المارة للخطر. كل ما يقع مع الكلاب ليس بجديد، منذ أزمنة غابرة والكلاب تعض وتعتدي، غير أن الظاهرة، وفوق أنها تخدش حداثة مدننا المعطوبة، التي لا تشكل فيها الكلاب عصابات فقط، وإنما قد ترى فيها قطيع بقر أو خراف يرعى عشب الحدائق أو دوارات الطرق، فإنها تضيف ملمحا عجيبا للعنف الحضري وحتى القروي، الذي لا يتجبر فيه بشر على بشر فقط، وإنما يهجم فيه الحيوان على البشر، أيضا، بحثا عن طعام أو حيز أو إرضاء غريزة عدوانية.

اختارت الجماعات المحلية في تعاملها مع هذه الظاهرة، ومنذ سنوات، لغة الرصاص. كانت تترك الحبل على الغارب لظرف زمني حتى تتكاثر الكلاب، ويشتكي منها الناس، ثم تطلق شاحنة يعتليها قناص يقتل كل كلب يراه. كان هذا التعامل الوحشي مع تكاثر الكلاب في المدن يثير استياء الجميع، وخصوصا جمعيات الرفق بالحيوانات، التي نددت مرارا بهذه الطريقة البشعة في التخلص منها، واقترحت بدائل وطرقا تنهجها بلدان مثل تركيا وإندونيسيا و غيرهما..

ربما ليس من الدقيق لغويا أن نصف هذه الكلاب بالضالة، قد يضل الإنسان، أما الكلاب فهي تنقاد لغريزتها وتحاول جاهدة أن تتدبر بقاءها وسط غابة البشر، لهذا تدعو جمعيات الرفق بالحيوان لتلقيحها وتعقيمها حتى يتسنى الحد من تكاثرها الرهيب، كما تدعو لبناء ملاجئ لها تُعالج فيها، وتتم رعاية من يحتاج منها للرعاية، والبحث بعد ذلك عن متبنين لها، وحتى العدد الذي سيعيش بعدها بين الناس لن يشكل خطرا عليهم.

لا تطرح الكلاب «الضالة» وحدها مشكلة عويصة، بل صارت الكلاب التي يربيها الناس، وخصوصا الأصناف العنيفة، معضلة أيضا، فقد صارت شبه موضة تقريبا أن ترى شابا برفقة كلب من الأصناف المخيفة. معظم هذه الكلاب تعيش في دور ضيقة، ولا تتلقى الرعاية اللازمة ولا الأكل الكافي، لذلك من الطبيعي أن تقوم بسلوكات عنيفة تجاه المارة. كما أن البعض صار يوظف هذه الكلاب في ارتكاب جرائمه أو ترهيب من يهاجمهم.  كل هذا دفع الدولة، أخيرا، للتفكير في سن قوانين تنظم امتلاك كلب منزلي، وتحدد شروط ذلك والواجبات التي ينبغي للمتبني أن يلبيها. إنه طريق طويل، سنتعثر فيه كثيرا، لكن علينا أن نسير فيه بدون تردد.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى