حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةسياسية

مفاوضات بين المغرب وإسبانيا لترسيم الحدود البحرية

بوريطة: عقيدتنا في ترسيم الحدود البحرية لا يمكن أن تقوم على سياسة الأمر الواقع

محمد اليوبي

 

كشف وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي، ناصر بوريطة، أول أمس الثلاثاء، عن وجود مفاوضات وحوار مباشر بين المغرب وإسبانيا من أجل ترسيم الحدود البحرية بين البلدين في إطار السيادة الوطنية، وخاصة بالأقاليم الجنوبية للمملكة، وهو الملف الذي ظل عالقا منذ سنوات.

وأوضح بوريطة، في كلمة تليت نيابة عنه خلال افتتاح ندوة حول موضوع «الممارسات الدولية في ترسيم المجالات البحرية»، نظمت بشراكة مع معهد القانون الدولي، وهي منظمة مرموقة تضم نخبة من المتخصصين العالميين في القانون الدولي، أن المغرب متمسك دائما بالحوار، مشيرا إلى أن ترسيم الحدود يجب أن يتم عبر حوار مباشر وهادئ وبناء، والمثال الأوضح على ذلك هو ترسيم الحدود البحرية مع إسبانيا، سواء في المتوسط أو الأطلسي. وأكد الوزير أن هذا الملف تتم معالجته بروح حسن الجوار والشفافية والمصلحة المشتركة بين البلدين، مبرزا أن التعاون البحري يعكس واقعا سياسيا أعمق يتجلى في نضج الشراكة الاستراتيجية بين المغرب وإسبانيا. واعتبر بوريطة أن هذه الشراكة تتجاوز قضية الترسيم لتشمل التحديات البحرية الكبرى المشتركة، وأضاف «وهذا يبرهن عن أنه حين يختار الجوار طريق الحوار، يتحول البحر من خط فاصل إلى جسر واصل».

وأكد بوريطة أن المغرب جعل من فضاءاته البحرية جزءا من سيادته المسترجعة بعد الاستقلال، موضحا أنه في سنة 1960، أُنشئت البحرية الملكية، وفي 1969 أُحدث المكتب الوطني للصيد البحري لتثمين الفضاء البحري، وفي سنة 1973 أعلن المغرب رسميا عن مياهه الإقليمية وأقر ما كان يسمى آنذاك منطقة صيد حصرية، وفي 1981 أُعلن عن المنطقة الاقتصادية الخالصة، ليتم في سنة 1992 وضع أولى التشريعات المتعلقة بالجرف القاري وباطنه.

وأوضح الوزير أن هذا المسار، الذي قد يبدو متأخرا بالنسبة لدولة ذات تاريخ بحري قديم، هو في الحقيقة متزامن مع المسار العالمي، حيث كانت سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي مرحلة التملك الحديث للفضاءات البحرية، مشيرا إلى أن المغرب ركب موجة المؤتمر الثالث للأمم المتحدة حول قانون البحار الذي دون القواعد المنظمة للفضاءات البحرية، حيث تعزز الارتباط بين قانون البحار والدبلوماسية.

وفي هذا الإطار، يضيف الوزير، بدأ ملف توسيع الجرف القاري إلى ما وراء 200 ميل بحري، وللاحتفاء بالذكرى العشرين للمصادقة على اتفاقية «مونتيغو باي»، أودع المغرب في عام 2017 معلومات أولية لدى لجنة حدود الجرف القاري، وكان ذلك أكثر من مجرد تمرين تقني، بل فعلا سياسيا بارزا يجمع بين العلم والقانون والدفاع عن الثوابت الوطنية، ثم في 2020 خطا المغرب خطوة إضافية بتبني قانونين مهمين، ويتعلق الأمر بالقانون الخاص بتحديد المياه الإقليمية، والقانون الخاص بالمنطقة الاقتصادية الخالصة.

وأبرز بوريطة أن هذه القوانين تأتي ضمن استراتيجية شاملة تهدف إلى تحديث التشريعات الوطنية وتوضيح وتأمين الحدود البحرية للمغرب في انسجام تام مع اتفاقية 1982، مؤكدا أن الممارسة البحرية المغربية تكشف عن وجود ثوابت تشكل خيطا ناظما للعقيدة المغربية على هذا المستوى، أولها الوحدة الترابية، إذ يطبق المغرب في البحر مبدأ الوحدة الوطنية نفسه المطبق على اليابسة، خاصة في الأقاليم الجنوبية حيث تمارس المملكة كامل سيادتها وفق القانون الدولي.

وأضاف الوزير أن «من هذه الثوابت أيضا الشرعية القانونية، إذ لم تعتبر المملكة المغربية يوما قانون البحار قيدا، بل أداة توازن وشرعية»، ويتجلى ذلك، حسب الوزير، في حرصها الدائم على أن تكون قراراتها في إطار اتفاقية 1982، ورفضها لأي نهج مخالف لها، إلى جانب ثابت رفض الأحادية، وتابع بالقول «إن عقيدتنا في ترسيم الحدود البحرية لا يمكن أن تقوم على سياسة الأمر الواقع. وكلما واجهنا ذلك، كنا نرد رسميا وبحزم وفق ما ينص عليه قانون البحار».

وأبرز بوريطة أن قانون البحار لا يقتصر على الترسيم، فطموحه هو تعزيز التنمية، وبناء فضاءات للتعاون والحفاظ على البيئة البحرية، وهذه الفلسفة تنسجم مع الرؤية البحرية التي عرضها الملك محمد السادس، وخاصة في خطابه بمناسبة الذكرى الـ48 للمسيرة الخضراء سنة 2023، الذي رسم فيه الملك ملامح رؤية جيوستراتيجية جعلت من البعد البحري للمغرب ركيزة أساسية لتنميته ولإشعاعه القاري.

وفي هذا الصدد، أكد الوزير أن الرؤية الملكية تكرس البحر كرافعة أساسية للازدهار الوطني والربط القاري والدفاع عن السيادة، مشيرا إلى أن الملك ربط بالفعل الوحدة الترابية الكاملة بالتجسيد الراسخ لمكانة المغرب كفاعل بحري رئيسي، موضحا أن هذه الرؤية تتجاوز منطق السيادة البسيط لتشمل منظورا للتواصل الاقتصادي والإنساني عبر البحر، سيما مع إفريقيا.

وعلى الصعيد الداخلي، أوضح الوزير أن هذا التوجه تجلى أساسا من خلال الدفع بعجلة الاقتصاد الأزرق، وتطوير الموانئ، سيما ميناء طنجة المتوسط الذي أضحى اليوم أحد أهم الموانئ في البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا، وقريبا ميناء الداخلة الأطلسي الذي سيكون منصة نحو إفريقيا ومن أجلها، وكذا من خلال الدعوة إلى إعادة بناء أسطول وطني قوي وتنافسي من السفن التجارية، من أجل ضمان ربط سلس مع إفريقيا والعالم.

وعلى الصعيد الدولي، ذكر الوزير بأن البحر يوجد في صلب المبادرات الدبلوماسية الكبرى التي أطلقها الملك في السنوات الأخيرة، مشيرا، في هذا الصدد، إلى «مسلسل الرباط»، الذي يجمع، منذ سنة 2022، 23 دولة إفريقية أطلسية حول رؤية مشتركة تقوم على ثلاث ركائز، وهي الأمن البحري، وحماية البيئة وتعزيز تنمية بحرية مستدامة. وأضاف بوريطة أن الأمر يتعلق أيضا بالمبادرة الملكية لتعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي، التي أطلقت سنة 2023، وهي تجسيد غير مسبوق «للتضامن الجيوسياسي»، تهدف إلى التخفيف من آثار العزلة، من خلال ضمان ولوج بلدان الساحل الشقيقة إلى البنى التحتية المينائية المغربية.

وأشار الوزير، أيضا، إلى مشروع خط أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي، الذي أطلقه جلالة الملك ورئيس نيجيريا سنة 2016، مبرزا أن هذا المشروع الضخم، الذي يتجاوز مجرد كونه بنية تحتية طاقية، يجسد رؤية متجددة لتحقيق الاستقرار الإقليمي من خلال ترابط المصالح. ولفت بوريطة إلى أن «هذا المشروع، ومن خلال ربط 13 بلدا إفريقيا، سيشجع على تطوير بنى تحتية محلية ويحفز التنمية الصناعية الإقليمية»، مشددا على «أنه رهان على الأمن والاستقرار المستدامين، من خلال الازدهار الجماعي».

واعتبر الوزير أن هذه المبادرات الثلاث تؤكد بقوة حقيقة ما فتئ الملك يجسدها بقوله «في إفريقيا، يصبح كل شيء ممكنا عندما تتلاقى الرؤية القوية مع الإرادة الراسخة»، وأشار إلى أن المغرب حمل هذه الفكرة أيضا إلى مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات في نيس، في يونيو الماضي، حيث ترأس الملك، إلى جانب الرئيس الفرنسي، قمة إفريقية من أجل المحيط، مبرزا أن الملك يعتبر أن إفريقيا لا يمكن أن تنظر إلى مستقبلها من منظور بري فقط، فمصيرها بحري أيضا.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى