ملفات وقوانين مثيرة تنتظر افتتاح البرلمان
شراء العقوبات الحبسية وقانون الإضراب وإصلاح أنظمة التقاعد المهددة بالإفلاس

بعد أسبوع، سيفتتح الملك محمد السادس السنة التشريعية الثالثة لمجلسي البرلمان، في ظل تزايد انتظارات المواطنين لتجاوز الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، وكذلك تجاوز الأعطاب التي تعرفها المؤسسة التشريعية في ما يخص ممارسة الصلاحيات الواسعة التي منحها لها الدستور الجديد، وسيكون ضمن جدول أعمال هذه الدورة العديد من الملفات والقوانين ذات الأهمية البالغة، ويتعلق الأمر بمشروع قانون المالية الذي يأتي في ظل استمرار الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، والذي ستنضاف إلى أولوياته، برنامج إعادة إعمار وتأهيل المناطق المتضررة من الزلزال الذي ضرب ستة أقاليم، كما سيشرع مجلسي البرلمان في دراسة قوانين مثيرة للجدل، ويأتي على رأسها مشروع قانون الإضراب، الذي ستحيله الحكومة على مجلس النواب، خلال الدورة المقبلة، وكذلك مشروع قانون العقوبات البديلة المعروض حاليا على أنظار لجنة التشريع، فضلا عن قانون إصلاح أنظمة التقاعد، الذي أصبح يفرض نفسه بقوة على الحكومة والبرلمان، بعدما أصبح تصادق التقاعد مهددة بالإفلاس.
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
مشروع قانون مالية 2024.. الرهان التشريعي – الاقتصادي أمام البرلمان
يفتتح البرلمان دورته التشريعية في أكتوبر الجاري بتدشين المسار التشريعي لإعداد مشروع قانون المالية للسنة المالية 2024، حيث تبرز العديد من التساؤلات حول أبرز «الإصلاحات الضريبية والجمركية» التي من المفترض الشروع رسميا في تفعيلها، في الوقت الذي تراهن الحكومة على مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، للسير قدما على درب ما دشنت العمل عليه في العامين الماضيين من ولايتها؛ من خلال تفعيل وتنزيل أوراش مالية واقتصادية، أوردت بعض تفاصيلها في تقرير تتبع تنفيذ الميزانية والـتأطير الماكرو اقتصادي للسنوات الثلاث المقبلة 2024- 2026.
تضمن في الشق الثالث والأخير منه الحديث عن «السياسة الضريبية والجمركية في مشروع قانون مالية العام المقبل»، موردا أن «السياسة الضريبية المتبعة في صلب مشروع قانون مالية 2024 تهدف إلى المساهمة في تمويل السياسات العامة، وتحفيز النمو ودعم انتعاش اقتصاد المغرب».
خريطة الطريق لهذه السياسة الضريبية وُضعت بموجب القانون الإطار رقم 19. 69 بشأن الإصلاح الضريبي، المنشور عام 2021، والذي «يوفر مرجعا لتوجيه الإجراءات التي يتعين اتخاذها خلال مختلف مراحل تنفيذه»، أكد التقرير الرسمي ذاته، لافتا إلى أنه «يُنفذ تدريجيا على مدى خمس سنوات (2022- 2026)، مع مراعاة الأولويات التي حددها القانون الإطار».
في هذا السياق، أعلن تقرير وزارة الاقتصاد والمالية أنه «بموجب قانون مالية 2024، سيتم استمرار الإصلاحات الضريبية التي بدأها قانونَا المالية لعامي 2022 و2023، وفقا لنفس المقاربة المتدرجة المتخذة»، واضعة كأهداف «تحديث إدارة الضرائب، وتوفير مزيد من الوضوح للمشغلين الفاعلين من خلال ضمان استقرار نظامنا الضريبي بحلول عام 2026»؛ وهي أيضا مسألة مواءمة النصوص التشريعية والتنظيمية وتكييفها مع تطورات السياق الوطني والدولي، مع الحرص على إدماج البعد البيئي في الضرائب التي تفرضها الدولة.
وأوضحت تفاصيل التقرير المذكور أن البعد البيئي/الإيكولوجي سيكون حاضرا بقوة في مضامين مشروع مالية 2024، من خلال «العمل على دراسة تطبيق ضريبة الكربون في المغرب، وفقا لأحكام المادة 7 من القانون الإطار رقم 19. 69، بشأن الإصلاح الضريبي»، من أجل «السماح للشركات المغربية بالحفاظ على قدرتها التنافسية الدولية، تفاعلا مع آلية تعديل الكربون على الحدود الأوروبية».
وبذلك سيخصص عام 2024، حسب الوثيقة الرسمية، لـ«تصميم كيفية إقرار الضريبة المذكورة، سيما من خلال تحديد نطاقها وطرق تطبيقها بالتشاور مع القطاعات الوزارية المعنية، وعبر الدعم التقني من المؤسسات المالية الدولية».
ورش آخر لا يقل أهمية هو «تعزيز النجاعة الطاقية». وتعتزم الحكومة، في هذا الصدد، البدء في «تشجيع المستهلكين على استخدام المعدات الأكثر اقتصادا من حيث استهلاك الكهرباء؛ من خلال تطبيق ضريبة على الاستهلاك الداخلي على المعدات المعنية التي سيتم التمييز بين حصصها، وفقا لمؤشر كفاءة ونجاعة الطاقة الخاص بها».
وقد بدأ هذا النهج خلال قانون المالية 2022 بـ«إدخال ما سمي «ضريبة خضراء» داخلية على الاستهلاك (TIC) على المعدات الكهربائية الأكثر استعمالا»، مشيرا إلى أنه إجراء «مستمر لتنزيل التزامات المغرب بتشجيع الإجراءات الرامية إلى حماية البيئة والتنمية المستدامة؛ وهو في الواقع يتفق تماما مع أهداف القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الضريبي ومع الأهداف المحددة في خريطة الطريق للاستراتيجية الوطنية للطاقة (2009- 2030).
تقرير التأطير الماكرواقتصادي للميزانية برسم السنوات الثلاث المقبلة لم يخْل من إيراد معطى مهم آخر، مفاده «جعل التعريفة الجمركية على الواردات أكثر اخضرارا مراعاة للمعايير الإيكولوجية المعتمدة»، وسجل التقرير أن الهدف من هذا الإصلاح هو «جعل هذه التعريفة أكثر مراعاة للبيئة ودعم تدابير السياسة البيئية في بعدها الإيكولوجي، حيث يمكن توسيع دور المصطلحات المعتمدة كأداة إحصائية للتجارة الدولية، لتصبح أيضا أداة ووسيلة لدعم التجارة الدولية المستدامة».
وأفادت مذكرة توجيهية تتعلق بمشروع قانون المالية برسم سنة 2024، وجهها رئيس الحكومة إلى باقي المصالح الوزارية، بأن مشروع هذا القانون، وتفعيلا للتوجيهات الملكية السامية المتضمنة في خطاب العرش، اعتمد أربع أولويات تعكس أسس البرنامج الحكومي، وأبرزت المذكرة أن الأمر يتعلق بتوطيد تدابير مواجهة التأثيرات الظرفية، ومواصلة إرساء أسس الدولة الاجتماعية، ومواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية، وتعزيز استدامة المالية العمومية.
واعتبر المصدر ذاته أن «إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2024 يأتي في سياق دولي يطبعه توالي الأزمات، وتصاعد التوترات الجيوسياسية التي ألقت بتداعياتها على النمو الاقتصادي وعلى القدرة الشرائية في مختلف أنحاء العالم، نتيجة ارتفاع الضغوط التضخمية التي تفاقمت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، سيما سنة 2022 التي بلغ معدل التضخم خلالها ما يعادل 8,7 في المائة على الصعيد العالمي و8,4 في المائة بمنطقة اليورو و8 في المائة بالولايات المتحدة الأمريكية».
على المستوى الوطني، نجحت الحكومة في مواجهة هذه الضغوط وفي تدبير هذه الأزمات المتلاحقة والحد من تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، عبر سياسة فعالة تقوم على بعدين متكاملين، أولهما استباقي ينبني على مواجهة الإكراهات الظرفية وتقليص آثارها المباشرة على الاقتصاد الوطني وعلى المستوى المعيشي للمواطنين، وثانيهما هيكلي طويل الأمد يقوم على المضي قدما في تنزيل الإصلاحات الضرورية لتحسن ظروف عيش المواطنين وتحقيق معدل نمو أكبر، لخلق المزيد من فرص الشغل، مع استعادة الهوامش المالية الكفيلة بتوفير التمويل الضروري لهذه الإصلاحات.
وذكرت المذكرة التوجيهية بأنه تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، اتخذت الحكومة مجموعة من القرارات الاستباقية للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين ودعم القطاعات المتضررة جراء توالي الأزمات، وهو ما كلف ميزانية الدولة نفقات إضافية بلغت 40 مليار درهم برسم سنة 2022 وما يزيد على 10 ملايير درهم خلال السنة الجارية.
جدل قبل المصادقة على قانون العقوبات البديلة
من المنتظر أن يصادق مجلس النواب، بعد افتتاح الدورة الخريفية، على مشروع قانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، والذي أثار الكثير من الجدل، وخصوصا مقترح شراء العقوبات الحبسية بالمال، وهو المقترح الذي تقدمت به فرق الأغلبية الحكومية.
وأكد عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، خلال اجتماع لجنة العدل والتشريع، أن هذا المشروع يأتي في إطار إصلاح المنظومة القانونية الجنائية للحد من ظاهرة الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية. وأوضح وهبي أن هذا المشروع يسعى إلى «وضع إطار قانوني متكامل للعقوبات البديلة، سواء من حيث تأصيلها وفق القواعد الموضوعية لمجموعة القانون الجنائي المرتبطة بالعقاب، أو من خلال وضع آليات وضوابط إجرائية على مستوى قانون المسطرة الجنائية تهم تتبع وتنفيذ العقوبات البديلة».
وأضاف الوزير أن الوضع العقابي بالبلاد بحاجة ماسة لاعتماد نظام العقوبات البديلة «كحل يعول عليه للتصدي للنواقص التي تعتري السياسة العقابية الحالية، خاصة في ظل المؤشرات والمعطيات المسجلة على مستوى الساكنة السجنية ببلادنا والتي تؤثر سلبا على الوضعية داخل المؤسسات السجنية، وتحد من المجهودات والتدابير المتخذة من طرف الإدارة».
وأوضحت المذكرة التقديمية للمشروع أنه يأتي لمواكبة التطورات التي يشهدها العالم في مجال الحريات والحقوق العامة، من خلال فرض بدائل للعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة والحد من آثارها السلبية وفتح المجال للمستفيدين منها من أجل الاندماج داخل المجتمع والتأهيل من جهة، ومن جهة أخرى قصد المساهمة في الحد من مشكل الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية وترشيد التكاليف. وما يشجع على هذا التوجه، تضيف المذكرة، المعطيات الإحصائية المسجلة بخصوص الساكنة السجنية والتي تفيد بأن ما يقارب نصفها محكوم عليهم بأقل من سنة، حيث شكلت هذه العقوبات سنة 2020 نسبة 44.97 بالمائة.
وعرف المشروع العقوبات البديلة بالعقوبات التي يحكم بها بديلا للعقوبات السالبة للحرية في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها خمس سنوات حبسا نافذا، وتخول للمحكوم عليه تنفيذ بعض الالتزامات المفروضة عليه مقابل حريته وفق شروط محكمة. وتم إقرار مجموعة من العقوبات البديلة، بعد الاطلاع على العديد من التجارب المقارنة ومراعاة خصوصية المجتمع المغربي، لتكون ناجعة وقابلة للتنفيذ وتحقق الغاية المتوخاة منها، وتم استثناء الجرائم التي لا يحكم فيها بالعقوبات البديلة نظرا لخطورتها وأخذا بعين الاعتبار حالات العود التي لا يتحقق فيها الردع المطلوب.
وحسب المذكرة، تعتبر عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة أحد أهم البدائل التي تبنتها السياسات العقابية المعاصرة بديلا عن العقوبات السالبة للحرية، خاصة قصيرة المدة، وهي العقوبة التي تصدرها جهة قضائية مختصة تتمثل في قيام الجاني بعمل يعود بالفائدة على المجتمع تكفيرا عن الخطأ الذي صدر منه دون أن يتقاضى أجرا على ذلك العمل. واشترط المشروع في العمل بهذا البديل بلوغ المحكوم عليه من 15 سنة كأدنى حد من وقت صدور الحكم، وأن لا تتجاوز العقوبة المنطوق بها خمس سنوات حبسا نافذا، كما اعتبر العمل المحكوم به لأجل المنفعة العامة عملا غير مؤدى عنه وينجز لفائدة مصالح الدولة أو مؤسسات أو هيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة أو المؤسسات العمومية أو المؤسسات الخيرية أو دور العبادة أو غيرها من المؤسسات أو الجمعيات أو المنظمات غير الحكومية العاملة لفائدة الصالح العام لمدة تتراوح بين 40 و1000 ساعة، كما خص المحكمة بتحديد ساعات العمل لأجل المنفعة العامة. أما بالنسبة للأحداث، فإن العمل لأجل المنفعة العامة لا يعمل به في حالة الأشخاص الذين هم دون 15 سنة، لكن في حال قررت المحكمة الحكم بعقوبة حبسية وفقا للمادة 482 من قانون المسطرة الجنائية، يمكن للحدث أن يستبدلها بعقوبة العمل لأجل المنفعة العامة.
وتعتبر المراقبة الإلكترونية من الوسائل المستحدثة في السياسة العقابية، ومن أهم ما أفرزه التقدم التكنولوجي الذي انعكس بدوره على السياسة العقابية في معظم الأنظمة العقابية المعاصرة التي أخذت به. وأشارت المذكرة إلى أن تطبيق نظام المراقبة الإلكترونية يعلق قدرا كبيراً من التوازن بين حقوق وحريات الأفراد والمصلحة العامة المتمثلة في سعي الدولة إلى زجر مرتكب الجريمة.
وأوضحت المذكرة التقديمية للمشروع أن نظام المراقبة الإلكترونية هو أحد أهم بدائل العقوبات السالبة للحرية، من شأنه تجنب مساوئ العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة. ويترتب على هذا النظام إطلاق سراح المحكوم عليه في الوسط الحر مع إخضاعه لعدد من الالتزامات ومراقبته عن بعد، ويتحقق ذلك فنيا عن طريق ارتداء المحكوم عليه قيدا إلكترونيا يوضع بمعصم المعني بالأمر أو ساقه أو على جزء آخر من جسده بشكل يسمح برصد تحركاته داخل الحدود الترابية المحددة له.
وتتجلى العقوبة البديلة الثالثة في تقييد بعض الحقوق وفرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية. واشترط المشروع للعمل بهذا البديل في الحالات التي لا تتجاوز مدة العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها خمس سنوات، حيث ينص على أنه يمكن للمحكمة أن تحكم بالعقوبة المقيدة لبعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، بديلا للعقوبات السالبة للحرية. وينص المشروع على اختبار المحكوم عليه والتأكد من استعداده لتقويم سلوكه واستجابته لإعادة الإدماج.
وصفة إصلاح التقاعد جاهزة وتنتظر تأشير مجلسي البرلمان
أكدت مصادر حكومية أن وصفة إصلاح أنظمة التقاعد أصبحت جاهزة، حيث من المنتظر أن يصادق المجلس الحكومي على مشروع قانون إصلاح التقاعد في الدورة المقبلة، وسيحال المشروع على مجلسي البرلمان للمصادقة عليه قبل اختتام السنة التشريعية الحالية.
وأكدت المصادر أن الإصلاح الاستعجالي لأنظمة التقاعد أصبح يفرض نفسه على الحكومة، بعدما فشلت الإصلاحات التي أطلقتها الحكومات السابقة في الحفاظ على التوازنات المالية لصناديق التقاعد، التي أصبحت مهددة بالإفلاس مع حلول سنة 2028. وفي هذا الصدد، تعهد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، أمام البرلمان، بالشروع في تنزيل إصلاح منظومة التقاعد خلال السنة الحالية، حيث شرعت لجنة إصلاح أنظمة التقاعد في عقد اجتماعات من أجل التوصل إلى السيناريوهات المقترحة لتجاوز أزمة صناديق التقاعد، لبلورة مشروع قانون سيحال على المؤسسة البرلمانية للمصادقة عليه، وخلصت إلى ضرورة ضمان ديمومة المنظومة على المدى الطويل، والحد من تأثير الإصلاح على ميزانية الدولة، وتعبيد الطريق للمرور نحو نظام أساسي موحد.
وترأست نادية فتاح، وزيرة الاقتصاد والمالية، بمقر الوزارة، عدة اجتماعات للجنة إصلاح أنظمة التقاعد التي تندرج في إطار تنفيذ مخرجات الاتفاق الاجتماعي والميثاق الوطني للحوار الاجتماعي الموقعين في 30 أبريل الماضي ما بين الحكومة والمركزيات النقابية والمنظمات والجمعيات المهنية للمشغلين.
وقدمت الوزيرة وصفة الحكومة لإصلاح أنظمة التقاعد، بناء على الدراسة المنجزة من طرف أحد مكاتب الدراسات، والتي خلصت إلى ضرورة ضمان ديمومة المنظومة على المدى الطويل، والحد من تأثير الإصلاح على ميزانية الدولة، وتعبيد الطريق للمرور نحو نظام أساسي موحد. ومن أجل التوفيق بين كل هذه الأهداف، المتناقضة أحيانا، تقترح الحكومة اعتماد سقف موحد للنظام الأساسي يساوي مرتين الحد الأدنى للأجور بكل من القطب العمومي والقطب الخاص وذلك لتسهيل المرور مستقبلا نحو نظام أساسي موحد، كما تقترح تقليص نسب الاستبدال لأصحاب الأجور المرتفعة في القطاع العمومي، وتجميد الحقوق المكتسبة في الأنظمة الحالية وعدم إعادة تقييم المعاشات على مدى العشر سنوات القادمة، مع رفع سن التقاعد إلى 65 سنة بما في ذلك القطاع الخاص، ورفع نسب الاشتراكات بما في ذلك القطاع الخاص.
وقدمت الوزيرة، أمام أعضاء اللجنة، تشخيصا وتحليلا للوضعية الراهنة، وذلك بعد تنزيل الإصلاح المقياسي لسنة 2016، حيث سيستنفد نظام المعاشات المدنية احتياطياته (68 مليار درهم) بحلول سنة 2028. وللوفاء بالتزاماته بعد ذلك، سيحتاج الصندوق المغربي للتقاعد ما يناهز 14 مليار درهم سنويا لتمويل عجز النظام. وأكدت الوزيرة أن هذا النظام يعد حاليا متوازنا بالنسبة للحقوق المكتسبة بعد إصلاح 2016، بحيث إن الدين الضمني الحالي يهم، بالخصوص، الحقوق المكتسبة في الماضي، ويعرف النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد عجزا تقنيا مهما بلغ 3,3 مليارات درهم سنة 2021، وبفضل المستوى المهم لاحتياطياته (135 مليار درهم)، تمكن العوائد المالية للنظام من تغطية هذا العجز التقني.
أما بالنسبة للقطب الخاص، يتوفر نظام تقاعد أجراء القطاع الخاص على هوامش لإدراج إصلاحات مقياسية بالنظر إلى نسبة المساهمة بالنظام 11,89 بالمائة، وسن الإحالة على التقاعد 60 سنة. وينتظر أن يستعمل النظام احتياطياته قريبا، غير أن أفق استدامته يظل بعيدا نسبيا (2038)، نظرا لعدة عوامل، بينها أن النظام غير منصف، حيث يشترط على المؤمن له أن يتوفر، للاستفادة من معاش التقاعد، على حد أدنى من التصريح، أي ما يعادل في المتوسط 15 عاما من العمل، كما أن المحرك الديموغرافي الإيجابي يجلب السيولة للنظام حاليا ولكنه، بالمقابل، يثقل دينه الضمني.
وأكدت الوزيرة أن التوازنات المالية لأنظمة التقاعد أصبحت مهددة، إذ يواجه الصندوق المغربي للتقاعد مشكلة سيولة ناتجة عن الالتزامات السابقة لنظام المعاشات المدنية، حيث لا تولد الحقوق المكتسبة بعد إصلاح 2016 أي عجز إضافي. وبالنسبة للصندوق الجماعي لمنح رواتب التقاعد، يخفي المستوى المهم لاحتياطيات النظام مشاكله المرتبطة بعدم توازنه البنيوي. وخلصت الوزيرة إلى أن تنزيل القطب العمومي يظل الخيار الأمثل لمعالجة إشكالية سيولة نظام المعاشات المدنية وكذا مشكلة عدم التوازن البنيوي الذي يعرفه النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد.
وبالنسبة للقطب الخاص، تخفف الدينامية الإيجابية لمحركه الديموغرافي من مشكل عدم توازن نظام تقاعد أجراء القطاع الخاص. غير أنه، بمجرد تراجع هذا المؤشر الديموغرافي، ستتدهور الوضعية المالية للنظام، ما يستوجب إصلاحا مقياسيا مستعجلا لجعله أكثر إنصافا والحد من اختلالاته المالية.
وعلى مستوى الأداء الاجتماعي، سجلت الوزيرة وجود ضعف في تغطية الأنظمة يحول دون حصول أكثر من نصف النشيطين (حوالي 54 بالمائة) على حماية ضد أخطار الشيخوخة، وتجانس على مستوى متوسط المعاشات الممنوحة: 2022 درهما بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و5678 درهما للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد و7873 درهما بالنسبة لنظام المعاشات المدنية، وعدم تجانس قواعد إعادة تقييم المعاشات، بالنسبة لنظام المعاشات المدنية، إعادة التقييم ليست تلقائية وتعود آخر إعادة تقييم إلى سنة 1997، في حين تتطلب إعادة التقييم إصدار مرسوم بالنسبة لأجراء القطاع الخاص (تعود آخر عملية لإعادة التقييم إلى 2006 إن استثنينا الزيادة التي تم إقرارها شهر شتنبر 2022)، وإعادة تقييم سنوية بالنسبة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، كما أن شريحة كبيرة من أجراء القطاع الخاص، التي لا تستوفي شرط 3240 يوما للمطالبة بمعاش، تكتفي بالحصول على اشتراكاتها الأجرية، حيث تم الاتفاق، أخيرا، في إطار الحوار الاجتماعي، على تخفيض هذا الشرط إلى 1320 يوما مع الحق أيضا في استرداد اشتراكات المشغل بالنسبة للأشخاص الذين لم يستوفوا هذا الشرط.
قانون الإضراب يعود للبرلمان بعد مفاوضات مع النقابات
لا يزال مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب يراوح مكانه، في انتظار بدء مسطرة دراسته بلجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، وذلك على الرغم من مرور أزيد من سبع سنوات على إحالته على المؤسسة التشريعية.
وسبق للجنة البرلمانية أن عقدت اجتماعا خصص لتقديم المشروع، خلال الولاية الحكومية السابقة، ما أثار جدلا كبيرا بين الحكومة والنقابات، حيث رفضت هذه الأخيرة الشروع في مسطرة المصادقة على القانون، وطالبت بسحب المشروع من البرلمان، وفتح مشاورات جديدة بشأنه، قبل إعادة برمجته على أجندة أعمال البرلمان، وهو ما أدى إلى تأجيل دراسته بطلب من الحكومة إلى أجل غير مسمى.
وفي هذا الصدد، أكد يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، قبل أسبوعين، أن القانون التنظيمي لممارسة الحق في الإضراب أصبح جاهزا بعد عدة مشاورات «سرية» مع النقابات، وسيحال هذا القانون على البرلمان، خلال الدورة الخريفية المقبلة.
وأوضح الوزير، في معرض تفاعله مع أسئلة الصحفيين خلال ندوة صحفية مشتركة مع مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، عقب الاجتماع الأسبوعي لمجلس الحكومة، أن الحكومة تعكف على العمل من أجل إخراج القانون التنظيمي لممارسة الحق في الإضراب، مبرزا أن الحكومة قادت مشاورات مسؤولة ومنفتحة مع النقابات الأكثر تمثيلية والاتحاد العام لمقاولات المغرب، وعقدت حوالي 20 اجتماعا مع النقابات الأكثر تمثيلية ما بين شهري يناير وشتنبر 2023، من أجل النظر في الملاحظات والتجويدات التي يمكن إضافتها إلى هذا القانون التنظيمي.
وتابع بالقول: «اليوم نقترب من برمجة هذا القانون بعد استكمال المشاورات التي مرت في جو هادئ، والتي انطلقت منذ يناير 2023، ولم تكن هذه المشاورات مفتوحة، ولم نتكلم عنها بشكل علني، وذلك من أجل تقريب وجهات النظر، واستمر هذا العمل إلى غاية عطلة الصيف، وبالتالي فإرادة الحكومة والفرقاء الاجتماعيين تتمثل في أن يتم تقديم مشروع هذا القانون في الدورة البرلمانية المقبلة»، وذلك في إطار مأسسة الحوار الاجتماعي، وخلص إلى أن الحكومة اشتغلت من أجل التقريب الأمثل بين وجهات النظر للتوصل إلى نص يحترم روح الدستور وتوجهات المغرب وحقوق الإنسان، وذلك تنفيذا لمضامين الدولة الاجتماعية بقيادة الملك محمد السادس.
ويعتبر مشروع القانون من ضمن آخر القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور، والتي طال أمد انتظار إخراجها، لكن يظل الهدف الأساسي واضحا يتمثل في تنظيم ممارسة هذا الحق الدستوري بما يضمن تأطير وتحسين العلاقات المهنية، ويضمن ممارسة حق الإضراب، ويكفل التوازن بين مصالح الأفراد والجماعات والتوفيق بين الحقوق والواجبات التي تعتبر أهم مقومات دولة الحق والقانون.
وينص الدستور في فصله التاسع والعشرين على أن «حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات. حق الإضراب مضمون. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته»، ولذلك فإن تحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب بموجب قانون تنظيمي يكسبه أهمية كبيرة، نظرا إلى كون القوانين التنظيمية تأتي في المرتبة الثانية بعد الدستور.
ويتكون مشروع قانون الإضراب من خمسة أبواب ومن 49 مادة، ونص في المادة الخامسة على أن «كل دعوة إلى الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون التنظيمي تعتبر باطلة، كما يعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعا»، ووضعت الحكومة قيودا عديدة على ممارسة الإضراب، حيث يوجب مشروع القانون حسب المادة السابعة، إجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للعمال قبل الدعوة إلى الإضراب، وذلك قصد البحث عن حلول، ويضيف أنه في حالة تعذر المفاوضات أو فشلها يتعين بذل جميع المساعي اللازمة لمحاولة التصالح بين الطرفين.
وينص المشروع كذلك على ضرورة اتخاذ قرار الإضراب من قبل الجمع العام للأجراء، يحضره ثلاثة أرباع أجراء المقاولة أو المؤسسة، والذي يجب أن تدعو إليه الجهة الداعية إلى الإضراب خلال 15 يوما على الأقل من التاريخ المزمع عقد الجمع العام فيه، وكذا تبليغ المشغل عن مكان انعقاده قبل 7 أيام، مع اشتراط الحصول على موافقة أغلبية العمال قبل خوضه، وبلوغ نوع من النصاب القانوني قبل الشروع في الدعوة إلى الإضراب، ولا بد من الإخطار بقرار الإضراب بمهلة لا تقل عن 10 أيام، مع ضرورة تحديد دواعيه ومكانه وشكله، والكشف عن أسماء المندوبين الداعين إليه في حال عدم وجود نقابة بالمؤسسة.
ويعتبر مشروع القانون المشاركين في الإضراب بالمادة 14 من المشروع في حال توقف مؤقت عن العمل خلال مدة إضرابهم، ولا يمكنهم الاستفادة من الأجر عن المدة المذكورة، ويلزم النص الجهة الداعية إلى الإضراب بإبلاغ رب المقاولة أو المشغل والسلطات المسؤولة ومديرية التشغيل بقرار الإضراب، قبل 15 يوما على الأقل من التاريخ المقرر لخوضه، مع تخفيض هذه المدة إلى 5 أيام في حال ما إذا كان الأمر يتعلق بعدم أداء المشغل لأجور العاملين، أو وجود خطر يتهدد صحتهم وسلامتهم، ويمنع حسب المادة 23، بعد إنهاء الإضراب أو إلغائه بمقتضى اتفاق بين الأطراف المعنية؛ اتخاذ قرار إضراب جديد دفاعا عن المطالب نفسها، إلا بعد مرور سنة على الأقل.
أما في حالة الإضراب فيمنع على المضربين، حسب المادة 13، عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب، ويمنع عليهم احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها، وحسب المادة 26 فيمكن لصاحب العمل حال ممارسة الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون أن يطالب بالتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت بالمقاولة. ويمنع النص الأجراء من خوض إضراب للدفاع عن المطالب التي تمت الاستجابة لها لمدة تناهز السنة. وفي ما يتعلق بالقطاع العام، يلزم النص الجديد الجهة الداعية إلى الإضراب بإخطار قبلي لا يتعدى سبعة أيام، ويتضمن القانون سلسلة من المواد التي أدرجت عقوبات مادية وأخرى سالبة للحرية لكل من أخل بهذه البنود، ولم يتقيد بإجراءاتها التفصيلية، بالإضافة إلى تطبيق العقوبات التأديبية.

لمحمد العابدة* : «تجاوز آثار الزلزال وتعديل المدونة من أهم الملفات التشريعية التي على البرلمان حسمها خلال هذه الولاية»
– ما هي أهم الملفات التشريعية المعروضة أمام البرلمان خلال الولاية القادمة ؟
بطبيعة الحال فالبرلمان خلال هذه الولاية المقبلة أمامه وظيفة حبلى بالعمل التشريعي، وذلك بسبب تداعيات فاجعة زلزال 8 شتنبر، وبالتالي فالمؤسسة التشريعية مطالبة بمواكبة الأمر من خلال القوانين التي تصب في منحى تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، وهنا وجب أن أقف عند نقطتين أساسيتين، أولها التي ترتبط بزلزال منطقة الحوز والمناطق المجاورة، وأساس هذا هو مشروع المرسوم بقانون 23-78 المتعلق بإحداث وكالة تنمية الأطلس الكبير، حيث إن الفصل 81 من دستور 2011، يسمح للحكومة بإصدار مشاريع مراسيم بمثابة قانون، تدخل في اختصاص السلطة التشريعية باتفاق اللجنتين المختصتين في مجلسي النواب والمستشارين، وبالتالي فهذا المشروع مهم بطبيعة الحال لعدة أسباب، أولها أن هناك رصيد مالي مهم بحوالي 120 مليار درهم سيتم توزيع صرفها على مدى خمس سنوات من 2024 إلى 2028، وذلك بهدف تأهيل وتنمية الأطلس الكبير عبر إيواء المتضررين وفك العزلة مع تأهيل المجالات الترابية وأيضا عبر تشجيع الاقتصاد والشغل، وبالتالي فهذه الوكالة، الهدف منها هو الحكامة والنجاعة في التدبير، وبالتالي تحقيق التنمية المستدامة المنشودة بالمنطقة والتي تراعي هوية المنطقة وحقوق الساكنة، وأيضا تطلعات المستقبل لتطور منشود في ما هو ثقافي وحضاري وقيمي، وذلك دون الإخلال بمقوماتها الذاتية والقيمية والحضارية، وذلك من خلال الحكامة والتدبير التي كانت وراء الإعلان عن وكالة تنمية الأطلس الكبير، حيث إن المغرب له باع في هذا المجال التدبيري المرتبط بوكالات التنمية، كشأن وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية ووكالة الشرق والشمال، وفي تقديري أن الوكالة ستنجح في مهمتها التدبيرية والتنموية.
أما النقطة الثانية، فترتبط ببلاغ الديوان الملكي الذي وجه فيه جلاله الملك رسالة إلى رئيس الحكومة تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة، ويمكن الخروج بخلاصات بعد قراءة هذا البلاغ الملكي، أولها أن هناك مقاربة شمولية لمدونة الأسرة تستجب لمغرب الألفية الثالثة، والتحولات التي يشهدها البلد سواء على المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، ويجب مراعاة هذه الأشياء، وقد حان الوقت لإعادة النظر في مدونة الأسرة خصوصا وأنها صدرت في 2004 وبالتالي فقد أكملت العقدين من العمل بها، وينبغي معالجة النواقص فيها لجعلها تتلاءم مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية، للعناية الأكبر بالنواة الأساسية للمجتمع والتي هي الأسرة، إذ لا يمكن الحديث عن مجتمع قوي دون الحديث عن نجاح الأسرة، وحين نتحدث عن البلاغ هنا وجب استحضار عدة أبعاد، أولها احترام خارطة الطريق التي وضعها بلاغ الديوان الملكي، وهنا وجب استحضار البعد القانوني، حيث نتحدث عن دور وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، والبعد القانوني وجب أن يكون حاضرا بقوة في الإعداد لهذه المدونة، دون إغفال البعد الديني ودور المجلس العلمي الأعلى، من أجل تقديم القراءة الدينية لأهم الفصول في المدونة حتى لا تخالف الشريعة، خصوصا أن المملكة المغربية ترتكز على إمارة المؤمنين، وهي دولة إسلامية، والدين الإسلامي مصدر أساسي من مصادر التشريع، وكما يقال «لا اجتهاد مع نص»، وفي تقديري فالبعد الديني ينبغي أن يكون أساسيا ورئيسيا خلال الإعداد لهذه المدونة، هنا نستحظر بعض خطب جلالة الملك التي قال فيها بأنه لن يحلل حراما ولن يحرم حلالا، وبالتالي فهذه قاعدة أساسية ينبغي اعتمادها خلال هذه القراءة العصرية لمدونة الأسرة، كما لا ينبغي إغفال البعد الحقوقي وفق دراسات واقعية واجتماعية وعلمية لمعرفة الأسباب السوسيولوجية لظاهرة الطلاق المتفشية كثيرا، وهنا وجب الإشارة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ودوره في التنوير في هذا الجانب، والبلاغ الملكي هو خارطة الطريق لعملية إعادة القراءة لهذه المدونة.
– ماذا بخصوص تقوية البرلمان لوظيفته الرقابية خلال المرحلة المقبلة ؟
في هذه النقطة بالتحديد وجب الحديث عن أن البرلمان مطالب بقوة بالقيام بمهامه والتي لا تنحصر فقط في التشريع، بل أيضا ممارسة الرقابة على عمل الحكومة، وهنا وجب الوقوف عند نقطة مهمة، هي أنه لا يمكن الحديث عن الدور الرقابي للبرلمان إلا مع المعارضة، وهذا أمر غير سليم، حيث الدور الرقابي لا ينحصر فقط على المعارضة بل إن الأدوار الرقابية تقوم بها فرق الأغلبية والمعارضة على السواء، وارتباط الأغلبية بالحكومة لا يعني أن تتقاعس هذه الأغلبية في القيام بدورها، وينبغي على السلطة التشريعية القيام بدورها كما هو الشأن بالنسبة لباقي الدول كبريطانيا على سبيل المثال، بل يجب المرور إلى مأسسة الرقابة، على اعتبار أن دور الرقابة مهم جدا في تجويد عمل الحكومة وإرشادها إلى القيام بمهامها، وإصلاح بعض العثرات، وهنا يكمن دور البرلمان في تطوير العمل الحكومي وتجويده، وإلا لا يمكن الحديث عن دور الانتخابات، هذا دون إغفال الدور الذي تلعبه الفرق البرلمانية في مجلس المستشارين، والدور المنوط بهذه الفرق التي تمثل الفرقاء الاجتماعين من أرباب العمل والأجراء، هذا مع العلم أن هناك العديد من الأوراش الاجتماعية الكبرى التي تنتظر الحسم فيها، والحكومة مطالبة باستحضار رقابة البرلمان خصوصا في الجانب المرتبط بالتشريع وبعض المشاريع، وذلك بغية تحقيق التكامل بين مؤسستي الحكومة والبرلمان.
– ما هي الرهانات التي تواجه البرلمان في الجانب المرتبط بالدبلوماسية البرلمانية ؟
بخصوص هذا الجانب، فاعتقد أن البرلمان يقوم بأدواره المنوطة به في ما يتعلق الدبلوماسية البرلمانية، سواء في التصويت على الاتفاقيات أو من خلال لجن الصداقة البرلمانية، كما يجب الوقوف على المجهود الدبلوماسي الذي تقدمه بعض الأحزاب، خصوصا الأحزاب اليسارية في إطار الأممية الاشتراكية، وهي التي لها الدور المهم في الدفاع عن حوزة التراب المغربي أمام الأحزاب ذات النهج الاشتراكي علميا، دون إغفال الأممية الليبرالية والتي تضم الأحزاب الليبيرالية بما فيها الأحزاب المغربية، ومنه فالدبلوماسية البرلمانية مهمة بشكل كبير، غير أنه يجب دمقرطة هذه الدبلوماسية البرلمانية ومأسستها للتمكين من الاختراق الكلي في كافة المنتديات، فمثلا حين الحديث عن اتحاد البرلمان لدول أمريكا الجنوبية، وجب الحديث عن ضرورة تقوية النفوذ المغربي وعلاقات الشراكة مع هذه البرلمانات، وهذا لا يمنع من الاجتهاد أكثر في المجال الدبلوماسي سواء البرلماني أو حتى في مجال الدبلوماسية الثقافية والاجتماعية والإنسانية وأيضا الرياضة، لمواكبة الدبلوماسية الرسمية المعهودة لجلالة الملك والتي تحقق نجاحات مهمة على مختلف الأصعدة.
*أستاذ القانون العام بجامعة القاضي عياض – مراكش





