
غير خاف على أحد أن مناخ الاستثمار في المغرب ملوث وبحاجة عاجلة لرش حشراته المضرة بالمبيدات قبل أن يعم الكساد. فالتضخم يزداد وطبقة الفقراء ينزل إليها كل يوم سكان جدد ساقطون من الطبقة الوسطى، والحل الوحيد هو خلق مناصب الشغل، ولكي يتم ذلك يجب تشجيع الاستثمار الأجنبي وإقناع المستثمرين المحليين، على قلتهم، بالبقاء وعدم المغادرة نحو بلدان أخرى أكثر إغراء.
وأظن أنه على المستوى الحكومي، وبالنظر لما قيل بالجلسة الشهرية للأسئلة الشفوية بمجلس النواب، هناك توجه عاجل لوضع خارطة طريق لتحسين مناخ الأعمال تشمل إصلاحات عديدة تتعلق بتبسيط ورقمنة الإجراءات الإدارية، وتحسين الولوج إلى العقار والمناطق الصناعية، وتطوير أدوات جديدة للحصول على التمويل، وتحسين الولوج إلى الطلبيات العمومية.
الجميع بات يعرف أن هناك بالبلد جوا ملوثا يخنق الاستثمار ويعرقله لغايات شخصية ضيقة، وأحيانا خدمة لأجندات معادية تريد للمغرب أن يصبح فزاعة أمام المستثمرين. وهؤلاء يقترفون جريمة في حق الوطن ترقى إلى مستوى الخيانة.
ثم هناك جزء من طبقة رجال الأعمال يخشون فتح مجال الاستثمار أغلبهم رجال أعمال ألفوا الريع ولا يستطيعون منافسة الاستثمار الأجنبي لأن جزءا كبيرا منهم تعود على الاستفادة من جو الفساد الإداري والقضائي لإنجاح مشاريعه وتجارته والقضاء على منافسيه بطرق احتيالية.
ولعل ما يشجع بعض المسؤولين العموميين على وضع العصا في عجلة الاستثمار هو خلودهم في مناصبهم لعشر أو خمس عشرة سنة، فيتكون لديهم شعور بأنهم فوق المحاسبة وأن المؤسسات التي يسيرون أصبحت امتدادا لممتلكاتهم الشخصية. وهكذا أصبح لدينا اليوم بعض مدراء المصالح في بعض الإدارات العمومية والشركات الكبرى التابعة كليا أو جزئيا للدولة أخذوا هذه المؤسسات رهينة وأخضعوها لمصالحهم وصاروا يفرضون على الفائزين بالصفقات عمولات تبدأ من عشرة بالمائة من قيمة الصفقة.
وهؤلاء المسؤولون الفاسدون الذين يجيدون حمل “المرفودة” لأولياء نعمتهم، ليس في مصلحتهم أن يدخل الاستثمار الأجنبي المنافس لأنهم ألفوا التخلويض مع شركات أبناء البلد ويعرفون أن المستثمر الأجنبي يحتكم إلى قوانين المنافسة وإذا تعرض لظلم فسيلجأ إلى القضاء أو سيقدم شكاية للديوان الملكي، مثلما صنعت شركات عالمية كبرى تعرضت للمساومة فلم تجد سوى باب القصر لكي تطرقه حتى ينصفها.
وعندما نتحدث عن الاستثمار فإن تفكيرنا يذهب مباشرة نحو الشركات الوطنية والأجنبية الكبرى، والحال أن أهم حلقة في الاستثمار هي المقاولات الصغرى والمتوسطة، هم المقاولون الذين يغامرون بمدخراتهم أو يرهنون أنفسهم وعائلاتهم في قروض بنكية طويلة الأمد من أجل تحقيق حلم مشروع صغير يخلقون فيه مناصب شغل لمجموعة مستخدمين ويساهمون في صندوق التقاعد ويدفعون الضرائب.
هؤلاء المستثمرون الصغار يعدون بمئات الآلاف ومعظمهم يشكو من العراقيل الإدارية التي تنبت لهم من كل جانب من أجل ابتزازهم وجعلهم يدفعون إتاوات من كل نوع لكي يستمروا في العمل عن طريق وسطاء تحولوا إلى أثرياء.
ولذلك فتشجيع الاستثمار يبدأ بتنظيف الجماعات المحلية من أمثال هذه الميكروبات، والمراقبة لا يجب فقط أن تكون على مستوى الوزراء وكبار المسؤولين وإنما أيضا على مستوى الموظفين والمسؤولين العاديين الذين يشغلون مناصب تبدو بسيطة لكن الشطط فيها يمكن أن يعرقل مصالح المستثمرين ويجبرهم على دفع رشاو لتسهيل أمورهم.
ولعل أهم المواقع والمسؤوليات والمهن التي يجب أن تبدأ منها المراقبة هي تلك التي لها علاقة مباشرة بتسيير الشأن اليومي للمواطن والمستثمر. وعلى رأس هذه المسؤوليات رؤساء الجماعات المحلية، وبالضبط مصلحة الرخص التجارية التي تمنحها الجماعة.
لقد سمعنا طيلة أشهر عن رؤساء جماعات اكتملت البحوث القضائية بشأن تقارير مجالس الحسابات الجهوية حول فترات تسييرهم الكارثي للشأن العام، ومع ذلك لازال هؤلاء الرؤساء يعيثون فسادا في البلاد والعباد، ومنهم من يشرع القوانين في البرلمان ويرأس لجان المحاسبة.
إن أكبر فزاعة تطرد الاستثمار هي الإفلات من العقاب، فرأس المال جبان بطبعه وهو يذهب إلى حيث يوجد أمان قضائي وحيث يتم ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وأول إشارة ستعيد الثقة للمستثمرين هي كنس كل هذه القذارة التي تراكمت تحت السجاد وتقديم المفسدين للمحاكمة، والأهم من ذلك تنفيذ الأحكام عند صدورها في حقهم وتجريدهم من حق ممارسة السياسة مستقبلا. فقد تعبنا من رؤية محاكمات ماراثونية تنتهي بأحكام لسنوات طويلة موقوفة التنفيذ يستمر معها المدانون بتسيير المدن وتشريع الأحكام في البرلمان و”تشريع” أفواههم في المواقع والتلفزيونات.






مقال في غاية الأهمية ووضع اصبعه على جرح الفساد الإداري فيما يتعلق بالاستثمار
المرجو تطبيق القانون والضرب بيد من حديد على كل فاسد متربص بوطننا الحبيب