الافتتاحية

من أجل مؤسسات حية

تبدو المهازل والغرائب السياسية التي يبدعها الحزب الحاكم وأذرعه التنظيمية، بعد سبع سنوات من الحكم، بلا نهاية، آخرها كان إعلان نقابة حزب العدالة والتنمية مقاطعة الحوار الاجتماعي مع الحكومة التي يقودها حزبها.
بدون شك، يتعلق الأمر بـ«نكتة سياسية» سمجة، لأنه لا يمكن لأحد أن يستوعب أن نقابيي «البيجيدي»، الذين انسحبوا من جلسات الحوار صباحا، هم أنفسهم البرلمانيون الذين وافقوا مساء اليوم ذاته دون تردد على ما تريده الحكومة والتصويت على الجزء الأول من مشروع القانون المالي المعروض هذه الأيام على مجلس المستشارين.
لكن، بعيدا عن مغربات الحزب الحاكم وهوسه المرضي بالتواجد في المعارضة والحكومة في الآن نفسه، فإن فشل الحوار الاجتماعي والتحاق نقابته بدائرة النقابات المعارضة، يظهر أننا أمام حكومة لا يمكن حتى لذراعها النقابي أن ينتظر منها أي مكسب، فبالأحرى أن يعقد عليها المواطن أية آمال.
والمؤكد أن انسحاب النقابات من جلسات الحوار واتساع دائرة احتجاجات دافعي الضرائب ضد قرارات حكومة العثماني، وكل الأحداث التي تقع تحت أرجل هاته السلطة التنفيذية، لن تحرك ساكنا في هاته الحكومة الصامتة، ولن تعتبر نفسها طرفا في ما يقع أو معنية بما يقع، وستلوذ كما العادة بلغة الصمت والتعويم واتهام جهات بالتشويش عليها ومحاولة إسقاطها وتفكيك أواصر تحالفاتها الهشة. وحين تشتعل الحرائق وتشب نار الغضب الاجتماعي، تخرج الحكومة من غياهب الصمت لتدين ما حدث أو لتعبر عن إنصاتها، دون أن يستتبع ذلك أي رد فعل للتجاوب مع المطالب الاجتماعية.
لذلك، لا ينتظر الشعب شيئا من حكومة العثماني لتقدمه للنقابات وللطبقة العاملة، وهي تخطو نفس خطوات حكومة بنكيران التي لعبت على حبال الوقت لإنهاء ولايتها الانتدابية دون تقديم أي عرض اجتماعي، بل بالعكس نجحت في تمرير قوانين التقاعد القاسية التي تمس القدرة الشرائية لأكثر من مليون مواطن. ويبدو أن حكومة العثماني تنهج بخطى حثيثة المقاربة نفسها من خلال عزمها على إنهاء ولايتها بقرارات ترفع الدعم عن ما تبقى من المواد الأكثر استهلاكا لتزيد من متاعب دافعي الضرائب دون تقديم وصفة للخروج من متاهات الأزمة الاجتماعية الخانقة.
ورغم تدخل أعلى سلطة في البلد في خطاب رسمي لدعوة الحكومة إلى إجراء حوار جدي مع النقابات للتوصل إلى توافقات اجتماعية، إلا أن الواقع يثبت العكس تماما. فنحن أمام حكومة لا تصغي لأحد وتعمل كل شيء لتعود بنا للوراء، وتصبح كل المكتسبات التي حققت حتى في ظل أضعف الحكومات مجرد ذكرى جميلة مرت بنا.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى