شوف تشوف

الرأي

موجات الجاذبية (1/2)

حقائق الوجود خمس: مادة وطاقة وزمان ومكان وقوانين تحكم. وكل من الخمسة له فروع. ففروع الطاقة خمسة: جاذبية وكهرباء ومغناطيس وقوى النواة الضعيفة والقوية، وأضعف القوى هي الجاذبية، وعليها راهن آينشتاين في (النسبية العامة) التي اهتدى إليها عام 1916م، بعد أن تفجر ذهنه عن (النسبية الخاصة) عام 1905م؛ فنسف مفهوم الزمان والمكان المطلقين، واعتبر أنه إن كان ثمة شيء (ثابت) في هذا الكون فهو (سرعة الضوء) فليس دونها ولا فوقها شيء؛ فمن ركب شعاع الضوء؛ فأخذ سرعة الضوء توقف عنده الزمن، وذبح مثل كبش أملح؛ فدخل الخلود بكلمة أخرى. كذلك يمكن قتل الزمن بالوقوف على كوكب عرضه السموات والأرض وبذلك قربت لنا الجاذبية مفهوم الخلود من بوابتين.
وحين تحدث (ألبرت آينشتاين) عن الجاذبية قال عنها إنها ظاهرة كونية، ويمكن أن ترصد مثل رصد أي موجة ماء تكسرت عن حافة سفينة تمخر عباب البحر، بل يمكن رصدها حتى لو طارت بعوضة ورفرف طير بجناحيه. المشكلة هي في قدرة القياس. فالموجة موجودة، ولكن قياسها مثل رصد دبيب نملة سوداء في ليل بهيم على صفاة سوداء. هذا ما قاله الرجل قبل مائة عام.
استهوتني نظرية النسبية منذ كنت طالبا في البكالوريا، حين التقطنا مفهوم الطاقة والمادة، وتحول كل منهما للآخر. كانت فكرة ثورية فعلا، ومن رحم هذه المعادلة الصغيرة الأنيقة ولد أعظم وحش على الأرض: السلاح الذري.
أوتو هان من ألمانيا وصل إلى فكرة انشطار الذرة؛ فكسر المسلمة اليونانية التي عاشت أكثر من ألفي سنة، عن الجزء الذي لا يتجزأ، فذهب فكر اليونان إلى مخلفات التاريخ، ومعه أيضا بعض من علماء المسلمين، الذين بحثوا في فكرة الجزء الذي لا يتجزأ.
كثير من الأفكار تصبح حجر عثرة أمام التقدم العلمي ومنها المنهج الاستنباطي، الذي قال به أرسطو، ويعلق الوردي العراقي على منهجه بأنه أضر بالفكر الإنساني حتى جاء المنهج الاستنباطي، الذي أفرزه الفكر الإسلامي؛ فتحرر العقل الإنساني بقفزة نوعية.
يقول الوردي: حسب أرسطو يجب أن لا تطير طيارة. فحسب ثلاثيته المعروفة: الحديد لا يطير. الطيارة حديد. الطيارة لا تطير.
حاليا نحن نعرف أن ثمة ما هو أصغر من الذرة من الكواركز والليبتونات، ولكن الجديد الذي انفجر في مخابر العلم كان في 14 سبتمبر من العام 2015م، عن الإمساك برقم بلغ نصف ثانية، عن موجات الجاذبية القادمة من عمق الكون، على بعد 1.3 مليار سنة ضوئية، حيث التهم عملاق أسود ـ عفوا ثقب أسود ـ نظيره فدخل أحدهما في أحشاء الآخر، أحدهما بحجم أكبر 29 مرة من شمسنا الحنون، والثاني أكبر بـ 36 مرة فاجتمعا بحجم 65 شمسا. اندمجا بعد أن تحاذيا واقتربا بسرعة 200 ألف كيلو متر في الثانية، ليذوبا في بعضهما البعض بأقل من 8 بالألف من الثانية، مطلقين أمواجا جاذبية، وفيضا من نور بلغ طاقة ثلاث شموس، هي أكثر من كل أضواء الكون مجتمعة، ليتبقى 62 شمسا في بطن بعض، أمواج جاذبية لا ترى إلا بالقياس، يقول السيد (كارستن الرقاص) فيزيائي الجاذبية (Danzman) من معهد ألبرت آينشتاين في هانوفر إن 95 بالمائة من الكون معتم. ولكن ليجو التقطها وسجلها وهو ما هرع إليه آلاف العلماء من مراكز شتى لتأكيده.
ولكن كيف تم التقاط هذه الموجة العجيبة؟ لقد أمكن التقاطها بجهاز برع العلماء في تركيبه منذ أكثر من أربعين عاما، اسمه ليجو، انطلق المشروع من ألمانيا على يد رجل يدعى هاينتس بيلينج (Heinz Billing)، يعيش حاليا في منطقة جارشينج قريب من مدينة ميونيخ في جنوب ألمانيا، ويبلغ من العمر مائة وعام (101) أعمى أطرش، ولكنه يردد: آمل أن أسمع عن رصد أمواج الجاذبية، وها قد وصلته وهو الأصم.
ونظرا لخيبة الأمل في مشروع القطب الجنوبي الأنتراكتيس (BIC2) في محاولة رصد أمواج الجاذبية، من خلال الإشعاع الأساسي الذي خلفه الانفجار العظيم؛ فقد تريث الباحثون جدا قبل الإعلان عن النتائج في مطلع عام 2016م.
يقول ماركو دراجو (Drago) وهو إيطالي من بادوا يبحث في معهد ألبرت آينشتاين في ألمانيا في هانوفر، عن أمر محدد هي لغة السماء وكيف تتكلم النجوم؟ أنه صعق من الايميل الذي تلقاه من زميله آندي لاندجرين (Andy Lundgren) يوم الاثنين على الساعة 12 والنصف ظهرا من مركز التحكم في مؤسسة ليجو (LIGO) في هانفورد من أمريكا، عن رصدهم لوحوش كونية تلتهم بعضها، وتطلق موجات جاذبية؟ إنها ليست الثقوب السوداء الوحيدة من يطلق أمواج جاذبية فهناك نجوم النترون (حيث تنضغط المادة في وحدات نترونية فيصل النجم الهائل إلى حجم 2 ملمتر بعد أن لم تبق فراغات في الذرة). كذلك ظاهرة تشظي السوبرنوفا حين تنفجر في الجوزاء، ولكن للأسف هي تحدث مرتين في القرن الواحد، ولكن ما جرى الآن أيضا لم يكن إلا استثناءا قدريا وأجهزة مراقبة محكمة الصنع.
مهلا علينا فهم بعض الأمور. ما هي ليجو؟ ما هي موجات الجاذبية؟ من أول من قال بها؟
تبدأ القصة من النسبية العامة التي طورها آينشتاين بعد نظريته الأولى في النسبية الخاصة. والآن ما الفرق بين الخاصة والعامة؟ بل لماذا سميت نسبية؟ قال آينشتاين الذي مات بالمناسبة من وراء التدخين وانفجار أم دم أبهرية في بطنه؟، إنه ليس ثمة شيء ثابت بعد الله إلا حقيقة واحدة هي سرعة الضوء.
من الملفت للنظر أن القرآن دمج الاثنين فوصف الرب نفسه أنه نور السموات والأرض، كما جاء في سورة النور.
اختلف العلماء حول حقيقة الضوء وسرعته؟ فأما نيوتن فاعتبر الضوء فوتونات طاقة، أما شرودنجر فقال إنه موجات، وحاليا يقول العلماء إنه الاثنين، ولا نعلم إلى أين تصل الأمور فالضوء سر يكشف عن غوامضه كل حين، كما قال الله أن مثله مثل مشكاة في مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري، يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار.
مالك بن نبي حاول في كتابه الظاهرة القرآنية مقاربة هذا المعنى مع مصباح الكهرباء. أما سرعة الضوء فقد اعتبرها ديكارت لا نهائية، في حين أن غاليلو تجرأ فحاول قياس السرعة مع أعوانه؛ فحملوا قناديل إلى رؤوس الجبال، وبدؤوا يفعلون ما يفعل البرق والرعد. نحن نرى البرق ثم نسمع الرعد، فهذا هو الفرق بين الضوء في سرعته، والصوت في قدومه.
بالطبع يضحك العلماء اليوم من تجربة جاليلو ويعتبرونها مثل من يقيس الأرض بالشبر. ثم حصل الاختراق الرائع في قياس سرعة الضوء بطريقة ذكية على يد فيزو بنظام المسننات وإطلاق الضوء من جانب لآخر بين قرصين يدوران بسرعة خارقة، أحدهما بثلم تختلف عن الآخر فيمر الضوء بين فتحة وسن.
عرف العلماء أن سرعة الضوء تقترب من 300 ألف كيلو متر في الثانية الواحدة (تحديدا 299,792,458). ولكن آينشتاين في نظريته النسبية قال بأن هناك أربع استحالات (استهلاك طاقة لا نهائية ـ تحول الكتلة إلى لا نهائية ـ وانضغاط أحد الأبعاد إلى الصفر) ومن عجائب النظرية النسبية أن الزمن يتوقف مع بلوغ سرعة الضوء، فلا يبقى وقت؛ فندخل الخلود، بل إن تجاوز سرعة الضوء يقلب محور الزمن فتلد البنت أمها؟
ولذا فليس هناك أي سرعة يمكن أن تقفز إلى سرعة الضوء. بالطبع هناك (ميشيو كاكو) الذي أخذ جائزة نوبل على بحثه في الأوتار الفائقة، التي هي أصغر من اللبتونات والكواركز (دون الذرية تكون الإلكترونات والبروتونات) وقال إن الفيزياء الحالية لا تمنع من سرعة أكثر من سرعة الضوء، ولكننا قد نصلها من خلال الثقوب الدودية خلال مئات الأعوام القادمة.
موجات الجاذبية التي نحن بصددها الآن ضبطت في مركز ليجو الذي هو اختصار خمسة كلمات عن الجهاز الليزري الذي يقيس موجات الجاذبية (Laser Intreferometer Gravitation Wave Observatory) بطريقة في غاية البراعة من خلال تسليط عمودين من أشعة الليزر، تتقاطع في الوسط وترتد على مرايا، ليتم رصد سرعة الوصول، وهل ثمة اختلاف في الوصول بين الأشعة المنقسمة عند حاجز نصف نفوذ، قالوا إن الأشعة تطفئ بعضها البعض (شيء عجيب من تداخل الضوء ليتحول إلى ظلام) وبين تباين يقود إلى رسم مخططات سموها نموذج التداخل الليزري. معهد ليفنجستون في لوزيانا، أو مؤسسة ليجو في هانفورد من ولاية واشنطن، ضبطت هذه الأمواج لفترة لم تتجاوز نصف ثانية.
هذه الأمواج تنبأ بها آينشتاين أو هكذا يقولون؟ ولكنه كان يصف الأمر بأنه جم الصعوبة لرصده. حاليا يحاول من يرصد السماء إرسال مركبات فضائية تجثم بثلاثة أمكنة ببعد مليون كم عن بعض، وهو رقم هزيل في الأرقام الكونية، من أجل رصد الموجات على نحو أفضل، فالأرض تهتز وتضيع الحسابات، أما السماء كما وصفها جوته فهناك الهدوء حيث البشر يتخاصمون ويتنازعون على كرسي زائل كما يحاول بشار البراميلي من خلال قتل الناس. مشروع السماء أعطوه اسم أي ـ ليزا (e LISA) وهو مشروع سيتم إنجازه عام 2034.
أرسل لي صديقي أحمد كنعان أن المدافع البريطانية تضرب اليوم مع بلوغ الملكة اليزابيث الثانية عمرها التسعين، وأن مدفعية بشار البراميلي تقتل الأطفال في كفر نبل وضواحي حمص وحلب. قلت له لا تنس أن اليزابيث الأولى هي بنت آن بولين زوجة هنري الثامن التي قطع رأسها مع نسوة آخرين بعد أن تزوج ست مرات وطلق الإسبانية كاترين ومعها البابا وروما. وهكذا فالفتوحات العلمية اليوم خلفها تاريخ مظلم مكفهر أسود ولسنا نحن استثناء مع براميل بشار بدون بشرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى