الرئيسية

«نساء أعمال» مغربيات ضحايا حملة إغلاق حماماتهن في السعودية

شنت السلطات السعودية أخيرا حملة ضد مراكز التدليك أو ما يعرف بـ«الحمامات المغربية». انطلقت الحملة من العاصمة الرياض وامتدت شرارتها لتشمل مراكز أخرى على امتداد التراب الوطني. كانت مبررات مصادرة نشاط هذه الحمامات تكمن في مجموعة من المخالفات حددتها التقارير الرسمية في عدم التوفر على ترخيص من البلدية لمزاولة هذا النشاط، أو انتهاء الترخيص باستعمال «الصونا» وزيادة المراكز عن المساحة المسموح بها، أو عدم توفر العاملين على شهادات طبية، وغياب شروط السلامة في هذه المرافق.
في ظل هذه الحملة اشتكت ربات هذه المراكز، وأغلبهن من المغربيات، من القرار واعتبرنه دفعة قوية نحو الإفلاس، بل إن عددا منهن اتصلن بـ«الأخبار» وعرضت تفاصيل مشكلة قد تزج بهن في السجون نظرا لالتزاماتهن مع الجهات الداعمة، خاصة الأبناك.

أصل الحكاية
ظهرت أولى خيوط الصراع بين البلدية ومراكز الاستحمام المغربية، في منتصف شهر دجنبر الماضي، حين أوقفت السلطات السعودية تراخيص ما يسمى «المشاغل النسائية الحديثة»، التي تحتوي على حمام مغربي وتقدم خدمات التدليك بواسطة «مساج». كانت العاصمة السعودية الرياض منطلق الحملة التي شملت مجموعة من المراكز في مختلف أحياء المدينة، قبل أن تنتشر «لعنة» المصادرة لتشمل حمامات مغربية في مدن أخرى.
كانت اللجنة تتقصى حقائق هذه المراكز، وتصر على التأكد من وجود رخصة سارية المفعول، والتأكد من ملفات العاملات وعقودهن ومدى توفرهن على شهادات في هذه المهنة، والتحري حول بعض الأمور المعمارية، من قبيل إقامة مداخل أو مخارج على الشوارع الفرعية والخلفية، أو ممارسة نشاط العلاج الطبيعي داخل المراكز، إلا بعد الحصول على موافقة الجهات المختصة، وتحديدا وزارة الصحة. وتصر السلطات السعودية على أنها ظلت منذ 2013 ترسل إشارات للحمامات تدعو إلى تسوية الوضعية القانونية.
تقول سعاد النعيمي، مغربية تشتغل في حمام مغربي بالإحساء، بنبرة حزينة: «إذا فتحت محلا للاسترزاق الشريف أغلقته البلدية، وإذا وجدت عملا في مطعم قالوا هذا اختلاط مرفوض، وإن تعرضت للتحرش واشتكيت قالوا «أنتي وش مطلعك من بيتك؟»، وإذا جلست في بيتها عانت من الجوع وتربصت بها الأطماع».

أسباب النزول
قال مدير إدارة التراخيص والرقابة التجارية لمدينة جدة، محمود كنسارة، في تصريح للصحافة السعودية حول سر مصادرة عمل الحمام المغربي، إن «المقصود بالمشاغل النسائية، الأماكن التي تتم فيها ممارسة أنشطة الحمام المغربي والمساج، ومن ثم فإنه لا مانع من إصدار تصاريح للمشاغل النسائية بصفة عامة».
واشترطت سلطات جدة بالنسبة لتراخيص المراكز الرياضية، أن يكون الموقع على شارع تجاري رئيسي، وألا يقل طول واجهته عن 20 مترا، واستثنت الأمانة القاعات الرياضية المغلقة بالأسواق الكبرى والمجمعات التجارية، وتلك الموجودة في الفنادق المصنفة.
لكن تصريح مدير إدارة التراخيص، يؤكد أن دوره يكمن في منح التراخيص، ولا يتدخل في سحبها من أصحابها، بناء على تقرير من لجنة المراقبة، مشيرا إلى وجود بند في التراخيص يشير إلى أن منح الترخيص لا يعد نهائيا، بل يمكن سحبه في أي وقت إذا تبين مخالفة حامله لشروط المرفق الصحي.
إن التوفر على ترخيص لا يعفي صاحبة الحمام من المساءلة، خاصة وأن التراخيص التجارية تظل تحت لجان المراقبة، التي تقرر الإغلاق حتى في ظل وجود ترخيص مصادق عليه من طرف السلطات، وتؤكد أن الإجراءات اتخذتها لجنة لذا فهي تسري على الجميع.

صرخة مغربيات
أغلب صاحبات المشاغل النسائية ومراكز المساج والحمامات المغربية في الرياض، مغربيات الجنسية، وإذا كان حمام مغربي في ملك سيدة من جنسية أخرى فإنه غالبا ما تسند مهمة تدبير المرفق لمغربية، لذا اعترض عدد من المغربيات على قرار الإغلاق الذي دشنته أمانة الرياض وصرخن بصوت واحد «نحن مهددات بالسجن»، بل وطالبن، عبر عرائض إلى من يهمه الأمر، بمعرفة الأسباب الحقيقية وراء الإغلاق.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة «عكاظ» الصادرة من الرياض، قالت المغربية نورا، وهي صاحبة مركز للمساج والحمامات المغربية، «طلبت منا البلدية قبل سنتين أن تكون الحمامات المغربية مبنية وفق شروط وضوابط، وأكملت كل ما هو مطلوب مني، بما في ذلك أن تكون للعمالة شهادات صحية، ورغم ذلك فوجئت بقرار الإغلاق بحجة غير مقبولة».
تساءلت نورا وزميلاتها حول مسببات الإغلاق، وربطنه بدور المرأة ومساهمتها في التنمية، وتساءلن بصوت واحد: هل الإغلاق أمر مشجع على استمرار المرأة في العمل جنبا إلى جنب مع الرجل؟ واعتبرت نورا الإغلاق إجحافا في حق المرأة، متهمة المراكز الرجالية بالمخالفات التي تدعي الأمانة أنها سبب إغلاق النسائية، وطالبت بتراخيص لهذا العمل، مؤكدة أنها وزميلاتها مهددات بالسجن بعد تراكم رواتب العاملات والإيجارات التي تزيد على مليون ريال سعودي، واصفة قرار الإغلاق بـ«غير المدروس»، لأنه لا يوجد له سبب واضح.
وأضافت نورا «كنا ننتظر التكريم لأننا نشتغل بشرف لكننا فوجئنا بالإغلاق غير المبرر، بعد أن رفضنا استثمار أموالنا في بلدنا رغم العروض المغرية».

وعود بالتسوية
طرقت المغربيات الغاضبات مكتب المديرة العامة للخدمات النسائية في العاصمة، وأكدت للمعترضات أنها ستعمل على إيصال أصواتهن، كون هذا من واجبها الذي يحتم عليها خدمة الوطن والمواطن، موضحة أن «الأمانة جهة تنفيذية وليست تشريعية، وأن قرار الإغلاق جاء بموجب تقرير للجنة شكلت من عدة جهات حكومية»، رافضة، في تصريح أدلت به لصحيفة سعودية، توضيح سبب الإغلاق، مبدية استعدادها لرفع خطاب سيدات الأعمال المتضمن امتعاضهن من الإغلاق، وخاطبت السيدات: «قولكن إن بعض المراكز لم تغلق حتى اليوم غير منطقي، فنطاق الرياض يشمل 17 بلدية، بحيث لا نستطيع الإغلاق في نفس الوقت»، وأكدت أن القرار يسري على الجميع وليس هناك استثناءات. وقالت موجهة حديثها للسيدات «أنتن فخر للوطن ولا ترضينا الإساءة لكن، فأنتن بنات نفخر بكن وندعمكن».
لكن وعود التسوية لم تتجاوز حدود لحظة الاستقبال، إذ ظل الوضع على ما هو عليه، وتبين أنه لا أحد يملك قرار إنهاء الحصار المضروب على الحمامات المغربية، ما طرح أكثر من علامة استفهام حول الجهة التي أصدرت القرار والتي لا يمكن أن تتراجع عن قرارها بسهولة.

وقفة احتجاجية محتشمة
في ظل هذا الوضع، كتبت المتضررات عشرة ملتمسات إلى أكثر من جهة معنية بالموضوع، بدءا بالبلديات وانتهاء بالسفارات، خاصة في ظل وجود متضررات مغربيات ومصريات وجزائريات. طالبت سيدات الأعمال في مجال مراكز التجميل، السلطات السعودية بالعدول عن قرار إلغاء مراكز «المساج» والأندية الرياضية النسائية، مؤكدات أنهن منذ صدوره في نهاية العام الماضي وهن يعشن حالة توتر وقلق، بعد أن تكبدن خسائر مادية إثر إنشائهن غرفا خاصة بهن وشراء أجهزة وأمتعة بأسعار باهظة.
بل إن بعضهن أعلن تذمرهن من البلديات التي زكت إنشاء هذه المراكز وساعدت على افتتاحها وموافقتها على الخدمات المقدمة داخلها، قبل أن تصدر قرارا بمنعها، مؤكدات أن إلغاء تلك الأنشطة كفيل بدعم «تاجرات الشنطة»، حسب ما جاء في تصريحات تناقلتها صحيفة «الحياة» السعودية، «ستضطر مالكات المراكز إلى تقديم خدمات المنازل للزبونات لتغطية كلفة رواتب العاملات».
تقول المغربية إلهام السبكي، صاحبة مركز تجميل»، إن «جهود مالكات مراكز التجميل ذهبت سدى بين البلدية والرئاسة العامة لرعاية الشباب ووزارة الصحة، إثر بحثهن عن الجهة المخولة منح تصاريح خاصة لافتتاح غرف المساج والأندية الرياضية، في الوقت الذي تنصلت تلك الجهات من مسؤوليتها في منح تلك التصاريح. وعلى الرغم من أن رعاية الشباب لم تتأخر في دعم رجال الأعمال ومنحهم تصاريح تسمح لهم بافتتاح أندية رياضية ذكورية، فإنها تمتنع عن منحها للسيدات بحجة أن الأمر لا يعنيها، في الوقت الذي تفتقر مكاتبها إلى أقسام نسائية».
وأضافت إلهام أن مصدر انزعاج زميلاتها اللواتي يقتسمن معها نفس الهموم، هو ازدواجية عمل البلدية، التي توسع نشاط الصالات الذكورية نظير إلغاء تلك النشاطات في المراكز النسائية التي تعد المرأة أحوج إليها من الرجل لطبيعتها الأنثوية وسعيها للمحافظة على رشاقتها وجمالها لكن لم يتوفر لها ما تريد».
مساج أم علاج طبيعي؟
وأوضحت إلهام السبكي أن خدمات مركزها قائمة أساساً على المساج بأنواعه، مشيرة إلى أنها حاولت الحصول على رخصة لافتتاحه تحت مظلة وزارة الصحة، فضلا على البلدية، بمسمى مركز «علاج طبيعي»، إلا أنها واجهت كثيرا من الإجراءات البيروقراطية التي يكلف تطبيقها ما لا يقل عن 300 ألف ريال، معبرة عن أسفها لعدم امتلاك البلدية خططا بديلة لتجاوز هذه المعضلة، علما أنني أدفع إيجارا بقيمة 100 ألف ريال سنويا لأجل محلات لممارسة هذا النشاط».
تجمع المتضررات أن تكلفة بناء غرفة واحدة لحمام مغربي تفوق 35 ألف ريال، حوالي 850 ألف درهم، دون احتساب التجهيزات، وطالبن بإيجاد تصنيف واضح للمراكز النسائية يتكون من فئات عدة، يتم على أساسه السماح لمن تستوفي شروطها بمزاولة تلك الأنشطة.
وأكدت رئيسة لجنة المشاغل النسائية في الغرفة التجارية للرياض، أن المنع صادر من وزارة الداخلية، مضيفة: «هذا الأمر دفعنا إلى المطالبة بعقوبة المقصرين فقط، فضلا عن تعميم منع الجميع من مزاولتها، كما أن ذلك من شأنه خلق سوق سوداء تضطر المرأة إلى اللجوء إليها لتلبية حاجاتها».

إدانة حمام مغربي بسبب كاميرا
حسب الروايات المتداولة في أوساط المتضررات، فإن الحملة التي قامت بها وزارة الداخلية السعودية، جاءت بناء على رسالة من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعد أن انتشرت بعض المقاطع المصورة التي تظهر مواقع فاضحة حصلت داخل أروقة بعض المراكز، لكن لماذا لم يتم الضرب بيد من حديد على الحمام الذي وقعت فيه الفضيحة، بدل الإجهاز على الجميع؟ تتساءل نورا.
وفي 12 نونبر الماضي اتهمت النيابة العامة شابا أفغاني الجنسية بوضع كاميرات مراقبة في حمام مغربي، خاصة في غرفة مخصصة لتجميل النساء الذي يتملكه، بالتلصص على النساء بعد أن يخلعن ملابسهن.
وقالت النيابة العامة إن المتهم هتك بالإكراه عرض زائرة من الجنسية السورية عمرها 23 سنة حينما صورها وهي بملابسها الداخلية إبان دخولها إلى الحمام المغربي الملحق بالصالون الذي يمتلكه. وقالت المجني عليها إن موظفة في الصالون حذرتها وهي تستعد للدخول إلى الحمام المغربي بملابسها الداخلية من وجود كاميرات للمراقبة، مشيرة إلى أنها سارعت إلى إبلاغ الشرطة حينما تأكدت من وجود الكاميرات في مكان تبديل الملابس وبداخل الحمام. وعند حضور رجال الشرطة إلى الصالون طلب من المجني عليها مشاهدة المادة الفيلمية المسجلة وإبلاغه ما إذا كانت الكاميرات قد صورتها، مشيرا إلى أنها أفادته بأن التسجيل يظهرها وهي عارية، وهو الأمر الذي أكده تقرير المختبر الجنائي.

مساج «كونطربوند»
أمام تنامي الأزمة لجأت كثير من المغربيات إلى ممارسة تجارة «حقيبة الحمام المغربي»، أو ما يعرف في الوسط السعودي بتاجرات «الشنطة»، وهي فئة تشتغل دون رخصة أو بطاقة صحية، في ما يشبه التهريب. وتتضمن «الشنطة» موادا تروج لتكبير المؤخرة، ومنهن من وجدن في وسائل التواصل الاجتماعي سوقا لعرض منتجاتهن، وتعيين مندوبات همهن مساعدة النساء السعوديات والمقيمات على تكبير المؤخرة والأرداف وعرض «شنط» الحمام المغربي التي تحتوي على أغراض كثيرة، مع ضمان السرية التامة ما دامت الزبونات يمارسن الاشتغال الذاتي.
وحسب مصادر «الأخبار»، فإن الحقيبة السحرية تضم عدة لوازم شغل، وهي: «الخرقة» الخشنة للجسم، «خرقة» الصابون، صابون أسود بزيت الأركان، طين الوجه بالأركان، ماء الورد، دم الغزال (العكر الفاسي)، حجر تقشير القدم، الغاسول الخاص بتنعيم الشعر، مشط الشعر، الخزامى، حناء الجسم، صابون، وهدية مرهم لرطوبة ونعومة ولمعان اليد.

السفارة تدخل على الخط
في ظل هذا الوضع، والترويج الإعلامي لحملة الإغلاق على نطاق واسع، تقدمت مغربيات متضررات بملتمسات إلى التمثيلية الدبلوماسية المغربية في الرياض وجدة، ودعت إلى تدخل السفارة والقنصلية العامة، تطور لفك الحصار عن منشآت خدمات المساج والحمام المغربي للسيدات، وأكدن أنه رغم حصولهن على تراخيص بمزاولة هذه الأنشطة، قررت اللجنة الإغلاق. وكشفت مصادر «الأخبار» أن جهات عليا خاطبت وزارة الداخلية للتأكيد على جميع الأجهزة الحكومية، بعدم منع أي نشاط مصرح بممارسته بطريقة رسمية، وفق ما تقتضيه الأنظمة والتعليمات.
ونقلت صحيفة «الحياة» خبر وصول السجال إلى جهات عليا، وقالت إن التوجيهات شددت على ضرورة حماية الأنشطة، «طالما كانت تحمل تراخيص نظامية باعتبارها حقوقا مشروعة ومحكومة بالأنظمة، وإن كان هناك مخالفات فيحاسب المخالف، وفقا لما تقتضيه التعليمات ذات العلاقة، من دون أن يؤثر ذلك في الخدمات التي تقدم للمواطنين». هذا في الوقت الذي فاق عدد الحمامات المغلقة على مستوى السعودية 15 مركزا، ولم تقتصر المطالب التي حملتها سيدات أعمال على السفارة، بل شملت وزارة العمل حيث طالبتها بالعودة عن قرارها بإلغاء الحمام المغربي وتنظيف البشرة.
تكونت لجنة تضم كلا من حصة العوفي، وبشرى أحمد، وصفيه الحارثي، وميرفت العامودي، وخاطبت وزارة العمل داعية إلى إلغاء قرار فصل نشاط المشاغل عن نشاط مراكز التزيين النسائي، لأن ذلك سيكبدهن خسائر فادحة، داعيات إلى تخفيض نسبة «السعودة» المفروضة على تلك الأنشطة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى