
حسن البصري
اعتذر الاتحاد الإفريقي لكرة القدم لرئيس الاتحاد الموريتاني، في رسالة رسمية، عن خلل في عزف النشيد الوطني لموريتانيا، قبيل مواجهة منتخب غامبيا في دورة كأس أمم إفريقيا التي تجرى في الكاميرون.
مسح الاتحاد الإفريقي فضيحة المعزوفة الخاطئة في مهندس الصوت، وشكر اللاعبين حين قرروا إلقاء النشيد الوطني لبلدهم بالاعتماد على حناجرهم.
لم يقدم الاتحاد الموريتاني احتجاجا للجنة المنظمة، ولم يمسح الهزيمة في «الكاف»، لسبب بسيط، هو أن أحمد ولد يحيى رئيس «الكرة» في بلاد شنكيط، يشغل منصب نائب رئيس الاتحاد الإفريقي، لذا جنح إلى الصمت متحملا غضب المرابطين.
قال مذيع الملعب إن لاعبي موريتانيا سيتغنون بالنشيد، لكن محاولة ثالثة فاشلة سرعان ما قطعت بعد عزف النشيد القديم للبلاد مرة أخرى، وتبين أن حناجر عناصر المنتخب في حالة تسلل.
يعد النشيد الوطني في المباريات الدولية حقنة حماس، ولحظة تنتصب فيها الهامات والقامات، لذا بمجرد الإعلان عن بدء إنشاده تتحول لحظات العزف إلى طقس من طقوس الخشوع والاحترام، ويدخل اللاعبون في حرم «السلام الوطني» بكل ما يحمله من نوبات تركيز عميقة.
في زمن استيراد لاعبي المنتخب من الخارج، يجد كثير من المحترفين عسرا في تجاوز اختبار النشيد، يظهرون كتلاميذ كسالى حين يطلب منهم استظهار المحفوظات، فنراهم يحركون الشفتين ويتمتمون بكلمات مبعثرة.
يبدو أن المهندس، الذي أخطأ في اختيار النشيد، له عذره، فقد تبين أن موريتانيا غيرت نشيدها الوطني القديم مباشرة بعد تغيير الدستور أو تعديله، لذا يحيل محرك البحث عادة على النشيد المنتهية صلاحيته، علما أن موريتانيا لا تعاني أزمة نصوص لأنها بلد المليون شاعر.
لذا ينصح رؤساء البعثات الرياضية بجعل علم البلاد والتسجيل الصوتي للنشيد الوطني من أولويات لوازم السفر، تحسبا لأي طارئ، ففي كثير من المباريات الإفريقية يتعامل مع النشيد الوطني كقطعة «محفوظات».
تعرض المنتخب المغربي لكرة القدم في إحدى رحلاته إلى الموزمبيق، لواقعة مماثلة فجوقة «الشرف» التي عهد إليها بعزف النشيد الوطني لبلادنا، افتقدت للشرف واختارت عزف موسيقى فيلم «تيتانيك»، أنقذ اللاعبون الموقف وحرضوا حناجرهم على الإنشاد، وبعد الخسارة فهم الجميع سر أنشودة السفينة الغارقة، ففي ماما أفريكا تصبح الهفوات أحيانا ملح الملتقيات.
بفضل الكرة أصبح لنا نشيد وطني، حيث ترجع الحكاية إلى سنة 1969، حين دعا الملك الحسن الثاني وزيره امحمد باحنيني إلى القصر، وقال له: «إن تأهل المنتخب المغربي لكرة القدم لمونديال المكسيك يفرض على المغرب التوفر على نشيد وطني، يعزف في أكبر محفل عالمي إلى جانب الأناشيد الوطنية للدول المشاركة». أمر الوزير الكاتب علي الصقلي الحسيني بكتابة كلمات النشيد الوطني ليردده اللاعبون بالمكسيك أثناء عزف النشيد، وهكذا كانت ولادة «منبت الأحرار».
إذا كانت كلمات النشيد الوطني الجزائري قد أرسلت إلى مختبرات مصر لتلحينها، وتكلف الفنان المصري محمد فوزي بذلك، وعلى نفس المنوال أرسل نشيد موريتانيا إلى أرض الكنانة ليضع له فنان مصري آخر يدعى راجح داوود، نوطات اللحن والنغم، فإن الحسن الثاني استدعى الضابط الفرنسي ليو مورغان واضع لحن النشيد السلطاني، وكلفه بإلباس القوافي للموسيقى المخزنية، فهب فتاه ولبى نداه.
حين سمع الحسن الثاني النشيد الوطني يعزف في المكسيك لأول مرة مع المنتخب المغربي لكرة القدم سنة 1970، اتصل بالبعثة هاتفيا وطلب من أفرادها تخصيص حصص للمراجعة كي يحفظ اللاعبون كلماته عن ظهر قلب.
مباريات الكرة في إفريقيا لا تتوقف على تحضير بدني وتقني، بل تتوقف أيضا على نباهة عضو قادر على مواجهة الهفوات خاصة حين تختل موازين التنظيم ويشوه نشيد وطني يرمز للسيادة.
في إفريقيا هناك دورات جديرة بالمتابعة، وأخرى تستحق المتابعة القضائية.





