شوف تشوف

الرئيسية

نعيمة.. زوجة العقيد بنحمو التي فرت معه إلى الجزائر حتى لا تلتهمه دوامة المؤامرات بعد الاستقلال

كان اسمه حاضرا بقوة في اللقاءات الأولى التي جمعت الحسن الثاني، قبل أن يصبح ملكا، مع قياديي الأقاليم الصحراوية. كان أيضا مقربا من الملك محمد الخامس، لكن مياها كثيرة جرت تحت الجسر، أغرقته في دوامة لا قرار لها، ليجد نفسه فارا إلى الجزائر، مكرها ليحافظ على حياته حتى لا يغتاله رصاص الدسائس والمؤامرات، أو أن يكون مصيره مثل بعض قدماء المقاومة السجن بتهمة التآمر على الدولة، فترة قصيرة بعد حصول المغرب على الاستقلال. حتى أنه كسر رجله أثناء قفزه على سور بعد مطاردة الدليمي له.
كان أصدقاؤه في الصحراء ينادونه بـ«الكولونيل بنحمو»، وسبب قربه من الملك الراحل محمد الخامس راجع إلى كونه نجح في توحيد أعضاء جيش التحرير في الصحراء وكان ينسق بينهم والقصر.
توطدت علاقة بنحمو بالملك الحسن الثاني بالضبط سنة 1956 عندما رافقه في زيارة تاريخية للجنوب، وزار معه قبور بعض الشهداء على خلفية الأحداث التي جرت في الصحراء بين جيش التحرير في الجنوب والقوات الإسبانية. ومنذ ذلك التاريخ صار وجوده مزعجا لبعض العسكريين، خصوصا الجنرالين أوفقير والدليمي، حسب شهادة أصدقائه.
زوجة بنحمو ذاقت معه مرارة المؤامرات بعد أن كان مقربا من القصر، وكانت صدمتها قوية عندما وجدت نفسها ملاحقة معه وفي قلب الأحداث.
اسمها نعيمة أيت أومغار وتتحدر من قبيلة عرفت بحمل السلاح ضد الوجود الفرنسي، لذلك اختارت أن تكمل حياتها مع بنحمو الذي كان يرى في السلاح رفيقا مقدسا، لكنه لم يأمن من تبعات هذا الأمر.
كانت نعيمة تقيم في الدار البيضاء رفقة بنحمو، في السنوات الأولى لحصول المغرب على الاستقلال، وعندما خرج ذات ليلة للقاء الملك الحسن الثاني، سنوات قليلة بعد وفاة الملك محمد الخامس، وجد نفسه غير مرغوب فيه، ففهم أن رجلي الحسن الثاني الأكثر قربا منه، يحولان دون مقابلته للملك، وفهم بالتالي أن الأمر لن يقف عند ذلك الحد.
بقيت نعيمة في تلك الليلة لوحدها في منزل زوجها بنحمو، بينهما فر هو من القصر الملكي إلى حي الحبوس بالدار البيضاء ليختبئ عند صديق له، خصوصا بعد علمه أن هناك من يسعى خلفه لاغتياله حتى لا يعود إلى لقاء الملك الحسن الثاني. وحسب شهادة أصدقاء بنحو قيد حياته، فإنه كان مشوشا جدا في بيت صديقه، وكاد يخرج من «الكراج» الذي كان مختبئا فيه لأربعة أيام، ويغامر بحياته حتى يطمئن على زوجته نعيمة التي بقيت لوحدها في البيت. وبطبيعة الحال فإن نعيمة تعرضت في البداية لمضايقات نفسية كبيرة لأن الأجهزة السرية كانت تسعى وراء العقيد بنحمو، وتعرض بيته للتفتيش الدقيق ونهبت محتوياته. ذاقت نعيمة مع بنحمو مرارة الفرار، لأنه خطط للهروب إلى الجزائر. كانت تحمل جينات «المقاومة» من القبيلة التي جاءت منها قبل أن يتزوجها بنحمو، وهكذا فضلت الخروج هي الأخرى من المنزل بدل البقاء فيه وتعرض نفسها لخطر مقبل، خصوصا وأنها تعرضت لضغوطات علها تكشف مكان اختباء زوجها. ففرت رفقة كاتب العقيد بنحمو، الذي كان دائم الاتصال بالعائلة، واحتمت بأحد «الكراجات» في منطقة بنجدية بالدار البيضاء، وسرعان ما اكتشفت، كما روت ذلك في ما بعد، أنها مراقبة من طرف الأجهزة السرية وقتها، لتغير مكان إقامتها من جديد، وبقيت على تلك الحال إلى أن تمكن العقيد بنحمو من لقائها بعد اتصالات سرية بينه وبعض أصدقائه القدامى الذين تطوعوا للتنسيق بينه وزوجته.
غامرت نعيمة بحياتها، وغامر زوجها بحياته رغم الضغوط، للقائها، لأنه كان يخطط للفرار إلى الجزائر، حتى لا يتعرض للاغتيال في المغرب، ولكنه لم يكن ليوافق على المغادرة بدون زوجته، وأخّر عملية الفرار إلى أن اتصل بنعيمة مع كل ما كان يحمله الأمر من مخاطر.
إصرار نعيمة بعد لقائها بزوجها كان كبيرا، وحسب ما رواه بنحمو قيد حياته، فإن زوجته اقترحت عليه أن يذهب، رغم كل ما وقع، ويطلب لقاء الملك الحسن الثاني في الديوان الملكي في الرباط، كما كان يفعل دائما، ثم يشكو إليه الدسائس والحروب التي تريد أن تمنعه من لقاء الملك والحديث معه باسم جيش التحرير في الجنوب. وكما كان متوقعا، فإن الحراسة كانت مشددة ولم يتم السماح لبنحمو وزوجته بدخول بوابة القصر، بعد أن كان يمر منها بمجرد الإدلاء باسمه شأنه شأن باقي الشخصيات التي كان الملك الحسن الثاني يتعامل معها ويقربها منه.
وفي طريق العودة، لاحظت نعيمة أن زوجها أصبح مراقبا، وأن أي يوم يقضيه في المغرب سيكون تهديدا لحياته، فاختفيا تماما عن الأنظار، وخططا للهروب للجزائر، وهو ما وقع فعلا، فقد نجح بنحمو رفقة زوجته وابنيه وبعض أصدقائه في جيش التحرير، في الفرار إلى الجزائر عبر الحدود مع مدينة وجدة. ولم يعد بنحمو إلى المغرب إلا بعد سنوات تغيرت فيها الأوضاع في المغرب، لينجح في لقاء الملك الحسن الثاني في مراكش، بداية الثمانينات، ويثور في وجه الدليمي الذي أصبح جنرالا وقتها، ويخبره بحضور كبار رجال الدولة أنه يعرف الصحراء شبرا شبرا، وأنه هو لا يعرف عنها أي شيء، لأنه يمر فوقها بطائرة عسكرية فقط، وهو الكلام الذي أغضب الدليمي كثيرا.
عاشت نعيمة في المغرب بعد سنوات المنفى، وبقيت وفية لذكرى المضايقات التي تعرض لها زوجها العقيد، فالتجربة بالنسبة لها كانت محكا للعلاقة بينهما أكثر مما كانت قضية مقاومة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى