شوف تشوف

الرئيسيةسري للغاية

هكذا أسس المهندسون الفرنسيون شبكة الري في منطقة سوس

يونس جنوحي

منطقة سوس كانت، ذات زمن، مملكة مستقلة، ولا يزال سُكانها يمثلون إشارة إلى أن الطباع القديمة تنقرض بصعوبة. إنهم أمازيغ يمثلون مجموعة «شلّة» من القبائل وأرضهم الأم تمتد ما بين جبال الأطلس الكبير والجبال المقابلة لها، وهي المنطقة التي لم تكن أبدا بعيدة عن مستجدات المغرب وأحداثه. فقد ثاروا ضد السلاطين المتعاقبين بطريقة ثابتة وغير منتظمة، وقد تكون بعض العقوبات الناتجة عن ذلك مُخيفة للناس الذين كانوا أقل مقاومة وقدرة على الصمود. عندما لا ينشغلون بالقتال، يُعرفون أنهم تُجار جيدون، مُزارعون وحرفيون.
بعد هبوط سريع عبر المنعرجات، تقود الطريق نحو سهل واسع. ترتفع درجة الحرارة، إذ إن سوس تمتد جغرافيا لكي تتصل بالصحراء ويصل تيار الرياح العرضية إلى الأراضي المجاورة.
حيثما يوجد الماء يمكن لأنواع كثيرة من المزروعات أن تنمو.
مررتُ بآلاف أشجار البرتقال ومزرعة للموز.
ذات زمن كانت سوس تُنتج قصب السكر باعتباره المحصول الزراعي الرئيسي.
عندما كان السلطان الشهير «المنصور»، المؤسس، يحتاج الرخام الإيطالي لقصره في مراكش، أدى بالسُّكر مقابله.
وبسبب عدم الاهتمام الرسمي والإهمال المحلي تُرك هذا الإنتاج المربح لكي يتراجع ثم يموت.
إلا أن المنتج الأكثر تميزا في سوس هو شجرة الأرگان، الذي لا يوجد في أي ناحية أخرى من العالم. إنه أشبه بالزيتون. لكن زيت ثماره ليست صالحة للأكل، ولا تُستعمل سوى للإنارة. القصد هنا أنها ليست صالحة للأكل بالنسبة للبشر. لكن الماعز، الجائعة دوما والمُغامِرة، تُحب الأرگان. إنها تقضم الأغصان الدانية، وتأكل الأوراق شبه الشائكة. وعندما تنفد هذه الأخيرة، فإنها تتسلق الأشجار للحصول على المزيد.
إن هذا يشبه حكاية من حكايات الرُحل في الأزمنة القديمة، لكني فعلا رأيت الماعز، عشرات المرات، وهي تتسلق أشجارا ترتفع عن الأرض بعشرين قدما.
طبعا، لا يمكن للماعز السيطرة على الأشجار مثل القردة، لكن أي جذع يمتد بعيدا عن الطرف العمودي، يمثل فرصة سهلة للماعز الرشيقة للوصول إليه.
وأنا ألاحظ علامات إمدادات الماء المنظمة، استدرتُ بعيدا لأتحقق منها.
لقد وجد الفرنسيون أن أرضا كانت خصبة ذات يوم، تُركت لكي تتدهور وتتحول إلى ما يشبه الصحراء.
الأنهار المحلية ليست منتظمة حتى تُعطي مساحة ريّ واسعة، لكن المهندسين الفرنسيين حفروا الأنفاق ببراعة عبر الطبقات الحاملة للمياه، واستفادوا من الإعدادات المحلية لحمل الماء نحو السطح بدون أي عملية ضخ. المناطق الأخرى لم تكن محظوظة جدا، تُزود بالماء الذي يتم ضخه من الآبار العميقة. رأيت أحد الآبار بلغ عمقه 140 قدما، لكن رغم ذلك، كان يحتوي على قرابة مئة قدم من المياه التي يتم تزويد المُزارعين المحليين بها مقابل أداء مبالغ بسيطة.
لقد تحمل الفرنسيون التكاليف الرأسمالية لهذا المخطط.
الماء، هنا، هو الحياة. بالنسبة للمُزارع، فإن حقوق الوصول إلى الماء تكاد لا تقل أهمية عن امتلاك الأرض. إذا كان جارك يملك الماء وأنت لا تتوفر على أي قدر منه، فإنك تتفاوض معه لكي يُزودك به. السعر سيكون مرتفعا وستصل قيمته إلى ما بين 30 و60 بالمئة من المحصول. إن المغربي لا يوظف المشاعر في الشؤون التجارية، وها هو يبيع سلعة لا تقدر بثمن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى