شوف تشوف

الرئيسيةملف الأسبوع

هكذا تربع سواسة على كراسي القيادات الحـزبية

حسن البصري
ركزت أغلب الكتابات التي لامست مسار المنحدرين من سوس، على الجانب التجاري وسلطت الضوء على أسماء تمكنت من القفز بالزانة نحو الثراء بعدما قضت طفولتها في أسر الفقر والهشاشة. الأسماء التي صنعت مجدها بأظافرها كثيرة لا تعد ولا تحصى، منها من تسيد البورصة ومنها من رحل تاركا وراءه ثروة وفكرا جديدا يمكن من الوصول إلى قمة المجد يستحق أن يدرس في كبريات معاهد التدبير التجاري، على غرار الحاج عمر «نص بلاصة»، بالرغم من المنافسة القوية مع رجالات فاس.
في فترة سابقة، ارتبطت الشخصيات السوسية بالفكر الصوفي، حين أنجبت المنطقة عددا من المفكرين أبرزهم العلامة المختار السوسي، في فترة كان فيها الرجل والمرأة في سوس يديرون ظهورهم للسياسة وحتى إذا اندس أحدهم فيها فغالبا ما يكون دافعه المقاومة والدفاع عن الوطن.
أنجبت سوس العديد من السياسيين اختلفت ألوانهم وأوزانهم وأفكارهم، لكن الشيء الوحيد الذي يجمعهم هو
الارتباط وجدانيا بسوس. صحيح أن التاريخ يمنح للمنطقة الريادة التاريخية سياسيا، لكن غالبيتهم هاجروا نحو مرافئ أخرى.
منذ مدة والمشهد السياسي في المغرب يشهد تحولات جوهرية، عميقة ومتسارعة، لكنها تجد أحيانا في أبناء سوس رجالا ونساء يؤمنون بعقيدة «أغراس أغراس»، ويرفضون جعل السياسة مرادفا للمناورة.
نحن أمام عدد هام من زعماء الأحزاب ورجالات الدولة ممن ينتمون لأرض سوس، على غرار محمد بنسعيد أيت يدر ابن شتوكة أيت باها وإدريس لشكر المنحدر من تغجيجت- أيت مجاط، وعزيز أخنوش ابن تفراوات وسعد الدين العثماني الذي كانت الدشيرة مسقط رأسه وقلبه، والروداني محمد ساجد وابن مدينة الانبعاث عبد اللطيف وهبي، وأكيد أن رحم سوس ما زال قادرا على إنجاب زعامات أخرى.

ساجد.. الروداني صانع الأغطية يحكم الدار البيضاء
صحيح أن محمد ساجد قد ولد في مدينة سطات يوم 9 نونبر 1948، إلا أن جذوره في سوس، فقد خرج إلى الوجود من أبوين أمازيغيين ينحدران من قبيلة إندوزان بتارودانت الشمالية بالمغرب، قبل أن يهاجرا إلى سطات ومنها صوب الدار البيضاء.
اختار الولد الدراسة في المجال التجاري بناء على وصية الأب، الأحوج إلى ابنه في تدبير تجارته، نال الولد شهادة في التجارة بمدينة ليل الفرنسية قبل أن يلتحق بعالم السياسة عام 1993 حين انتخب نائبا برلمانيا عن منطقته تحت مظلة حزب الاتحاد الدستوري، إذ أنه انتخب أمينا عاما له في 25 أبريل 2015، وأصبح عمدة الدار البيضاء في 23 شتنبر 2003.
ولأنه حامل مشروع «ترامواي» فقد أصر على أن يكون مساره بنفس القدرة على الاختراق، قبل غضبة الملك محمد السادس على تدبير العاصمة الاقتصادية. لكن بموازاة مع السياسة ترأس ساجد عدة شركات صناعية لافتة، منها شركة للأغطية «مازافيل» كما دخل عالم العقار، بل إنه حرص على الارتباط بمنطقة تارودانت وراهن على فك العزلة على الدواوير في جميع أنحاء المنطقة الجبلية المعزولة من خلال اتصالات مع مغاربة سوسيين مقيمين في الخارج الذين مولوا حوالي ثلث الطرق، وهي عملية لها مكاسب سياسية أيضا.
في 5 أبريل 2017 عينه الملك محمد السادس وزيرا للسياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي في حكومة العثماني، هذا المنصب لم يمنع ساجد من تطوير المشاريع التجارية والصناعية للعائلة.

أخنوش.. حارس المرمى السوسي يسجل في مرمى السياسة
لم يكن الشاب عزيز أخنوش يخلف الوعد مع شواطئ عين السبع، حيث كانت رمال «السعادة» و»النحلة» و»زناتة» شاهدة على شغفه بالسباحة والكرة، رغم أن أسرته كانت تمارس حق الفيتو بين الفينة والأخرى ضد هواية لعبة كرة القدم، التي تحولت إلى اعتكاف بين رمال البحر والملاعب المتربة في حي أوربي يعيش على الدوام تحولا من فضاء مجالي للباطرونا إلى ملاذ للطبقة العاملة.
غادر عزيز أخنوش الدار البيضاء صوب الديار الكندية في بداية الثمانينات من أجل التحصيل، وعاد متأبطا شهادات عليا في إدارة الأعمال، قبل أن يصبح وزيرا وأمينا عاما لحزب سياسي، لكن عزيز أخنوش له امتدادات في أنساب شجرة الوزراء، فهو ابن رقية عبد العالي، شقيقة عبد الرحمان بن عبد العالي، أول وزير للأشغال العمومية في حكومة عبد الله إبراهيم في نهاية خمسينات القرن الماضي، وهو، أي خاله عبد الرحمان، زوج عائشة الغزاوي ابنة القيادي الاستقلالي محمد الغزاوي أول مدير عام للأمن الوطني ومدير سابق لقطاع الفوسفاط وسفير سابق للمملكة بعدة دول، بالإضافة إلى أنه كان صديقا حميما للسلطان محمد الخامس. وتعد عائشة الغزاوي زوجة خاله مرة أخرى، هي أم مليكة زوجة الأمير مولاي هشام، ابن عم الملك محمد السادس.
ورغم أن رقية سلاوية الانتماء ووالده أمازيغي، فإن هذه العلاقة قد كتب لها التوغل أكثر، على الرغم من ظرفية كانت نادرا ما تدفع السوسي إلى الارتباط بشريكة حياة من خارج الدائرة الأمازيغية والسوسية بالخصوص، إلا أن دواعي نضالية ضمن الحركة الوطنية أباحت هذا الانفتاح.
انتقل أحمد أولحاج أخنوش، والد عزيز، من دوار «أكرد وضاض» إلى العاصمة الاقتصادية للمملكة، كتاجر بالتقسيط في محل صغير للمواد البترولية، وبحنكة نادرة استطاع تطوير خدماته ليوسع نشاطه في أرجاء المدينة، ويتجه نحو استثمار الأرباح المحققة في إقامة مصنع للرخام بأكادير.
انشغاله بالجانب الاقتصادي لم يعفه من الانخراط في معمعة الصراع من أجل الاستقلال، وجلب له ولتجارته متاعب لا تحصى/ توجت باعتقاله من طرف سلطات الحماية الفرنسية ومصادرة العديد من أملاكه، غير أن العزيمة والإصرار دفعتا الحاج أحمد لينهض ويؤسس شركة «إفريقيا» الذائعة الصيت.
ويعتبر عزيز أخنوش الشخصية التي رسمت لنفسها، في الوقت الراهن، مكانة متميزة ضمن النخب المغربية الأكثر تأثيرا، فعلاوة على كونه رقما اقتصاديا بفضل استمراره على النهج الذي رسمه والده، مع إغناء هذا التراكم بإيلاء أهمية كبرى للتحديث والعصرنة، فإن هذا الجهد ظهر في «فوربس» حين اختير ضمن قائمة العشرين من أثرياء إفريقيا والصف الثالث كأغنى أغنياء المغرب بثروة بلغت 1.4 مليار دولار. استطاع الوصول إلى رئاسة جهة سوس ماسة درعة، وتعيينه وزيرا للفلاحة والصيد البحري لولايتين متتاليتين، كما تربع على كرسي زعامة حزب التجمع الوطني للأحرار.

منيب.. بين سوس ووهران ومونبوليي والدار البيضاء
عندما حضرت نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، إلى مدينة الدشيرة لتوديع الفقيد عبد القادر موزاكي، الكاتب الإقليمي للحزب، كشفت عن جذورها السوسية، ولم تتمالك نفسها وهي تذرف الدموع على قبر الراحل بمقبرة الدشيرة الجهادية.
ولدت نبيلة سنة 1960 في مدينة الدار البيضاء وسط أسرة ميسورة الحال، فقد كانت أمها من وجوه المجتمع المخملي، ووالدها اشتغل طويلا في السلك الديبلوماسي، خاصة في الجزائر، وفي وهران نالت شهادة الباكلوريا. لكن نمط العيش كان مختلفا نوعا ما إذ لم تكن أسرتها توفر الدرهم الأبيض لليوم الأسود، ترعرعت في بيت «والدتي رحمها لها كانت ترتدي في البيت أجمل ما لديها لتجالسنا نحن الأبناء، وكانت الأكثر أناقة، وأنا مدينة لها بتلقيني تلك التفاصيل وفلسفتها في الحياة وحب العيش، ومازلت أتذكر ترديدها للمثل المغربي الذي يقول: «لهلا يخلي لبومارت ما يورث»، كما ورد في أحد لقاءاتها الصحفية، التي تحاول من خلالها التمرد على نظرية تجعل اليسار مرادفا للفقر.
بعد حصولها على شهادة الباكلوريا شعبة العلوم التجريبية، انتقلت نبيلة منيب إلى فرنسا لاستكمال تعليمها الجامعي شعبة البيولوجيا في جامعة مونبوليي، إلى أن حصلت على شهادة الإجازة لتقرر استكمال المسار الدراسي بنيل الدكتوراه. في هذه المدينة الجامعية جنوب فرنسا، تعرفت على الطالب يوسف حجي الذي تقاسمها نفس طموحات الرفيقة نبيلة، فسقطت في حبه من أول نظرة، بعد أن جمعهما النضال في المهجر ضمن قطاع الطلبة الديمقراطيين، سنة 1984، إلى جانب طلبة آخرين أمثال الديوري ومرجان ومعزوز وزوجته غيتة ومحفوظ واللائحة طويلة.
عينت نبيلة منيب أستاذة جامعية واختار زوجها نفس المسار، وظلت تحرص على التوفيق بين مقرين، مقر الحزب الاشتراكي الموحد في زنقة أكادير ومقر بيتها في شارع الزيراوي.
عندما حضرت نبيلة منيب، الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، إلى مدينة الدشيرة لتوديع الفقيد عبد القادر موزاكي، الكاتب الإقليمي للحزب، كشفت عن جذورها السوسية، ولم تتمالك نفسها وهي تذرف الدموع على قبر الراحل بمقبرة الدشيرة الجهادية.
ولدت نبيلة سنة 1960 في مدينة الدار البيضاء وسط أسرة ميسورة الحال، فقد كانت أمها من وجوه المجتمع المخملي، ووالدها اشتغل طويلا في السلك الديبلوماسي، خاصة في الجزائر، وفي وهران نالت شهادة الباكلوريا. لكن نمط العيش كان مختلفا نوعا ما إذ لم تكن أسرتها توفر الدرهم الأبيض لليوم الأسود، ترعرعت في بيت «والدتي رحمها لها كانت ترتدي في البيت أجمل ما لديها لتجالسنا نحن الأبناء، وكانت الأكثر أناقة، وأنا مدينة لها بتلقيني تلك التفاصيل وفلسفتها في الحياة وحب العيش، ومازلت أتذكر ترديدها للمثل المغربي الذي يقول: «لهلا يخلي لبومارت ما يورث»، كما ورد في أحد لقاءاتها الصحفية، التي تحاول من خلالها التمرد على نظرية تجعل اليسار مرادفا للفقر.
بعد حصولها على شهادة الباكلوريا شعبة العلوم التجريبية، انتقلت نبيلة منيب إلى فرنسا لاستكمال تعليمها الجامعي شعبة البيولوجيا في جامعة مونبوليي، إلى أن حصلت على شهادة الإجازة لتقرر استكمال المسار الدراسي بنيل الدكتوراه. في هذه المدينة الجامعية جنوب فرنسا، تعرفت على الطالب يوسف حجي الذي تقاسمها نفس طموحات الرفيقة نبيلة، فسقطت في حبه من أول نظرة، بعد أن جمعهما النضال في المهجر ضمن قطاع الطلبة الديمقراطيين، سنة 1984، إلى جانب طلبة آخرين أمثال الديوري ومرجان ومعزوز وزوجته غيتة ومحفوظ واللائحة طويلة.
عينت نبيلة منيب أستاذة جامعية واختار زوجها نفس المسار، وظلت تحرص على التوفيق بين مقرين، مقر الحزب الاشتراكي الموحد في زنقة أكادير ومقر بيتها في شارع الزيراوي.

ناجم أبا عقيل في مواجهة هيمنة تجار فاس
عرف ناجم أباعقيل بنضاله المبكر، مع رفيق دربه أحمد أخنوش وشخصيات سوسية أخرى كانت وراء تأسيس «الحزب التقدمي الحر» سنة 1974، استنادا إلى مرجعية سياسية سوسية في شخص أحمد أكدورت.
يجمع الباحثون في التاريخ السياسي للمنطقة على نجاح «الحزب التقدمي الحر» في استقطاب عدد من النخب السوسية، مع العلم أن نصف أعضاء مكتبه السياسي ينحدرون من منطقة تافراوت، قبل أن يصطدموا جميعا بتوجه تقوده أم الوزارات حينئذ ويمنعون من المشاركة في الانتخابات بجرة تعليمات في مغرب يعيش غليانا غير مسبوق اصطلح عليه في ما بعد بمغرب «سنوات الرصاص».
كان ناجم وهو الذي اختار قطاع مطاحن القمح، يصر على محاربة هيمنة أقلية فاسية على الاقتصاد الوطني، واختزال الحضور السوسي في دكاكين البيع بالتقسيط، مروجا لما أسماه بالاستقلال السياسي، رغم أن البعض انتقد الحزب من طرف مجموعة الدار البيضاء المؤسسة للحزب الحر التقدمي التي تدافع في بيانها السياسي والمذهبي عن الليبرالية وتعطي الأولوية لتشجيع المبادرة الخاصة في المجال الاقتصادي. وهي بذلك تتوجه إلى طبقة المقاولين دون غيرهم. أما مجموعة الرباط المؤسسة لحزب العمل فتقدم نفسها كامتداد للمقاومة بطريقة إصلاحية وليست ثورية. ولذلك فهي تتبنى برنامجا إصلاحيا يعطي الأولوية للبادية.
يعد ناجم من الشخصيات الوطنية الجديرة بالاحترام، فقد رأى النور في بيئة دينية وتربى تربية وطنية، حفظ وهو يافع القرآن الكريم، اصطف في صف الحركة الوطنية مبكرا. دخل عالم السياسة رفقة رجال المنطقة وظل مدعما لحزب يعاني من غضب إدريس البصري قبل أن ينشئ حزب العمل، لكنه سيدخل مجلس النواب خلال ولاية 1977 باسم التجمع الوطني للأحرار ويصبح عضوا بمجلس المستشارين خلال ولاية 1997 باسم حزب العمل.
ساند الحزب الحر التقدمي حزب الأحرار في الانتخابات البلدية والقروية لسنة 1976 والانتخابات التشريعية لسنة 1977. أما حزب العمل فقد استمر من الناحية التنظيمية، ولكنه لم يصل أبدا إلى أن يكون مؤثرا على المستوى السياسي.
لعائلة أباعقيل امتدادات سياسية، فجمال الدين أباعقيل، ابن ناجم أبا عقيل، كان عضوا بمجلس النواب خلال ولاية 1993 باسم حزب الحركة الشعبية، أما طه أباعقيل، ابن أخ ناجم فقد كان عضوا بمجلس النواب خلال ولاية 1993 باسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

لشكر.. مول الحانوت والحنين السياسي لمنطقة تغجيجت
لم يسقط رأس الزعيم الاتحادي إدريس لشكر في تغجيجت داخل العمق السوسي عند بوابة الصحراء، لكنه لا يتردد في الاعتراف بالانتماء لهذه المنطقة التي أريق حول جوانبها الدم السياسي، فقد عاش طفولته في العاصمة وابتلي وهو صغير السن بقراءة جريدة «التحرير» التي اطلع من خلالها على النقاش السياسي دون أن يفهم خيوطه.
وحين التحق بالشبيبة الاتحادية، شرع في رسم معالم الطريق نحو القيادة، وحده والده هو الذي يذكره بين الفينة والأخرى بدور رجال تغجيجت في كتابة تاريخ المقاومة في الجنوب المغربي، لكن إدريس كان يفكر في مسقط رأس والده وأصوله حين يضيق به الخناق من جراء القمع الذي لحق الاتحاديين في السبعينات، إذ تقفز أمام ذهنه تغجيجت كمخبأ ينجيه من غارات المخزن.
مرت أحداث كثيرة جعلت إدريس يرفع سقف أحلامه من زعامة الشبيبة الاتحادية إلى الكتابة العامة للاتحاد الاشتراكي، معتمدا في إبحاره على مجداف القيادي محمد اليازغي، رغم أن هذا الأخير كان في ضفة أخرى غير ضفة عبد الرحمن اليوسفي.
دفعت الأصول الأمازيغية للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي بعض خصومه إلى انتقاد تدبيره، خاصة حين وصف معارضيه من تيار الراحل الزايدي بأنهم مثل أقلية مثلية، فانحدر مستوى النقاش أكثر إلى أن رد عليه خصومه ولقبوه بـ«لشكر مول الحانوت» بمناسبة ظهوره في برنامج «90 دقيقة للإقناع» على قناة «ميدي 1 تي في»، في إشارة إلى أصوله السوسية وهو التعليق الذي دونه في صفحته الفايسبوكية، شقيق حسن طارق، واضطر إلى مسحه من جداره، حين انتفض ضده أبناء دائرة تغجيجت نواحي كلميم، وغيرهم من الاتحاديين السوسيين الذين ساندوا الكاتب العام وناصروه باسم الأصول، لكن حين فكر لشكر في الترشيح بهذه المنطقة حذروه ونبهوه إلى صعوبة النجاح في منطقة تحكمها القبيلة قبل ضوابط الحزب.

العثماني.. الطبيب النفساني في أدبيات المختار السوسي
تتميز الحكومة الجديدة بحضور لافت للنخب الأمازيغية سوسية كانت أم ريفية أم زمورية، فرئيس الوزراء سعد الدين العثماني، ينتمي إلى عائلة علمية عريقة معروفة بسوس، لها فروع في أماكن متفرقة، أنجبت العديد من العلماء والصلحاء، بل وترتبط بوزير التاج السابق محمد المختار السوسي، الذي خصص لها أكثر من مئة وستين صفحة في الجزء السابع عشر من كتابه التاريخي «المعسول»، حيث قال وهو يقدم تعريفا بعائلة العثماني «يجب علينا أن نؤدي الحق لهذه الأسرة المباركة العثمانية التي تسلسل فيها العلم والصلاح في سوس منذ القرن السادس إلى الآن. ولم أعرف الآن في المغرب أسرة تسلسل فيها العلم أبا عن جد في زهاء ألف سنة إلا هذه». ووصفها في كتابه «سوس العالمة» بأنها «أعظم أسرة علمية سوسية»، وأنها «لم تزل في جميع أجيالها منذ القرن السابع تطفح بالعلماء، بل وبالأدباء إلى الآن». وقد ذكر المختار السوسي من رجالاتها المعروفين بالعلم والتدريس أو بالصلاح قريبا من مائتي شخصية، قلة منهم اختاروا غمار السياسة.
وكان جد سعد الدين العثماني قريبا من أبي العباس أحمد الجشتيمي الشهير بالعلم والأدب، إمام السلطان المولى الحسن الأول، وهو من أدخله بلاط السلطان مبكرا. وقد أمضى العثماني عبد الله حياته في الإمامة والتدريس، لكن الأستاذ محمد المختار السوسي ينوه أساسا بمعرفته بتاريخ المنطقة. وكانت له علاقة خاصة مع المختار السوسي. كما كان ضمن الوفد من علماء سوس الذي استقبله الملك محمد الخامس في دجنبر 1955، «ورفع إلى جلالته ملتمسا بإحداث عدد من الإصلاحات».
حين يغادر العثماني منصبا سياسيا لا يتردد في العودة إلى عيادته لمزاولة مهنته الأصلية كطبيب نفساني، بعد أن يقضي في الوزارة ما تيسر من زمن قبل العودة إلى مكتبه، حيث يصغي لمعاناة زبنائه الذين لا علاقة لهم بهموم الحكومة. فيتحول العثماني من متكلم إلى مستمع.
حين غادر وزارة الخارجية اختار مدينة الدشيرة للنقاهة السياسية، ومنها كشف في تدوينة نشرها على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، عن استئناف مهامه الطبية والتفرغ لمرضاه النفسيين ليتبين أن عودته إلى الطب كانت مجرد توقف في محطة عبور.

محمد بن سعيد أيت إيدر.. لينيني شتوكة أيت باها
ولد هذا المناضل في فاتح يوليوز 1925، بتينمنصور في إقليم شتوكة أيت باها جنوب المغرب، وظل وفيا لهذه المنطقة، وتلقى تعليمه بعدد من مدارس سوس العتيقة «مدرسة علال العتيقة». بعد نهاية الحرب العالمية الثانية التقى لأول مرة بالفقيه محمد المختار السوسي، وانتقل إلى مراكش لمتابعة دراسته مدرسة ابن يوسف، فانفتح على العمل الوطني برفقة عبد الله إبراهيم وعبد القادر حسن، والمهدي بن بركة. كما شارك في قيادة فيالق جيش التحرير المغربي وساهم في تكوين خلايا المقاومة رفقة قيادات أخرى مثل عمر المسفيوي ومحمد باهي. هذا بالإضافة إلى قيادات أخرى بميدان القتال، مثل ناضل الهاشمي وإدريس بن بوبكر والأنصاري بلمختار ولغظف بن عبد الله وغيرهم.
تعرض أيت إيدر للاعتقال في بداية الاستقلال مع عدد من أطر المقاومة وجيش التحرير. لجأ مبكرا إلى الجزائر، ثم انتقل إلى فرنسا، وساهم في تأسيس منظمة 23 مارس. كما أسس بعد عودته إلى المغرب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي سنة 1983، وتولى مهمة الأمين العام لها. وباسمها انتخب نائبا في البرلمان عن منطقة شتوكة آيت باها. وساهم سنة 1992 في تأسيس الكتلة الديمقراطية وفي توحيد شتات اليسار سنة 2002، بتأسيس حزب اليسار الاشتراكي الموحد، وفيه تخلى عن منصب الأمين العام واكتفى بموقع الرئيس. وكونه ينحدر من عائلة ميسورة، هذا ما جعل سياسته غير مبنية على حب السلطة والمال، حيث إنه كان وما زال مخلصا لوطنه وهذا يتجلى في كونه حارب من أجل الاستقلال، وناضل بعد الحصول عليه من أجل تقدم وازدهار البلد من الناحية التنظيمية، وذلك بتأسيس مجموعة من التنظيمات السياسية والجمعوية، وهو ما كلفه أحيانا المحاكمة والنفي، بل وصدر في حقه حكم بالإعدام غيابيا، ما أهله ليشغل عضوية المجلس الوطني للمقاومة، بعد رفض رئاسة هذا التنظيم.
رغم أن أيت إيدر قد نشأ في منطقة معزولة عن التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عرفها المغرب في عهد الحماية، والتي لم يكتشفها إلا بعد انتقاله إلى مراكش، إلا أن اصطدامه مبكرا رفقة زملائه بحاكم مراكش الباشا التهامي الكلاوي، مكنه من تعلم أبجديات المقاومة والمعارضة مبكرا، خاصة وأنه انخرط بقوة في العمل المسلح بمشاركته في قيادة فرق جيش التحرير المغربي وتكوين خلايا المقاومة. وفي هذا السياق، تولى في بداية الخمسينات منصب المسؤول السياسي لقيادة جيش التحرير في الجنوب. وأرخ لهذه المرحلة من حياته في كتابه بعنوان «صفحات من ملحمة جيش التحرير بالجنوب المغربي».
عركته رحلة النفي إلى الجزائر، حيث اتهمه النظام بالمشاركة في مخططات تخريبية لزعزعته، ومن الجزائر انتقل إلى فرنسا، حيث دخل تجربة سياسية جديدة من خلال الانخراط في منظمة حملت اسم «23 مارس» ذات التوجه الماركسي اللينيني، في الوقت الذي كان فيه أبناء سوس ينفرون من هذا التوجه الذي ظلوا يعتقدون أنه مخالف للدين.
عاد أيت إيدر إلى سوس عام 1981، ودشن تجربة جديدة من العمل السياسي في إطار المؤسسات، من خلال حزب «منظمة العمل الديمقراطي الشعبي» التي انتخب أمينا عاما لها عام 1983، وباسم المنظمة دخل البرلمان وكان وجها بارزا عرف بإثارته لقضايا حساسة، فقد كان أول سياسي يطرح قضية معتقل تازمامارت التي كانت من قبيل المسكوت عنه.

وهبي.. قدم في الريف وأخرى في سوس
تنحدر والدة عبد اللطيف وهبي من إقليم الدريوش، التابع ترابيا لمنطقة الريف، حيث ما زال يواظب على زيارة أقاربه بالمنطقة، رغم تنقله شبه الأسبوعي إلى مدينة أكادير وتارودانت، حيث يقيم جزء كبير من أسرته الكبيرة من جهة والده، فيما يقيم عبد اللطيف رسميا بالعاصمة الرباط، حيث يملك مكتبا للمحاماة أغلب زبائنه من الأمازيغ.
تربى وهبي في صفوف اليسار وخبر عنهم الكثير، منذ زمن الطفولة، حيث كان يزور بيت العائلة في سوس، واقترب من رموز وأسماء وشخصيات معروفة من داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
عرف بخرجاته في البرلمان وهو نائب برلماني عن حزب «البام»، حيث فاز بأغلبية الأصوات في منطقة نفوذه تارودانت في 2011، ثم في 2016. ليس فقط لأنه ابن المدينة، بل بفضل الكاريزما التي يتمتع بها وقدرته على الجدال. وهو ما خلق له العديد من المشاكل داخل حزبه نفسه، إذ كانت علاقته مع أمينه العام السابق إلياس العماري على غير ما يرام، مما أدى به إلى الاستقالة احتجاجا، كما كانت علاقته متوترة أيضا بزميله في الحزب الأمين العام السابق أمين بنشماش، الذي حاربه بشدة، خاصة حين أسس تيار المستقبل من داخل الحزب وعززه بكثير من القيادات الأمازيغية.
عزف وهبي على وتر حساس لجمهور حسنية أكادير، واخترق كتلة انتخابية جديدة في مدينة الانبعاث، حين باشر من موقعه كمحامي إجراءات فسخ عقد مدرب حسنية أكادير امحمد فاخر، بناء على المعطيات التي توصل بها من طرف إدارة نادي حسنية أكادير لكرة القدم، مشيرا إلى أنه «في حالة ذهاب فاخر إلى القضاء فالأكيد سنذهب معه». وهو من قام بإجراءات الفسخ بناء على ما توصل به، بل إنه راسل فاخر بمراسلة من مكتبه في الرباط تربط الإقالة بالظروف القاهرة.

الحسين آيت أحمد.. سياسي أمازيغي جزائري يوصي بدفنه في تربة سوس
ساد نقاش واسع في الجزائر حول مكان دفن جثمان الراحل الحسين آيت أحمد، أحد أبرز المعارضين الجزائريين ورئيس «جبهة القوى الاشتراكية» السابق، عندما وافته المنية صباح يوم الأربعاء 23 دجنبر 2015 بمستشفى «لوزان» في سويسرا، وذلك عن عمر يناهز 89 سنة إثر مرض عضال لم ينفع معه علاج.
تقول وصية المناضل الجزائري: «رجاء ادفنوني بعد موتي في المغرب»، لكن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة كان له رأي آخر، إذ قال لشقيقه سعيد: «يبدو أن الرجل سيدفن أين قضى حياته»، ويقصد الجزائر، فيما تضاربت معلومات حول وصية منه لمقربيه بدفنه في الجزائر أو المغرب، تاركا الاختيار لعائلته.
أوصى الزعيم الجزائري الحسين آيت أحمد بدفنه في المغرب وقال مقربون منه إنه متيم بسوس وله علاقات قوية مع أيت إيدر، وهي الوصية التي أقلقت بوتفليقة. وأفاد كريم مولاي، الضابط السابق في المخابرات الجزائرية، بأن «نجل المرحوم آيت أحمد ليوغرطة أخبر السعيد بوتفليقة عبر مكالمة هاتفية، بوصية أبيه بدفنه في المغرب على غرار والد الفقيد». بل إن جده الشيخ محند الحسين الذي ينتمي إلى الطريقة الرحمانية، عاش طويلا في المغرب.
دار سجال كبير حول هذا الموضوع، خاصة بعدما رد محمد نبو، السكرتير الأول لحزب جبهة القوى الديمقراطية، على الرئيس بالقول: «إذا كان الرئيس يصر على دفن المناضل آيت أحمد أين قضى الفترة الأكبر من حياته، فإن الحسين قد عاش في لوزان الفترة الأطول من حياته».
تضاربت الأخبار عن مكان دفنه أكثر مما انشغل الصحافيون بمساره، وتراقص أمام النظام الجزائري طيف المغرب، خاصة وأن ابني الفقيد يستقران بالمملكة المغربية. وانشغل الناس بدفن القائد التاريخي للحركة الوطنية، وأحد أبرز وجوه حزب التحرير الوطني ومؤسس ورئيس جبهة القوى الاشتراكية، رغم أنه غادر الحياة السياسية قبل رحيله بعامين، لكن محيط الرئيس ضغط بقوة لدفنه بالجزائر لاعتبارات سياسية وتاريخية مهمة في مثل هذه الحالات.
وكان الحسين آيت أحمد، الذي ولد سنة 1926 بولاية «تيزي وزو»، قد أسس بعد استقلال الجزائر في 1962 «حزب جبهة القوى الاشتراكية» دفاعا عن التعددية ومناهضة لنظام الحزب الوحيد الذي كرسته «جبهة التحرير»، كما عاش في المغرب وله صداقات متينة مع اليسار المغربي، سيما بعد هروبه من سجن الحراش الجزائري سنة 1966، ولم يعد إلى الجزائر إلا بعد انتفاضة أكتوبر 1988.
حين غادر الحسين الحزب قال: «سأنسحب من رئاسة الحزب، وكان بودي وكان بوسعي أو ربما كان يجدر بي ولم أفعل ذلك من قبل».
واحتفظ الراحل بشعبية كبيرة طيلة مساره النضالي، وبالصورة نفسها التي لطالما رسمها لنفسه، ذلك الرجل الثائر الثابت على مبادئه، الرافض لكل المساومات، الخائف على بلده والمدافع عن وطنه، إنه ببساطة «الدا الحسين» الذي غادر الجزائر كبيرا قبل أن يعود إليها في جنازة مهيبة، حضرها عدد كبير من السياسيين المغاربة، حيث ووري الثرى في مسقط رأسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى