
تواصل الوزارة سلسلة لقاءاتها لنقابات التعليمية في إطار المفاوضات حول نقط عالقة في تنزيل النظام الأساسي، وفي هذه اللقاء قدم الوفد الممثل للوزارة أجوبة الحكومة بخصوص المطالب المالية المترتبة على بعض الاتفاقات السابقة، وفي انتظار معرفة تفاصيل العرض الحكومي، والذي لا تنتظره النقابات بتفاؤل كبير، تظهر الحاجة لطرح أسئلة حول طبيعة العمل النقابي. فهيمنة ما يسميه خبراء ب”النزعة المطلبية” على حساب المهام أخرى حيوية ضرورية من قبيل تقديم الرأي والنقد والتعديل فيما يخص السياسيات التعليمية، والاكتفاء بالشعارات المذهبية، جعل كثيرين يسائلون مصداقية النقابات، لكونها مطالبة أخلاقيا، إلى جانب الدفاع عن مصالح الشغيلة التعليمية أن تدافع أيضا عن مصالح تسعة ملايين تلميذ يعانون من ضعف الجودة وغياب الأمل في حياة جيدة وكريمة.
لا شيء يعلو فوق المطالب المالية
تستأنف وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة مشوار مفاوضات تنزيل النظام الأساسي بداية هذا الأسبوع، عقب توجيه الدعوة إلى النقابات الخمس الأكثر تمثيلية من أجل مباشرة النقاش مجددا بخصوص النقاط الخلافية المتبقية. وتوقف الحوار أحيانا، دفع النقابات إلى التلويح بالاحتجاج عبر منح الوزارة الوصية، لكن الدعوة الحالية تلغي دعوات خروج للشارع وإضرابات قطاعية رفعتها فئات عديدة. وتعد وزارة التربية الوطنية بتجويد تنزيل النظام الأساسي الجديد قبل متم السنة الدراسية الجارية، وهو ما تتبناه النقابات كذلك، لكن العوائق المالية مازالت تجعل حلول القطاع متعثرة، في وقت نزعت الحكومة فتيل الاحتجاجات في قطاعات أخرى.
وترحب النقابات بدعوات القطاعات المعنية بالشق المادي، وفي مقدمتها وزارة الاقتصاد والمالية، مع دعوتها وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة إلى التحرك من أجل التنسيق وإيجاد حلول عاجلة، بعدما حدد الحوار الاجتماعي المركزي تاريخا لنظر الحكومة في التفاصيل المادية ومدى قدرة مالية سنة 2025 على تحملها.
هذه التطورات جعلت مهتمين يتساءلون عن طبيعة العمل النقابي من حيث المبدأ، هل يتلق الأمر بهيئات تطالب بتحسين الوضع المالي للموظفين فقط، أم أن وظيفتها تتعد ما يعرف ب”النزعة المطلبية” لتشمل أيضا تقديم آراء ومقترحات وأفكار على شكل ورقات تهم المخططات الإصلاحية؟
هوية العمل النقابي تطرح اليوم، بسبب طغيان الشعارات السياسية في التعاطي مع مختلف مشاريع الإصلاح دون الاعتماد على آراء خبراء موضوعيين، يثمنون الصالح ويدعون لتجاوز الفاسد. فحتى الساعة لم تقدم أية نقابة مذكرة أو ورقة تبدي فيها رأيها حول ما يعرف اليوم ب”خارطة الطريق الجديدة”، التي وضعها وزير القطاع شكيب بنموسى، حيث انصبت كل المداخلات والبيانات الصادرة عن التنظيمات والأشخاص حول المصالح المباشرة للموظفين دون التطرق إطلاقا لمصلحة تسعة ملايين تلميذ أغلبهم يدرسون في التعليم العمومي.
انقاسمات لا تنتهي
يشمل قطاع التعليم قسمين من الشغيلة، قسم مرسم سابقا (توظيف مركزي) يشكل قاعدة النقابات التقليدية، ويمثل قرابة ثلثي العاملين بالقطاع؛ وقسم تم ترسيمه بعد أن كان يتكون من المفروض عليهم التعاقد مع الأكاديميات، والبالغ عددهم 102000 أستاذ وأستاذة (حسب تقرير حول الموارد البشرية المرفق بمشروع قانون مالية 2025). وقبل ترسيمهم كانوا منظمين في إطار تنسيقية وطنية، بمثابة نقابة عمليا، وتحوز قاعدة واسعة رغم وجود منخرطين من قاعدتها بالنقابات. لكن كل النضالات الخاصة بالمتعاقدين هي عمليا بعيدة عن النقابات.
تتقاسم النقابات الست الأكثر تمثيلية نظريا تمثيل قاعدة من قرابة 230 ألف موظف وموظفة، حيث 40 في المئة يفوق عمرهم 50 سنة، و27 في المئة فقط يقل عمرهم من 40 سنة (حسب تقرير حول الموارد البشرية المرفق بمشروع قانون مالية 2025). ما يعني أن القاعدة الاجمالية القادرة على النشاط النقابي، وذات حيوية للعمل النضالي والتنظيمي تضيق باستمرار (أقل من 70 ألف) تتجاذبها ست نقابات. فبحكم وضعية القطاع وقسوة العمل به، يلاحظ أنه كلما اقترب الأجير / الأجيرة من سن التقاعد كلما تظهر عليه /ها الأمراض، ويدب الوهن في الجسد والمعنويات، وتتغير الأولويات عند فئة ليست بالقليلة بما فيها النقابيون/ات. إذن الشغيلة المفترض أن تتعبأ في العمل النقابي لتحسين الوضع المادي تتقلص وجزء منها وجد سبلا أخرى لرفع دخله (سرطان الدروس الخصوصية).
الانقسام النقابي بالغ جدا حسب مراقبين، فرقم ست نقابات عدد مبالغ فيه، ولا يعبر عن تنوع سياسي ولا إيديولوجي. فجلها خاضع لقوى سياسية بورجوازية. الوضع أشد قتامة عند النظر إلى كون كل نقابة، وهي جسم نحيل، مجزأة إلى عدة فئات ونقابات وطنية أو تنظيمات مرتبطة بالجنس أو السن…ما يجعل الأشكال التنظيمية صَدَفة فارغة في أغلب الأحيان ووسيلة لتبديد الجهد وإحباط الطلائع.
وكانت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة اتفقت مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، على التأويل الإيجابي لبعض مواد النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، إلا أن ذلك لم يتم، على الرغم من عقد حوالي 30 اجتماعا. وما فتئ التنسيق النقابي التعليمي يدعو إلى تسريع المشاورات الثنائية بخصوص تنزيل النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، مع إدراج كل الملفات المطلبية قصد إنهاء الاحتقان القائم بالقطاع.
/////////////////////////////////////////////////////////////////





