شوف تشوف

يا شباب البيجيدي استيقظوا (2/1)

يبدو أن أخطر ما قامت به قيادة حزب العدالة والتنمية تجاه شبابه، خلال الخمس سنوات الأخيرة على الأقل، هو تنويمهم مغناطيسيا، و«تدويخهم» عبر عزلهم نهائيا عن محيطهم الخارجي، وحصرهم في محيط افتراضي فيسبوكي منغلق، وإيهامهم بأنهم مجاهدون يقومون بمهمة مقدسة، ويشكلون كتائب إلكترونية للدفاع عن تجربة الحزب ضد الإعلام الموجه والمغرض، ودفعهم بذلك إلى ترويج الخطاب الوحيد والدفاع عن أخطاء القيادة وعن أخطاء «طاصيلاتهم» القياديين من زوجاتهم وأبنائهم، فلم يعودوا يسمعون أو يقرؤون إلا لبعضهم البعض، وصاروا يقدسون ما سمي بصقور الحزب وحمائمه الذين عرفوا كيف يدغدغون مشاعرهم، عبر ذرف الدموع تارة أو التنكيت المبالغ فيه تارة أخرى، ولم يعودوا يتابعون إلا تدويناتهم التوجيهية التي تحلل الحرام وتحرم الحلال أحيانا، مثلما حدث مع واقعة ابن يتيم القمار في كازينو مراكش، كما أصبحوا مستعدين وجدانيا لكي ينفذوا بشكل أعمى أوامرهم بالهجوم الافتراضي أو حتى الجسدي على كل من يكتب مقالا ينتقد فيه مواقف الحزب، ودون حاجة منهم إلى أن يقرؤوا ما كتبه أو يتبينوا ما فيه، فأصبح كل مخالف لقياداتهم الصنمية إما مدسوسا عليهم وعميلا للعفاريت والتماسيح المتربصة بتجربتهم، أو مدفوعا من قبل قوى التحكم والدولة العميقة وغيرها من المصطلحات الهلامية العقيمة التي اجتهد بعضهم في اختراعها أو في استعارتها من تركيا، كما صار كل خبر أو تحليل حول انحراف سلوك أحدهم أو واحدة منهم، مثل ما وقع مع «الكوبل الحكومي» أو «الكوبل الدعوي»، هو اختلاق للأخبار الزائفة في حق قيادييهم ومحاولة للنيل من سمعتهم الملائكية، ومحاولة لوقف عجلة الإصلاح التي لا تدور رحاها إلا بفضلهم.
أما اليوم، وبعد أن ظهرت خلافات عميقة بين تلك القيادات، حول تقييمها لمرحلة بنكيران والحاجة إلى شيطنته من طرف بعضهم، وحول تقديرها لظرفية تشكيل حكومة العثماني التي لم تقنع غالبيتهم، وبعدما طفت إلى السطح صراعاتهم حول الغنيمة، وتبادلوا الاتهامات لبعضهم البعض بالكذب والتضليل والتخوين والنميمة وغيرها من الخصال الخبيثة النائمة، أصبح بإمكان هؤلاء الشباب أن يستفيقوا من تنويمهم، وأن يزيلوا عن أعينهم الغشاوة التي كانت تمنعهم من رؤية الحقيقة، وأن يكتشفوا مزاعم الطهرانية والكمال التي كانت تلتحف بها تلك القيادات، وأن يقدروا بأنفسهم أن من كان ينتقدهم بالأمس ومن كان ينبههم إلى حقيقة بعض القيادات الكارطونية، لم يكن عدوا لهم بالضرورة، وأن من كان يداهنهم ويصور لهم الواقع ورديا ليس صديقا حقيقيا يريد لهم الخير.
ولنا أن نتتبع أوجه التناقض في خطاب وممارسة قيادات حزب العدالة والتنمية من خلال ثلاث محطات قد تشكل منطلقا لرصد تلك المفارقات العجيبة، فمن جانب هناك محام شاب، وهو الأستاذ عبد الصمد الإدريسي، البرلماني السابق عن دائرة الحاجب، وعضو الأمانة العامة للحزب، والمقرب من رئيس الحكومة، يطلق النار على النيابة العامة عبر تدوينة خطيرة جدا، ويهين السلطة القضائية مباشرة بعد خروج زميله المصطفى الرميد من وزارة العدل وما تبقى من الحريات، فيتهم النيابة العامة بمكناس بالرشوة علنا وبصريح العبارة، في ما يشكل إطلاقا منه لرصاصة الرحمة على تجربة حزبه على رأس تلك الوزارة، وإعلان إفلاس نهائي لما سمي بميثاق إصلاح منظومة العدالة التي ظل يبشرنا به زميله في الحزب.
وفي الوقت نفسه فإن هذا المحامي الشاب ينوب عن شباب حزبه المتابعين أمام محكمة بسلا في حالة اعتقال بتهم ثقيلة تتعلق بالإشادة بالإرهاب، وهي تهمة قد تصل شظاياها إلى التشكيك في طبيعة التنظيم الذي ينتمون إليه، ونوعية التأطير والتكوين الذي يمنحه الحزب الحاكم لشبيبته، وبالموازاة مع ذلك فهو يقاضي زميله الرميد وحصاد أمام المحكمة الإدارية بالرباط ويتهمهما بالتدخل في استقلال القضاء ويوجه لهما بذلك تهمة خطيرة تتعلق بخرق دستور المملكة ومخالفة القانون الجنائي، وذلك من خلال الطعن في بلاغهما المشترك الذي مهد به السيد المصطفى الرميد لدى النيابة العامة التابعة لسلطته، لمتابعة أعضاء شبيبة حزبه واعتقالهم، والذي استفاق مؤخرا بعد خروجه من وزارة العدل وحصوله بشق الأنفس على وزارة حقوق الإنسان، لكي يزعم أمام لجنة برلمانية وكعادته في التنصل من المسؤولية، بأنه لم ينتبه إلى خطورة مضمون البلاغ، وأن حصاد «قولبه» في إصداره، وهذا التصريح الخطير من وزير ظل الكثير من أعضاء حزبه يشيدون بذكائه وفطنته، يحمل دلالتين لا ثالثة لهما، فإما أن الرميد ليس ذكيا كما كان يتوهم البعض، ولا يملك المعرفة القانونية التي تؤهله أن يكون وزيرا للعدل وأن يتخذ القرارات المصيرية الخطيرة في الوقت المناسب، وينتبه إلى المطبات القانونية التي يمكن أن يوقعه فيها دهاقنة القانون المحيطين به، وأنه كل ما تم في ظل استوزاره بما في ذلك فصل النيابة العامة عن سلطته تم تمريره من تحت أنفه، وإما أنه عبد مأمور لا يملك قراره، ويحاول بين الفينة والأخرى أن يبرئ نفسه مثلما حدث مع طرد الهيني الذي قال بأنه لم يكن حاضرا خلال مداولة المجلس، بعدما أشرف على إعداد تقرير أسود حوله و«غرق له الشقف»، أو مثلما فعل مع طرد القاضي فتحي الذي تبين أنه كان في وضع نفسي لا يسمح بتحميله أي مسؤولية عن تصرفاته، أو مع قاضي العيون الذي طلب منه الرميد السكوت عن الفساد مقابل تنقيله إلى محكمة أخرى بمبررات غير مقنعة، أو ما حدث ليلة إعلان الانتخابات البرلمانية حين لجأ إلى الفيسبوك ليتبرأ من نتائجها بطريقة لا تمت بصلة إلى سلوك رجل الدولة.
وفي الوقت الذي كان فيه البرلماني السابق والمحامي المسلوخ، يدافع عن ثلة من شباب حزبه يقضون شهرهم السادس خلف قضبان سجن الزاكي، ويطالب بمتابعتهم في حالة سراح ومعاملتهم بمقتضى قانون الصحافة ويتهم إدارة السجون بسوء معاملتهم، وفي الوقت الذي كان يقصف فيه النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بمكناس بالأسلحة الثقيلة، ويتهمها بتلقي البيتزا مقابل السراح لمتهمين بترويج الكوكايين، كانت جمعية للرفق بالحيوان تستصدر حكما على الطريقة الأمريكية، وعن نفس المحكمة لفائدة كلب مسجون مطالبة بإطلاق سراحه، وهو ما تحقق لها بالفعل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى