
يونس جنوحي
ست عشرة سنة مرت حتى الآن على مجزرة “الإيغور”.
مذبحة “أورومتشي” التي لا تزال إلى الآن موضوع خلاف حول العدد الحقيقي للضحايا والالتباسات المحيطة بالفظائع التي مورست على الأقلية المسلمة في منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم -وهو تصنيف دولي يضم أربع مناطق أخرى تتمتع بهذه الصفة- غرب الصين.
بدأ كل شيء عندما خرجت الاحتجاجات السلمية في يوليوز 2009، من قبل أقلية الإيغور للمطالبة بالعدالة والدفاع عن المطالب النقابية لعمال المصانع في المنطقة، والتنديد بمقتل عدد من العمال.
التدخل العنيف الذي وُوجهت به هذه الاحتجاجات السلمية -صفة تؤكدها التقارير الدولية- تسبب في مجزرة متكاملة الأركان، صنفت الأعنف في تاريخ المنطقة ككل.
ما وقع، بحسب ما تؤكده تقارير دولية طيلة هذه السنوات، لم يكن رد فعل عنيف ضد احتجاجات سلمية وحسب، أو “حملة قمع”، بل كان تحولا مدروسا في التعاطي مع ملف الأقلية المسلمة في الإيغور.
الخبراء وصفوا ما وقع بأنه “إيذان بالانتقال من الفصل العرقي إلى سياسة إبادة جماعية شاملة تستهدف الإيغور والأقليات الأخرى”.
لا يزال الجرح الذي خلفته هذه المذبحة، طريا إلى الآن. تؤكد التقارير الإنسانية أن الخوف لدى أقليات الإيغور أصبح راسخا ولا يزال قائما إلى اليوم. يعيش الناجون، تحت رقابة مستمرة، بما في ذلك الرقابة على الحرية الدينية وممارسة الشعائر، وقد تؤدي محادثة خاصة إلى الاعتقال التعسفي. وهذا يُحيل على المعسكرات التي تعرف باسم “معسكرات إعادة التأهيل”.
تتهم عدد من الأوساط الحقوقية حكومة الصين بالسعي وراء “محو ممنهج” لذكرى المجزرة، وذلك بسن قانون يمنع “الحداد”، وترسيخ الرقابة على النقاشات المفتوحة في المنصات الإلكترونية.
آخر المواقف الرسمية للحكومة الصينية بهذا الخصوص، تصنيف الاحتجاجات التي خرجت في شوارع منطقة الإيغور، على أنها تهديد للأمن القومي، ووجب التعامل معها بموجب مقتضيات “مكافحة الإرهاب”. إلا أن الأحداث الموثقة تقول عكس ذلك تماما، وتؤكد حدوث إنزال أمني قوي حتى قبل أن تنطلق مسيرة الاحتجاج.
المثير في الموضوع، أن العدد الحقيقي للضحايا لا يزال يكتنفه الغموض إلى اليوم، رغم المجهودات المبذولة من طرف المنظمات الإنسانية والمدافعين عن حقوق الأقليات الدينية حول العالم.
منظمات حقوق الإنسان شككت على نطاق واسع في الرقم الذي جرى الإعلان عنه. 197 شخصا قتلوا وأصيب 1700 آخرون بجروح، حصيلة “مشكوك فيها”.
وخلال فترة انقطاع الأنترنت، والتي استمرت 90 دقيقة أثناء الأحداث، جرى إطلاق عشوائي للنار، من أسلحة الجيش، والشرطة أيضا. وهو ما يجعل عدد الضحايا مرشحا للارتفاع، والرقم الذي جرى الإعلان عنه رسميا، لا يمت للواقع بصلة.
تسعون دقيقة من استحالة توثيق عملية قمع المتظاهرين، كفيلة بإسقاط مئات الضحايا، و”محو الرواية الحقيقية لما وقع”.
تدمير التراث الثقافي الديني لأقلية الإيغور، لا يزال أيضا في حكم المسكوت عنه، عندما يتعلق الأمر بمأساة مسلمي الصين. وهو لا يقل خطورة عما جرى قبل ست عشرة سنة من الآن، واستمرار لمخطط عزل مسلمي الصين وإجبارهم على العمل القسري، والانخراط في ما يعرف بـ”معسكرات التلقين”، والتي تشبه أنشطتها عمليات غسل الدماغ..
ما يجعل مجزرة “أورومتشي”، استثنائية وعلى درجة قصوى من الخطورة، ليس استهدافها للمتظاهرين في الشارع وحسب، بل لكونها واحدة من أولى الأحداث التي عرفها هذا القرن، ومورس فيها ما عرف لاحقا بـ”الاستبداد الرقمي”. إذ مُنع الضحايا والشهود، من توثيق الأحداث، والتواصل في ما بينهم، أو تبادل المعلومات والمعطيات الأولية، وعاشت المنطقة عزلة حقيقية إلى حين انتهاء “الإبادة”.
بحسب خبراء عسكريين، فإن الصين جربت يومها ما بات يعرف بـ”نموذج القمع الرقمي عالي التقنية”، وبدا جليا أنه على قدر كبير من النجاعة..





