
على الرغم من الاستراتيجيات الكبرى التي رسمتها الدولة للتنمية والتشغيل والاهتمام بالعالم القروي، إلا أن منطق العمل وفق الحملات الموسمية، أو عند اندلاع احتجاجات اجتماعية هو الغالب بالنسبة إلى التدبير المحلي والجهوي، بدل العمل وفق الاستمرارية في تنزيل السياسات العمومية والتعليمات الملكية السامية، والاستباقية في التجاوب مع الشكايات والمطالب، خاصة تلك المتعلقة بالشق الاجتماعي.
وما زالت المقاربة التي تتعامل بها بعض المؤسسات مع ملفات اجتماعية حساسة، تنهل من الموسمية والنفس الحملاتي في معالجة المشاكل المستعصية، والتحرك بشكل مفاجئ، تحت ضغط الشارع ومراعاة للسلم الاجتماعي، لتجويد كل الخدمات، لكن بعدها تعود الأمور تدريجيا إلى سابق عهدها، وكأن ما حدث كان في الخيال فقط.
وتعاني جل مؤسساتنا بعد انتهاء الاحتجاجات من معضلة الفتور وتراجع الحماس وارتباك العمل في إيجاد حلول للمشاكل، وتراخي لجان التفتيش والمراقبة، وغياب الضمير المهني والإنساني، وعدم تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتقدير تبعات إهمال تراكمات القضايا الاجتماعية، مثل البطالة والفقر والهشاشة والعزلة القروية.
وما يجب أن يعلمه الجميع، من مسؤولين ومنتخبين، أن الملفات الاجتماعية الحارقة لا تُعالج بمنطق الحملات، وإنما تحتاج إلى رؤية مستدامة، مبنية على التخطيط الميداني الدقيق وضرورة تتبع المشاريع التنموية والتقييم المستمر، والمرونة في التعديلات المحتملة في حال تطلب الأمر ذلك، والتشجيع على الاستثمارات المحلية ودعم المبادرات الشبابية وملاءمة التكوين لسوق الشغل.
إن المتتبع العادي للشأن العام خارج الاختصاص، أصبح يُدرك هذا النمط الخطير في التعامل مع المشاكل الاجتماعية، ما يتسبب في تضرر الثقة تدريجيا في المبادرات الرسمية حين يكتشف الجميع أنها لم تكن سوى «حملات مناسباتية»، إما مرتبطة بتعليمات ظرفية، أو ردود أفعال سريعة على ضغوط السلم الاجتماعي، أو حتى التدخل لغايات انتخابية في بعض الأحيان.
والرهان اليوم هو النجاح في الانتقال من منطق الحملاتية إلى منطق الاستمرارية، ومن الحلول الترقيعية إلى الإصلاح الهيكلي، وذلك حتى لا تتحول الملفات الاجتماعية الحساسة إلى مجرد شعارات موسمية، سرعان ما تذوب في روتين الإدارات والتقارير دون جدوى وجمود المؤسسات المنتخبة وتحويلها إلى ضيعات خاصة.
ودائما ما تركز الدراسات الخاصة بالتعامل مع الملفات الاجتماعية على الاستباقية ومعالجة المشاكل في طور البداية، مع إيجاد حلول جذرية وليس التمديد في عمر الأزمة وصناعة التراكمات، ببساطة لأن العمل في ظروف عادية يترك مساحة كافية وأجواء مناسبة للتخطيط والتفكير وفرصا سانحة لتنزيل الحلول، على عكس العمل تحت ضغط الاحتجاجات وتطورات المطالب وخطر الركوب عليها من طرف الجهات التي تتربص بالوطن.





