حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

«الديربي» في السجن

 

 

حسن البصري

 

كشف مرتضى منصور، رئيس مجلس إدارة نادي الزمالك المصري السابق، كواليس وتفاصيل قضائه فترة عقوبته بالحبس شهرا، لاتهامه بسب وقذف محمود الخطيب، رئيس النادي الأهلي.

مرتضى ليس مجرد رئيس فريق لكرة القدم، بل هو واحد من أشهر المحامين في مصر، وعرف بمرافعاته الصاخبة وقدرته على إقحام قاموس الكرة في مذكرة الدفاع، كما يشهد له بالترافع عن الزملكاويين مجانا.

قال مرتضى، وهو يروي بعض كواليس أيامه في المعتقل: «وجدت نفسي في مجموعة تتكون من دواعش وإخوان ومهربين وقطاع الطرق». هي مجموعة الموت بلغة أهل الكرة.

نفى رئيس الزمالك، الذي سلم لابنه مفاتيح النادي بعد النطق بالحكم، كما يسلم بقال مفاتيح دكانه لابنه، أي تعامل خاص معه في السجن، لكن المعاملة الخاصة اقتصرت على أيام مباريات الزمالك، فقد شكر منصور «مأمور» السجن، لتوفيره جهاز تلفزيون كلما خاض الزمالك مباراة ذات أهمية.

في السجن يحلم الرؤساء، الذين عاشوا نبض الكرة وهم خلف القضبان، بالحرية والانتصار، بالإفراج عنهم والانفراج لأنديتهم.

الرؤساء يعيشون في السجون حياة الرؤساء، يحتفظون بصفة «البوص»، رغم أن الجموع العامة الاستثنائية أسقطتهم من مناصبهم وشيعتهم بعبارة «الله يطلق سراحهم».

المشجعون يتحولون في سجون المملكة إلى رواة تارة وملقنين يعلمون رفاقهم أهازيج المدرجات، أما القدماء منهم فتحولوا إلى خبراء في القانون يوزعون فتاواهم مجانا على فئة لا تعذر بجهلها للقانون.

في السجن كثير من المدونين، الذين دفعهم الحب الجارف لفرقهم إلى انتهاك خصوصيات خصومهم الافتراضيين، ولسان حالهم يردد «رخيصة بتعليمة»، لكنهم يتأسفون لقدر حكم عليهم بالوجود خلف القضبان في يوم «الديربي».

القلق نفسه كان يتقاسمه شعراء زمان، الذين يتألمون حين تدور رحى الحرب وهم قابعون في السجون.

عندما هجا الشاعر العرجي، وهو أشعر بني أمية، إبراهيم بن هشام المخزومي، وحبسه. قال وهو في السجن:

أضاعوني وأي فتى أضاعوا // ليوم كريهة وسداد ثغر.

بين زمن بني أمية وزمن الذكاء الاصطناعي، لم تتغير دواعي الاعتقال، فقط تغيرت مفاهيم وصكوك الاتهام، وتحول الهجاء إلى «كلاشات».

يوم «الديربي» في السجون ليس يوما عاديا، بل هو جزء مقتطع من مدرجات الملعب الصاخبة، نفس الشغف، نفس الاستنفار الأمني، وفي اليوم الموالي يتحول السجناء إلى محللين يعيدون ترتيب وقائع المباراة، لا فرق بينهم وبين من ينعمون بالحرية.

في عكاشة، عاش بودريقة والبدراوي وأوزال نبض «الديربي»، كما عاشه الناصري، وفي زنازينهم يتذكرون موعدين ثابتين: يوم الجلسة وتاريخ «الديربي»، والباقي ترتيبات واستعدادات للحدثين.

أما المناصرون، الذين صدرت في حقهم أحكام نهائية، وانتهت رحلاتهم بين السجن والمحكمة وانقضت إطلالة محاميهم، فيمنون النفس بعفو يعيدهم إلى المدرجات، ويحلمون باستقبال في بوابة المعتقل ينشد فيه الرفاق أغاني «الفيراج» ويشعلون الشهب النارية.

عندما يغادر رئيس فريق بوابة السجن، يستقبله أفراد أسرته وأقرب المقربين، فجأة تبتلع جسده سيارة محركها جاهز للإقلاع.

وحين يفرج عن معتقل ينتمي إلى فصيل من المشجعين، يعلن قرار الاستمرار في الولاء لكتيبة الأنصار، أو يعلن توبته من المدرجات.

ألم يدخل «السقندح»، كبير مشجعي الوداد، السجن مناصرا ويغادره تائبا؟

ما يعيشه سجن عكاشة يوم «ديربي» الدار البيضاء، قد يعيشه سجن عين قادوس حين تندلع معارك المغرب الفاسي والوداد الفاسي، وسجن لوداية، أو مول البركي، أو في تيفلت المدينة الصغيرة التي تضم سجنين وملعبا واحدا.

من إحدى حسنات السجون أنها تخرج إلينا، من بين جدرانها ومن ثنايا قضبانها، حكايات تنهي صلاحية لازمة «السجن للجدعان».

 

 

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى