
شهدت مجموعة من المدن، أول أمس السبت، تنظيم وقفات احتجاجية دعت إليها حركة شبابية بمواقع التواصل الاجتماعي تطلق على نفسها «جيل Z»، من أجل مطالب اجتماعية، لكن بالمقابل نجد غيابا تاما للأحزاب السياسية والمؤسسات المنتخبة عن مواكبة هذه الأحداث، وكأنها تعيش في كوكب معزول عن الواقع اليومي للمواطنين المغاربة.
بالمقابل، نجد المؤسسة الأمنية في الخط الأمامي بمواجهة هذه الحركات الاحتجاجية، التي تتسع رقعة انتشارها يوما بعد يوم بدون أي تأطير أو تنظيم، تنفيذا لدعوات مجهولة تحرض على إشعال الشارع بالاحتجاج، ويتم استغلال ملفات اجتماعية في ذلك، من قبيل الصحة والتعليم والتشغيل وغيرها.
إنه من باب اللعب بالنار ترك المؤسسة الأمنية تدبر وحدها نتائج فشل الفاعل الحكومي في الشارع، لأن مثل هذه الأحداث تفرض على الأقل عقد اجتماعات طارئة للجان البرلمان، واستدعاء الوزراء للمسؤولين، لمناقشة الأوضاع الاجتماعية وتقديم الحلول.
ما رأيناه ونراه في شبكات التواصل الاجتماعي من تدخلات لرجال الأمن لحماية الممتلكات العامة وفرض النظام وفض المسيرات والوقفات غير المرخصة، فيما الفاعل السياسي يقوم بجولاته في المدن لترديد خطابات حزبية جوفاء، وتقديم وعود للشباب بعيدة كل البعد عن انتظاراتهم، يظهر لنا بجلاء أن هناك فشلا وهوة كبيرة بين السياسات العمومية وبين احتياجات المواطنين. وفي النهاية، فإن المؤسسة الوحيدة التي تجد نفسها تتحمل المسؤولية لتدبير نتائج هذا الفشل الذريع مع ما يترتب على ذلك من دفع من رصيد شعبيتها، هي المؤسسة الأمنية، ومع أنها ليست مؤسسة منتخبة ولا تدبر الشأن العام، ومع ذلك فإنها تدفع ثمن فشل القطاعات الحكومية، التي تفضل الاختباء إلى أن تهدأ العاصفة.
هذا الوضع، يفرض فتح نقاش سياسي حول فشل السياسات العموميـة الموجهة للشباب، في ظل الأرقام المقلقة الصادرة عن المؤسسات الرسمية، التي تؤكد ارتفاع نسبة البطالة في أوساط هذه الفئة، بالإضافة إلى استمرار ظاهرة الهدر المدرسي، حيث كشفت دراسة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن مليونا ونصف المليون من الشباب تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة، لا ينتمون إلى فئة التلاميذ أو الطلبة أو المتدربين في التكوين المهني، ويوجدون في وضعية بطالة، أو خارج السكان النشيطين.
وحسب التقرير، فإن عدد العاطلين بدون عمل ولا تعليم يصل إلى 4.3 ملايين، إذا تم اعتماد السن بين 15 و34 سنة، وهو عدد كبير يطرح إشكالات تتعلق بالإقصاء والشعور بالإحباط، والتفكير في الهجرة، وتهديد التماسك الاجتماعي، كما أن معدل بطالة الشباب وصل إلى حوالي 40 في المائة في السنة الماضية. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن أكثر من 330 ألف تلميذ يغادرون مقاعد المدرسة سنويا، وهو رقم مهول، علما أن هذه الفئة تكون معرضة لكل أنواع الانحراف والاستغلال.
إن هذا الوضع يتسبب في إنهاك المؤسسة الأمنية على مستوى الصورة وأيضا على مستوى الموارد البشرية، والحل هو أن تتحمل القطاعات الحكومية المعنية بالاحتجاجات مسؤوليتها، وأن تفهم أن الفاعل الأمني دوره ينحصر في ضمان أمن الأفراد والممتلكات والأمن العام وإنفاذ القانون، وليس البحث عن حلول لمنع الاحتجاجات.
والحال أن هناك من يسعى إلى إظهار المؤسسة الأمنية كما لو كانت هي من يوقف ويعتقل الناس بمحض إرادتها، علما أن ما تقوم به المؤسسة الأمنية ليس سوى تنفيذ لأوامر النيابة العامة.
إن الاحتجاجات مجرد التهاب واحتقان ناتج عن المرض وليس المرض، والأجدر بالفاعل السياسي أن ينكب على معالجة المرض، لا أن يعتقد أن معالجة الالتهاب ستعالج الورم.





