
يونس جنوحي
مع اقتراب بداية الموسم الدراسي المقبل، يزيد القيظ من حرارة النقاش حول ما بات يعرف بمدارس الريادة، والمقررات الدراسية المخصصة لهذا الانتقال في حقل التعليم.
آلاف رجال التعليم يستعدون هذه الأيام لشد الرحال نحو المناطق الجبلية التي تنعدم في محيط مدارسها أبسط شروط العيش، فما بالك بشروط التحصيل العلمي. خريجون جُدد بعضهم لم يسبق لهم نهائيا أن زاروا منطقة نائية في حياتهم، يتعين عليهم التعامل مع محيط جديد، وتلاميذ من المغرب المنسي لم يسبق لهم رؤية إشارة المرور، أو حتى شاطئ البحر.. ويُطلب منهم في حصص الإنشاء، كتابة نص مطول عن «مغامرة» قضاء يوم على الشاطئ مع العائلة، علما أن المكان الوحيد الذين يذهبون إليه طيلة حياتهم مع آبائهم، هو السوق الأسبوعي.
منذ شتنبر 2023، لا يحل الموسم الدراسي الجديد دون استحضار أرواح رجال التعليم والتلاميذ ضحايا الزلزال المدمر.. سوف يعود التلاميذ الناجون إلى مقاعد الدراسة، وأغلبهم فقدوا الآباء والأمهات، وهناك حالات مؤثرة لتلاميذ فقدوا حرفيا كل أفراد العائلة، وانتقلوا من «الدوّار»، الذي لم يعد له وجود نهائيا فوق الخريطة، إلى الأقسام الداخلية الباردة في كل من مراكش وتارودانت.. هؤلاء التلاميذ يستعدون هذه الأيام لاستقبال موسم دراسي جديد يحرك فيهم ذكرى شتنبر الأليمة، التي أخذت منهم كل شيء.
الذين يتركون كل هذه المعضلات أعلاه، ويُركزون على انتقاد مدارس الريادة وجدوى إدخال التعديلات على برامج التعليم والمناهج والشعب، يرفعون أصبعهم عن مكمن الخلل ويلوحون به في وجه واقع التعليم الموسوم بالهدر المدرسي، وتراجع جودة التعليم، وغياب الجامعات المغربية عن تصنيف صروح التعليم العالي في العالم.
هناك من يعتبر أن «مدارس الريادة» فرصة حقيقية لإصلاح التعليم، بينما الذين يعارضون المشروع، سبق لهم أيضا أن عارضوا إنشاء خط «القطار فائق السرعة»، وقارنوا بين تكلفة الخط بين القنيطرة وطنجة، وتكلفة إنشاء آلاف المدارس في المناطق النائية من البلاد.. بقية القصة تعرفونها بطبيعة الحال.
المخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم، لم يحقق النتائج المرجوة.. واتضح لاحقا أن صفة «الاستعجال» التي اقترنت به، كانت تعني الاستعجال في إثراء جيوب بعض المسؤولين السابقين في القطاع، والذين قال القضاء كلمته في حقهم.
في الوقت الذي أطلقت فيه سابقا تجربة مدارس التميز، وتخصصات الباكالوريا، ما زالت هناك حاجة إلى تأمل الواقع المغربي جيدا وفهم مكامن الخلل في قطاع التعليم، بدل إطلاق مشاريع مؤقتة، ثم إلغاؤها.
أول ما يفقد ثقة الأسر في المدرسة العمومية اليوم، كثرة المناهج الدراسية، حتى أن مجرد فهم محتوى مقرر دراسي في المستوى الابتدائي، يحتاج إلى شهادة عليا متخصصة في علوم التربية، لفهم خريطة انتشار المناهج الدراسية.. تعقيدات في العناوين، وكثرة الإصدارات الخاصة بكل جهة، واقع لا يستفيد منه سوى أصحاب المطابع وتجار المقررات.
المقررات الدراسية التي تعتمدها المدارس الخاصة، يجب أن تُدرس على يد لجان قبل الترخيص لها، ببساطة، لأن أغلب المدارس الخصوصية تعتمد مناهج من خارج المغرب.
بعد كل هذا، يأتي الدور على الأسر التي ترسل أبناءها إلى الخارج للدراسة.. وهؤلاء تحديدا يلجون عالما لا يخلو من غرائبيات. مراكز لتكوين الطلبة المستقبليين، ووكالات لا تختلف في شيء عن وكالات الأسفار، تبيع للعائلات المغربية خدمات البحث عن الجامعات وأماكن الإقامة..
بينما الجامعات المغربية التي ما زالت تترنح من ثقل صدمة تجارة الشهادات العليا، تستعد هي الأخرى لاستقبال أفواج جديدة من مشاريع الطلبة الباحثين.. عماذا يبحثون؟ الله أعلم.





