
محمد اليوبي
تزامنا مع الجدل، الذي أثاره قرار إلغاء المجلس الإداري للوكالة الوطنية للمياه والغابات، من طرف وزير الفلاحة والصيد والبحري، وإعلان الموظفين عن هروب جماعي قبل إدماجهم قسريا بالوكالة في فاتح يناير المقبل، قام المدير العام لهذه المؤسسة العموميـة بتوزيع «فائض» الميزانية على كبار المسؤولين تحت غطاء «بريمات» نهاية السنة.
وبعد تأجيل المجلس الإداري إلى أجل غير مسمى، وبعد اقتراب نهاية ستة أشهر من التمديد لمديرها العام، عبد الرحيم الهومي، تواجه الوكالة الوطنية للمياه والغابات انتقادات داخلية متصاعدة وتساؤلات حول طرق تدبير ميزانيتها السنوية، التي تناهز 2.5 مليار درهم، وسط اتهامات بغياب الوضوح في صرف المبالغ المتبقية من ميزانيتي التسيير والاستثمار في نهاية كل سنة مالية.
وتفيد معطيات من داخل الوكالة بأن الأموال التي لا يتم صرفها خلال السنة المالية، وبدلاً من إعادتها إلى الخزينة العامة للمملكة وفقاً للقواعد المحاسبية المعمول بها في المؤسسات العمومية، يتم توزيعها في نهاية السنة على شكل تعويضات مختلفة (تعويضات عن التنقل أو منح استثنائية). ويثير هذا الإجراء عدة تساؤلات قانونية حول مدى مطابقة هذه النفقات للنصوص التنظيمية، خاصة وأنها تُصرف تحت مسميات قد لا تعكس الواقع الفعلي للمهام المنجزة.
وسجلت السنة الجارية حالة من الاستياء وسط الموظفين والمسؤولين في المصالح الخارجية، بسبب ما وُصف بـ«التفاوت الصارخ» في توزيع هذه المبالغ بين الإدارة المركزية والمصالح اللاممركزة.
وأكدت مصادر أن عملية التوزيع تفتقر إلى معايير موضوعية ومعلنة، حيث يتم تحديد المبالغ الممنوحة «خلف الأبواب المغلقة»، مما يكرس شعوراً بـ«المحسوبية» ويضرب مبدأ الاستحقاق والشفافية في المرفق العام.
وأفادت المصادر بأن المدراء المركزيين ورؤساء الشعب استفادوا من تعويضات تفوق 40 ألف درهم، فيما استفاد رؤساء الأقسام والمصالح من تعويضات تتراوح ما بين 6 آلاف و10 آلاف درهم، فيما تم توزيع تعويضات «سمينة» على المدراء الجهويين والإقلميين، واستفادوا من دفعة ثانية قاموا بتوزيعها بطريقتهم «الخاصة» على رؤساء المصالح، وكان الخاسر الأكبر من هذه العملية هم الموظفون والتقنيون العاملون بالمصالح المركزية والخارجية الذين استفادوا من فتات التعويضات.
وأثار تكرار هذه العملية سنوياً، دون حسيب أو رقيب، تساؤلات حول دور أجهزة الرقابة الداخلية والمفتشية العامة للمالية في فحص طرق صرف هذه الميزانيات. ويرى مراقبون أن تحويل «الفائض» المالي إلى تعويضات بدلاً من استثماره في تطوير القطاع الغابوي أو حماية الثروات الطبيعية، يعد «هدرًا للمال العام» يتطلب فتح تحقيق لتحديد المسؤوليات وضمان التزام الوكالة بالتدبير الرشيد للميزانية.
وفي ظل هذا الغموض، يطالب موظفو الوكالة والشركاء الاجتماعيون بضرورة إرساء نظام شفاف لتوزيع التعويضات يخضع لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات ووزارة الاقتصاد والمالية، لضمان توجيه الموارد المالية نحو الأهداف التنموية التي أنشئت من أجلها الوكالة، بعيداً عن «ترضيات» نهاية السنة.
وتعيش الوكالة الوطنية للمياه والغابات على وقع احتقان غير مسبوق، بعد إعلان الموظفين عن هروب جماعي من الوكالة، بتقديم طلبات إنهاء إلحاقهم قبل حلول فاتح يناير المقبل، تاريخ المهلة التي خصصتها الحكومة بموجب القانون، للإدماج القسري لمستخدمي الوكالة، لأن جلهم قادمون من قطاع الفلاحة.
وأكدت المصادر أن الأجواء الإدارية على مستوى الوكالة الوطنية للمياه والغابات تتسم بالتوجه نحو النفق المسدود، جراء القلق المتزايد لدى الموظفين الملحقين بهذه الوكالة، مع اقتراب انتهاء فترة الإلحاق المؤقت، وبدء الوكالة في عملية الإدماج القسري لموظفيها، وفقًا لأحكام المادة 18 من القانون رقم 52.20 المتعلق بإحداث الوكالة الوطنية للمياه والغابات.
وكانت إدارة الوكالة فشلت في إقناع المستخدمين والموظفين بتقديم طلبات لإدماجهم في الوكالة، وأوضحت المصادر أنه في الوقت الذي كان يتعين فيه على الإدارة المركزية تعديل القانون الأساسي لمستخدمي الوكالة الذي تم فرضه بشكل فوقي وخارج نطاق أي مقاربة تشاركية وتنقيته من الأعطاب ومواءمته مع مقتضيات النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، في عدد من المقتضيات المهمة، والتي كانت موضوع مذكرة نقابية منذ أكثر من سنتين، فضلت ممارسة التعتيم الإلكتروني عبر منصة الموارد البشرية لدفع الموظفين إلى ملء طلبات الإدماج دون القيام بالواجب.





